يعاني لبنان في الفترة الحالية من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، ويُعَدّ اللاجئون الفلسطينيون من بين أكثر الفئات تأثّراً بها. وفي محاولة لمساعدة العائلات الفقيرة، تكثر المبادرات الإنسانية والاجتماعية، خصوصاً في شهر رمضان، في مختلف المخيمات الفلسطينية. إحدى هذه المبادرات تأتي من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، من خلال توفير وجبات الإفطار للصائمين تحت عنوان "مطبخ الخير" بدعم من جمعية "أحلام لاجئ".
وعن المبادرة يقول المدير التنفيذي للجمعية، صبحي عفيفي، المقيم داخل المخيم نفسه إنّ "فكرة مطبخ الخير أتت بعد تأزّم الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، فتأثرت المخيمات الفلسطينية كثيراً بتلك الأزمة، خصوصاً مخيم شاتيلا بعد ارتفاع نسبة البطالة بين شبابه". يضيف عفيفي لـ"العربي الجديد" أنّ "المبادرة انطلقت قبيل شهر رمضان، وكنّا نوفّر الوجبات للعائلات المحتاجة من خلال تبرّعات نجمعها. أمّا في أيام الجمعة، فكنّا نؤمّن نحو 100 وجبة، كمساهمة إضافية إلى المطبخَين المتوفرَين في المخيم. مع ذلك، فإنّ الأوضاع الصعبة تفرض إقامة مزيد من المطابخ الرمضانية". ويوضح عفيفي: "نؤمّن في خلال شهر رمضان 300 وجبة إفطار للعائلات يومياً، فيوصلها متطوعون إلى المنازل، حفاظاً على كرامتهم. كذلك نؤمّن 30 وجبة إفطار للأطفال الأيتام الصائمين يومياً، طيلة شهر رمضان، وتتراوح أعمار هؤلاء ما بين ستّة أعوام و12 عاماً، ويعمل على تقديم هذه الوجبات فوج الكشاف في الجمعية وشباب الخدمات الاجتماعية".
ويتابع عفيفي "عملنا قبيل شهر رمضان على تأمين المواد المطلوبة من أرزّ وزيت وغيرهما، لكنّنا واجهنا نقصاً في تلك المواد على الرغم من توفر المال. فالأسواق اللبنانية تعاني في الأساس نقصاً في الموائد الغذائية. وقد عملنا قبل ثلاثة أسابيع من شهر رمضان على تأمين الأرزّ، لكنّ الكمية التي توفّرت لم تكن كافية إلا لمنتصف الشهر، بالتالي رحنا نعمل على توفير كميات إضافية". ويلفت عفيفي إلى أنّ "الجمعية تعتمد على أموال المتبرعين المغتربين وبعض ميسوري الحال في المخيمات، ومن المرجّح زيادة عدد الوجبات في حال ارتفع عدد المساهمين لتستهدف عائلات إضافية في كل أرجاء المخيم". ويذكر أنّ "العائلات اختيرت من خلال مسح ديموغرافي بالتعاون مع المكتب الطالبي لحركة فتح، فتبيّن أنّ 1132 عائلة تسكن مخيم شاتيلا. لكنّ الاختيار وقع على العائلات الأكثر فقراً".
أمّ أيمن من المتطوّعات في "مطبخ الخير" وتقيم في مخيم شاتيلا، علماً أنّها من يافا الفلسطينية (تبعد عن مدينة القدس نحو 55 كيلومتراً). تقول لـ"العربي الجديد": "تطوّعت في المطبخ قبل شهرَين، مع بدء العمل فيه. ونحن نوفّر وجبات إفطار للحالات الأكثر عسراً، غير القادرة على ذلك. ونستهدف كذلك كبار السنّ خصوصاً، والأشخاص المصابين بفيروس كورونا".
تضيف: "تطوعت لأنّني أشعر بالسعادة عند تقديم المساعدة للأهالي. كذلك أعمل لمساعدة عائلتي. وليست هذه تجربتي الأولى في العمل التطوّعي، إذ قمت بمبادرات مشابهة قبل ذلك".
أمّ وسام متطوّعة أخرى في "مطبخ الخير" تقيم في المخيّم نفسه وهي من بلدة ياجور (تقع على بعد 9.5 كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا). تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "إنشاء هذا المشروع الخيري داخل المخيم مهم في هذه الأيام الصعبة، لأنّ عائلات كثيرة لا تستطيع شراء حتى الخبز لأولادها. فالشباب بمعظمهم عاطلون من العمل. وفيما نوزّع الوجبات، يطلب منّا عدد كبير من الأهالي الخبز كذلك، إذ إنّ شراءه ليس في مقدورهم، فأوضاع الناس المادية صعبة جداً. هم يعانون من ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تبعات انتشار فيروس كورونا". تضيف أمّ وسام أنّ "أمهات كثيرات كنّ يطبخنَ الأرزّ فقط لإطعام عائلاتهنّ، فارتفاع الأسعار زاد الأمور تعقيداً، مع العلم أنّ عائلات كثيرة في المخيم لم تتمكن من شراء اللحوم منذ أكثر من سنة. وفي مثل هذه الأوضاع، نعمل على توفير وجبات الإفطار لأكبر عدد ممكن من العائلات".
وتتابع: "نوصل نحو 150 وجبة إلى منازل العائلات المحتاجة، ويتغيّر الرقم بحسب المساهمات المقدّمة. وبالإضافة إلى وجبات الإفطار، نقدّم العصائر ورقائق الشيبس (بطاطس) للأطفال كون الأهل لم يعودوا قادرين على تأمينها لأطفالهم، مع الارتفاع المستمر في أسعارها". وتشير أمّ وسام إلى أنّها تعمل في الجمعية منذ عشرة أعوام "وهدفنا الأساسي مساعدة العائلات الأكثر فقراً، فعملنا إنساني اجتماعي غايته خدمة الناس".