يطوف فريق "كوشان بلدي" بين أزقة وشوارع مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، بهدف توثيق الأوراق الثبوتية التي تؤكّد على أحقية الفلسطينيين في أراضيهم، ومدنهم وقراهم المُحتلة، التي هُجروا منها عنوة عام 1948.
ويطرق أعضاء الفريق، أبواب البيوت، بحثاً عن أوراق ثبوتية، يُمكن استغلالها قانونياً ضدّ الادعاءات الإسرائيلية الباطلة، فيما بدؤوا بتنفيذ سلسلة أنشطة وفعاليات مجتمعية وميدانية، كما على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الوثائق وحامليها.
ولا تقتصر أنشطة مبادرة "كوشان بلدي" على جمع الأوراق الثبوتية، لكنهم يجمعون أيضاً أوراق تثبت ملكية الأرض، والهوية الفلسطينية وشاهدات الميلاد التي توثق أسماء البلدان القديمة، كذلك الأوراق والمستندات القانونية القديمة، وهم انطلقوا كذلك في حملة لتوعية اللاجئين والجمهور الفلسطيني بضرورة الحفاظ على تلك الوثائق والمستندات والأوراق الثبوتية، وأهميتها في إثبات الحق الفلسطيني قانونياً.
وينطلق الفريق الفلسطيني في أزقة المخيمات، وبين بيوت اللاجئين القديمة، حاملاً مبدأ ترسيخ حق العودة، وتثبيت الحق الفلسطيني في الأرض والمدن والقرى المُحتلة، إلى جانب دحض المقولة الإسرائيلية بأنّ "الكبار يموتون، والصغار ينسون"، وذلك عبر الحفاظ على تلك الوثائق، وتوريثها للأجيال القادمة، والتي ستستند إليها، في كل المعارك القانونية، ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
واستقبل الثمانيني الفلسطيني، علي العِر، وهو لاجئ فلسطيني من مواليد بئر السبع عام 1936، فريق "كوشان بلدي" داخل المضافة الخاصة به، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة مصحوبة بالأمل، الذي رافقه لحظة سماعه انطلاق مُبادرة تُعنى بتوثيق الحق التاريخي الفلسطيني في الأراضي والمدن المحتلة.
ولا يزال العِر يتذكر تفاصيل ما جرى عام 1948، حين قامت العصابات الصهيونية بتدمير "البوايك" الخاصة بسكان بئر السبع، ويقول: "كنت في الصف الثالث حينها، وما زلت أشعر بغصة فراق المحرقة والشريعة (وهي مناطق في بئر السبع)". ويستدرك بالقول: "ما زلت أحمل هويتي، التي كُتب فيها أنني من مواليد بلدة بئر السبع، وهي وثيقة رسمية ومصدّقة تسبق تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
ويرى الثمانيني الفلسطيني، أهمية كبيرة في المُبادرات التي تهدف إلى توثيق الحق الفلسطيني، عبر توثيق كل الأوراق الثبوتية، ويضيف: "مرّ زمن طويل على احتلال إسرائيل للمدن الفلسطينية، وقد تخلّى عنّا القريب والبعيد، وعلى وجه التحديد الدول التي هرولت للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يؤكد على ضرورة أن نقتلع أشواكنا بأيدينا من خلال توسعة المشاركة في المبادرة التي تزرع الأمل في الأجيال القادمة، وتساهم في استمرار نبذ دولة الاحتلال".
وسارع الفلسطيني خالد المدهون (58 عاماً)، وهو لاجئ من مدينة المجدل، ويسكن مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، للمشاركة مع أعضاء الفريق، مصطحباً معه "كوشان" بيتهم في المجدل، والذي قامت والدته بشرائه من أحد أقاربها، ويقول: "كان الكوشان القديم ممزقا، لكنني قمت بإعادة لصقه، ويحتوي على عقد بيع البيت مناصفة بين والدتي وقريبها، وقد حددت في العقد المساحة، وأسماء العائلات التي تحدّ البيت من مختلف الجهات الأربع، وكانت جميعها عائلات فلسطينية".
