آثار تونس التاريخية "بلا أثر" وسط المباني

01 يوليو 2022
+ الخط -

تعرّض العديد من المواقع الأثرية في تونس إلى أعمال تخريب ارتبطت بتنفيذ مشاريع بناء طمست معالم تاريخية في بعض المناطق. ففي منطقة العوينة بتونس العاصمة، شيّدت خلال السنوات العشر الأخيرة مبانٍ سكنية على مساحات كبيرة من الأراضي الأثرية، ويلاحظ من يتجوّل فيها اليوم وجود بقايا لجدران أثرية تنتشر في زوايا طرق وأرصفة ومواقع حدائق عامة. 
يؤكد محمد أمين عرفاوي، العضو في جمعية حماية التراث، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "عدد هذه المعالم كبير جداً، وتلك غير المكتشفة تحت الأرض أكبر أيضاً، وكان يفترض منع تشييد أي منشآت في منطقة العوينة، أو تكليف المعهد الوطني لحماية التراث الإشراف على عمليات الحفر، لأن دراسات تشير إلى إمكان اكتشاف آثار مدفونة كثيرة قد تكون الجرافات دمرت العديد منها، أو طمستها رغم الإبقاء على بعضها فقط في أماكن متفرقة". 

وينصّ الفصل 45 من قانون حماية التراث على أنّ تشييد المناطق المجاورة للمعالم التاريخية المحمية أو المحيطة بها يجب أن يحصل على مسافة لا تقل عن 200 متر. أما الفصل 46 فيمنع القيام بأي نوع من الأشغال داخل هذه المناطق إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الوزير المكلف ملف التراث. كما يورد الفصل 28 أنه لا يمكن تنفيذ أي أشغال تهدف إلى ترميم عقارات محمية أو إصلاحها أو تغييرها أو إجراء إضافات فيها أو إعادة البناء فيها، من دون الحصول على ترخيص مسبق من الوزير ذاته.

وفي 5 يونيو/ حزيران الماضي، زارت وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة قطاط القرمازي معلم "الحنايا" الأثري الروماني الذي يضم جسوراً معلقة تعلوها شبكة مياه أو سواقٍ مغطاة، تنبسط فوق أقواس وأعمدة شيدت من صخور صلبة تمتد على طول 132 كيلومتراً، لنقل المياه العذبة من زغوان إلى قرطاج، وعاينت الاعتداءات التي طاولته، وشملت هدم أجزاء منه ونقل أحجار بعد تنفيذ عمليات حفر عشوائية في إطار خطط للتوسع العمراني في المنطقة. واطلعت أيضاً على مجموعة تجاوزات للقيمة التاريخية لمعلم الكراكة في ضاحية حلق الوادي، شملت بناء عدد من أكشاك البيع في محاذاته، في حين تتواصل عملية انجاز مطعم ومقهى، ما يخرق بالكامل الإجراءات المتبعة.

لا تطبيق لتشريعات حماية التراث (العربي الجديد)
لا تطبيق لتشريعات حماية التراث (العربي الجديد)

وذكرت وزارة الثقافة في بيان أنّها ستحقق في هذه التجاوزات، وتطبق الإجراءات المطلوبة في حق مرتكبيها استناداً إلى التشريعات والمعتمدة. لكن ذلك لا يمنع استمرار العديد من الجرافات في حفر مساحات شاسعة بالمنطقة من أجل تشييد مبانٍ جديدة، وهو ما تندد منظمات عدة به.
وشهدت المواقع الأثرية في منطقة قرطاج بتونس العاصمة، أحد أشهر المعالم الأثرية في البلاد، والمصنّف موقعَ تراث عالمياً منذ عام 1979، الاعتداءات الأكبر حجماً خلال السنوات الأخيرة، حيث جرى تشييد مبانٍ فوضوية على أراض مصنفة أثرية فيها. وأصدرت بلدية قرطاج أكثر من 300 قرار بهدم مخالفات منذ عام 2011، لكن معظمها لم يُنفَّذ. 

شهدت مدينة قرطاج الأثرية الاعتداءات الأكبر (العربي الجديد)
شهدت قرطاج الأثرية الاعتداءات الأكبر (العربي الجديد)

ويوضح المعهد الوطني لحماية التراث أنّ غالبية المشاريع نفذت من دون أخذ رأيها، ما يخالف تماماً الترتيبات المعمول بها. ويشير إلى أنه لا يملك سلطات تنفيذية، ويكتفي بإبلاغ البلديات بشكل سريع بكل التجاوزات المرصودة، باعتبارها الجهة المخولة قانوناً تنفيذ قرارات الهدم بالتنسيق مع مصالح الولاية.
وتواصل منظمات عدة تعنى بحماية التراث تنظيم احتجاجات ضد قرارات لتنفيذ عمليات هدم، وتطالب بحماية ما تبقى من آثار، علماّ أن القانون رقم 35 الصادر عام 1986 ينص على تولي السلطات مهمة حماية الآثار والمعالم التاريخية والمواقع الطبيعية والعمرانية، وصيانة تراثها الحضاري والثقافي والجمالي الذي خلفته الأجيال البشرية المتعاقبة، وكذلك حماية وصيانة آثار شعوب وحضارات أخرى ومواقعها ومعالمها التاريخية القائمة، واحترام ما يوجد منها خارج حدودها تنفيذاً للاتفاقات الدولية التي التزمت بها، ولقواعد القانون الدولي. 

الأثارات أقل ظهوراً من المباني (العربي الجديد)
الآثارات أقل ظهوراً من المباني (العربي الجديد)

ويضبط القانون رقم 35 إجراءات الصيانة والحفاظ على ميزات الآثار والمعالم التاريخية والمواقع الطبيعية والعمرانية الموجودة ذات الأهمية التاريخية والمناطق المحيطة بها لحمايتها، ويعمل لإعادة ما اندثر منها كي تسترجع مظهرها الأصلي من خلال عمليات الترميم والإحياء. كما يشير إلى أن الوزير المكلف شؤون الآثار يتولى حمايتها وصيانتها والحفاظ عليها، إلى جانب المواقع الطبيعية والعمرانية ومناطق الحماية المحيطة بها.

ويشير الصادق بن بوعزيز المتخصص في التراث، وهو مدير متقاعد من المعهد الوطني للتراث، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "العديد من المواقع الأثرية في جميع المحافظات شهد اعتداءات كبيرة نفذها أشخاص يبحثون عن كنوز قرب هذه المواقع، أو شركات مقاولة شيّدت مباني سكانية كبيرة على مساحات شاسعة لأراضٍ أثرية، ما طمس العديد من المعالم التاريخية في مناطق مختلفة". يضيف: "يبلّغ المعهد الوطني للتراث بحصول تجاوزات، لكن السلطات المعنية لا تتخذ  الإجراءات اللازمة للتدخل من أجل منعها". 

المساهمون