"وِلْد الحي"... وصم لأبناء الأحياء الشعبية في تونس

02 نوفمبر 2022
شبان الأحياء الشعبية في تونس غاضبون من التمييز (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

"يكفي أن يكون عنوانك الرسمي في حي التضامن أو دوار هيشر أو سيدي حسين حتى تصبح موضع شبهة ويلاحقك الوصم". هذا ما يقوله أبناء أحياء شعبية في تونس حين يعرضون شكواهم من الفرز الاجتماعي الذي يتعرضون له، والذي يضعهم أحياناً في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن، ويعرضهم إلى اعتقالات عشوائية ومحاكمات بسبب ما يعتقدون بأنه ناتج من مجرد الانتساب إلى أحياء فقيرة.

وتزداد هذه الاعتقالات مع كل موجة غضب تنفجر داخل التجمعات السكنية الكثيفة، وتبررها السلطات بمحاولة الشباب المحتجين الإضرار بالممتلكات العامة، وتنفيذ اعتداءات مدبرة في الطرقات، ما يوجب استخدام العنف لدى التصدي لهم.
يقول علاء بوزوزية، أحد أبناء حي دوار هيشر، أكبر الأحياء الشعبية في العاصمة تونس، لـ"العربي الجديد": "يعاني أبناء هذا الحي من تهميش ممنهج وإقصاء اجتماعي يتفجر غالباً باحتجاجات عنيفة تفضي إلى مواجهات بدرجات متفاوتة من الشراسة مع قوات الأمن".
ويؤكد أن "الإقصاء والتهميش والحلول الأمنية التي تلجأ لها السلطات في التعامل مع شبان الأحياء الشعبية جعلت الكراهية متبادلة وبلا حدود بين الطرفين. وحين تشتد الأزمة في حي دوار هيشر يخرج الشباب للعراك مع الحاكم، خصوصاً أن انتسابهم إلى الحي الشعبي في عنوان الإقامة المدون على بطاقة التعريف يجعلهم موضع مساءلة أمنية مشددة، ويواجهون تهمة "وِلْد الحي" التي قد تحولهم إلى موضع شبهة، وربما تعرضهم لمطاردات أمنية. ويضاف ذلك إلى ما يتعرّضون له أصلاً من رفض في العمل، علماً أن عدم توفير الدولة خدمة النقل العمومي في الأحياء الشعبية لتأمين انتقالهم للعمل في باقي ضواحي العاصمة قد يجبرهم على البطالة التي تتسبب بمشكلات اجتماعية كبيرة".
ورغم أن شباب الأحياء الشعبية تقدموا المحتجين في كل المحطات الكبيرة التي مرت بها تونس، لم يتغير يوماً الأسلوب الرسمي في التعاطي معهم، فالملاحقات القضائية تطاولهم منذ ستة عقود، أي منذ استقلال تونس، حيث تتغلب النزعة الأمنية التي لا تهتم بالأسئلة المتعلقة بما يريده هؤلاء الشباب، وكيف يمكن أن تعيد السلطات ترتيب الروابط الاجتماعية على قاعدة المواطنية الحقيقية والمنصفة للجميع في المناطق المكتظة بالسكان.

تتعامل قوات الأمن بعنف مع شبان الأحياء الشعبية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
تتعامل قوات الأمن بعنف مع شبان الأحياء الشعبية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)

اصطياد سياسي
ويقول وائل بوكرومة الذي يسكن في حي التضامن الشعبي لـ"العربي الجديد"، إن "احتجاجات الشباب في منطقته تفتقر في مناسبات عدة إلى عناوين مهمة وتنتج من انفعالات وردود فعل على حوادث، فيصطاد السياسيون هذا الغضب، ويستغلون المحتجين ومواقفهم لتصفية حسابات مع خصومهم، في وقت يستمر المواطنون في مواجهة آلة القمع بلا أي ضوابط، والمعاناة من غياب الخدمات وتفاقمه في ظل غياب الحلول المرتبطة بمبادرات السلطات نفسها".
يضيف: "الحقيقة أن الملاحقات العشوائية والمحاكمات الجائرة التي تستهدف أبناء الأحياء الشعبية تراجعت في الفترة الأخيرة مقارنة بتلك السابقة، لكن احتقار السلطة لهم، وتهميشهم، ما زال يتواصل، ويظهر بوضوح في كل المسائل التي تخصهم. كما  يتعرّض النشطاء لتضييق وتهديد بسبب دفاعهم عن حقوق مواطني الأحياء الشعبية في الحصول على خدمات عامة جيدة وحياة كريمة وعادلة".