ولم يمح مرور السنوات، تفاصيل العقد المبرم داخل الكوشان المهترئ، فيما يثبت حق الوالدة وورثتها ببيتهم في المجدل، وفق تعبير المدهون، الذي يؤكد لـ "العربي الجديد" على أنّ البيت يمثّل "أيقونة أننا كنا هناك ذات يوم وخرجنا تحت النار، وسنرجع إليه في يوم من الأيام، وإن لم نحصل عليه، سنورثه لأبنائنا".
واستضاف السبعيني الفلسطيني موسى أبو راشد، مختار عشيرة أبو راشد، أعضاء فريق كوشان البلدي في منزله، وسط مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، وقد أبدى إعجابه بالفكرة التي وصفها بأنها "فكرة جيدة لإيقاظ الوعي، إذ يمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يزيّف التاريخ لفترة قصيرة، إلا أنّ الأوراق الثبوتية، ستمحو كلّ ذلك التزييف وتلغيه".
وتستند مبادرة كوشان بلدي إلى حقوق الشعب الفلسطيني التي تنصّ عليها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تحرم وتجرم تهجير الشعب الفلسطيني، وأي شعب آخر من أرضه، فيما يمنع "ميثاق روما" الاحتلال من الاستيلاء على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتسعى المبادرة السياسية والتي تندرج تحت مبدأ النضال السلمي لإثبات الحق الفلسطيني، وتعميم الثقافة الوطنية الخاصة بالمدن الفلسطينية المحتلة، وتوعية الأجيال الجديدة بأنهم ليسوا من مخيمات اللجوء التي ولدوا فيها، وإنما من الجية، وبئر السبع، والمجدل، ودمرة، وبلطيمة، وبربرة، واللد، والرملة، وصفد، وعكا، وحيفا، ويافا، ونعليا، وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة.
وبدأت ترجمة فكرة المُبادرة على أرض الواقع، من خلال استفتاء للقيادات والمجتمع المحلي والعشائر، حول مدى جدوى مبادرة تدوين وتوثيق الكواشين والأوراق الثبوتية، كردّ منطقي على رواية الاحتلال، إلى جانب شرح المبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد حظيت المبادرة بقبول وتشجيع، ما دفع القائمين عليها إلى البدء بتنفيذ زياراتهم الميدانية، وتطبيق الفكرة على أرض الواقع، عبر طرق جدران الخزان، والتواصل مع المؤسسات الرسمية الراعية لملف اللاجئين، والعديد من اللاجئين، ممّن يمتلكون الكواشين والأوراق الثبوتية.
ويوضح ممثّل فريق مبادرة "كوشان بلدي"، أكرم جودة لـ"العربي الجديد"، أنّ المبادرة انطلقت في الأيام الأخيرة للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، لدحض الرواية الإسرائيلية، بأنّ ما يجري على الأرض في الضفة الغربية والقدس وأحيائها، عبارة عن عملية أحكام وقضاء، وليست عملية سياسية وانقضاضا على الأراضي الفلسطينية، فيما يضم الفريق نشطاء في ملف اللاجئين، وممثلين عن العشائر، ويضم قسماً للعلاقات العامة وفريقا قانونيا.
ويحاول الفريق تحريض الرأي العام الجماهيري الضاغط، ومساعدة اللاجئين في رفع شكاوى ضد الاحتلال الإسرائيلي، استناداً إلى ما يحملونه من كواشين وإثباتات في حقهم بأرضهم التي سرقت تحت قوة السلاح، وفق قول جودة لـ "العربي الجديد". مع التأكيد على أنّ "من ليس له كوشان، لا يعني أنه لا يملك حقا في أرضه التي تركها تحت أزيز الرصاص، دون أن يتمكن من حمل كوشان البيت، لذلك شرعنا في التواصل مع دولة تركيا لاستخراج كوشان لأصحاب الأرض الأساسيين".
وتعمل مبادرة "كوشان بلدي" على صعيدين، وهما الصعيد المعنوي، الذي يهدف إلى زرع الفكرة معنوياً في نفوس الأجيال الجديدة من الشعب الفلسطيني من خلال التشبيك مع أكبر قدر ممكن من المؤسسات، إلى جانب الصعيد القانوني، ويهدف إلى خلق حالة قانونية وقضية واحدة، تكون سابقة عدلية للشعب الفلسطيني يمكن أن يبني عليها لتحصيل الحقوق مستقبلا.