المرأة
التحديثات الحية

اتهامات ملفقة
ويخبر الناشط سيف العيادي الذي أوقف على هامش احتجاجات شهدها حي دوار هيشر أخيراً، "العربي الجديد" أن "عدد الموقوفين من أبناء الأحياء الشعبية في التضامن وسيدي حسين والسيجومي والكرم وحي الزهور لا يقل عن 370. ويمثل معظمهم أمام القضاء بتهم تتعلق بتشكيل مجموعات إجرامية والانضمام إليها بهدف إلحاق أكبر قدر من الأضرار بالأملاك العامة والخاصة، وغالبيتها ملفّقة تخلو من أدلة لإدانة الموقوفين، في وقت يطالب النشطاء بتعزيز معايير حرية التعبير عن الرأي في الأحياء الشعبية".
وتحيط بتونس العاصمة عشرات من الأحياء العشوائية منذ ستينيات القرن الماضي، والتي يُوصم سكانها بالعنف والانحراف ورفض العمل، ما يعمّق شعورهم بالإقصاء والتهميش، ويعرّضهم لتوقيفات يرد عليها محامون في منظمات مدنية بالتطوع لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم في قضاياهم المحقة غالباً، والنابعة من شعور عارم بالضيق، تمهيداً لتوفير الإحاطة القانونية المطلوبة لأسرهم. 

انتساب شاب إلى حي شعبي يعرضه لمساءلة أمنية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
انتساب شاب إلى حي شعبي يعرضه لمساءلة أمنية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)

"بنوك غضب"
ويقول الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين لـ"العربي الجديد"، إن "عنف الدولة يخلق لدى شباب الأحياء الشعبية شعوراً بالإذلال يتفاقم شيئاً فشيئاً لتتحول هذه المناطق إلى بنوك غضب تنفجر في وجه السلطة الممثلة بقوات الأمن نتيجة محاولاتها السيطرة على الشوارع هناك".
يضيف: "الشوارع والأحياء الشعبية فضاءات أساسية لعيش المواطنين بسبب ضيق المساكن وصعوبات العيش، لكن الشرطة تريد السيطرة عليها في إطار المهمات التي تنفذها للحفاظ على الأملاك العامة، ما يوجِد مناطق نزاع وتنافس مع أبناء هذه المناطق".

ويؤكد حنين أن" ضعف خدمات الدولة في الأحياء الشعبية يقابله حضور قوي لأجهزة الأمن فيها، ما يجعل المواجهات مفتوحة بين المواطنين وأجهزة الأمن. وهذا التعاطي الرسمي السلبي مع أبناء الأحياء الشعبية ليس استثناءً تونسياً، إذ تشمل ظواهره غالبية دول العالم، بينها تلك الأكثر ثراء وديمقراطية".
ويعتبر أن "فشل الدولة في احتواء هؤلاء الشباب حوّل العيش في بعض الأحياء الشعبية إلى وصم اجتماعي يغذّي النقمة لديهم، ويترجم لاحقاً في مهاجمة مؤسسات رسمية أو ممتلكات خاصة تعكس مظاهر الثراء".
وتشكل الأحياء الشعبية حزاماً يحيط بالعاصمة تونس ومدنها الكبرى. وقد توسعت بعد الأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد في سبعينيات القرن الماضي والناجمة عن تجربة الاشتراكية الفاشلة حينها، والتي تسببت في موجات هجرة داخلية كبيرة من المدن الداخلية والأرياف نحو العاصمة.