أدى أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني صلاة الجمعة داخل مسجد ومقام النبي موسى الذي يقع جنوبي مدينة أريحا في الضفة الغربية، رداً على إقامة حفل فني صاخب مساء السبت الماضي داخل المقام بعد الحصول على إذن من وزارة السياحة الفلسطينية.
وتجمع الفلسطينيون القادمون من القدس المحتلة ومحافظات الضفة الغربية في ساحة المقام رغم إقامة شرطة الاحتلال الإسرائيلي حاجزاً على الطريق المؤدية إليه، وتحريرها مخالفات بحق حملة الهوية المقدسية بحجة خرق إجراءات الإغلاق لمكافحة فيروس كورونا، إذ سلك المئات طرقاً ترابية، فضلاً عن تمكنهم بسبب كثرة المركبات والحشود من اختراق حاجز شرطة الاحتلال.
ولم يتسع المقام بساحاته ومصلاه المسقوف للمصلين الذين قدموا رجالاً ونساءً، ما اضطر عدداً منهم للصلاة خارج أسواره، وبعضهم أعلى سطحه، فيما علت التكبيرات والهتافات التي تؤكد حرمة المكان، وتدعو للدفاع عن المسجد الأقصى فور انتهاء صلاة الجمعة.
وكان ملحوظاً وجود رجال أمن فلسطينيين بلباس مدني في المقام، كما أحاط بالمصلين عدد من المتطوعين لتقديم الخدمات الإسعافية، وقال مدير إحدى الجمعيات التطوعية، عبد المجيد طه، لـ"العربي الجديد": "الجمعية لبت النداء لخدمة الحشد الكبير الذي وصل إلى المكان للتعامل مع أي طارئ صحي، وتنظيم المصلين".
وقالت خديجة خويص، إحدى مرابطات المسجد الأقصى التي قدمت من القدس، لـ"العربي الجديد": "مطلوب من الجموع التي قدمت من القدس والضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أن تستمر في شد الرحال إلى المقام، وإعماره في كل الأوقات. أطالب بتحويل المكان لمدرسة تخدم التجمعات البدوية القريبة، أو كلية شرعية تجمع الطلبة الشرعيين من أنحاء فلسطين لضمان الحفاظ عليه".
وحملت لجنة التحقيق الحكومية، أمس الخميس، مسؤولية إقامة الحفل داخل المقام لوزارتي السياحة والأوقاف، والفنانة سماء عبد الهادي، لكن المحامي أحمد أبو فخيذة، الذي قدم من رام الله، اعتبر القرار "محاولة التفاف على تحميل المسؤولين الحقيقيين عن إعطاء الإذن لإقامة الحفل. ما أعلنته وزارة الأوقاف من إعلان توظيف حارسين ومؤذنين هو أيضاً محاولة التفاف، ويجب محاسبة المسؤولين الحقيقيين".
وحمّل مصعب أبو عرقوب، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير، السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية، رافضاً ما وصفه بمحاولة وضع كبش فداء، لأن "السلطة هي التي قامت بعقد الاتفاقات مع صندوق الإنماء الدولي والاتحاد الأوروبي، وحولت المقام إلى مكان سياحي، وبالتالي تتحمل مسؤولية إقامة نشاطات لا تليق بالمقام، ومسؤولية إهمال المكان".
وفي المقابل، عبّر أستاذ الشريعة محمد علي، عن ترحيبه بما صدر عن لجنة التحقيق التي أدانت المسؤولين عن إقامة الحفل، ومطالبتها النائب العام باتخاذ إجراءات للعقوبات. وقال علي: "المكان له أهمية كموقع استراتيجي، إذ أمر صلاح الدين الأيوبي بإقامته في منطقة صحراوية، هي الخان الأحمر، لأنه كان يخشى عليه من هجوم الصليبيين، ولاحقاً كانت سداً أمام التتار، وجدده لاحقًا الظاهر بيبرس، وظل بعد الاحتلال الإسرائيلي مكاناً لتجمع القادمين من كل فلسطين بالبيارق والرايات لإحياء ذكرى المجاهدين".
وأكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في بيان، الخميس، أن "مقام النبي موسى هو مكان ديني وقفي ينطلق في مكانته من المسجد الذي يوجد في داخله، والذي يعطيه الوصف الوقفي التأبيدي، ومن الحجة الوقفية التي تشمل جميع مرافقه، وهو (وقفية الظاهر بيبرس)، وهذه المكانة الدينية التاريخية نتجت في العهد الأيوبي، واستقرت على وضعها حتى هذه المرحلة التي نعيش".
وأكد وكيل وزارة الأوقاف الفلسطينية، حسام أبو الرب، أن "ما يتم تداوله عن تقسيمات تتعلق بما هو في داخل المسجد وما هو في خارجه، هي تقسيمات خاطئة، والمقام بمرافقه كافة يخضع للوقف الإسلامي".
والمكان وما حوله من تجمعات بدوية في منطقة الخان الأحمر وشرق القدس كلها مناطق مستهدفة بخطة إسرائيلية للتهجير، وإقامة ما يعرف ببلدية القدس الكبرى بعد ضم مستوطنات شرق القدس وصولاً إلى البحر الميت.
وأثارت مشاهد فيديو لحفلة صاخبة لفرقة فنية تدعى "بويلر روم" داخل مسجد النبي موسى ومقامه غضب الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت مطالبات بمحاسبة الجهات الرسمية التي سمحت للفرقة بانتهاك حرمة المسجد والمقام الديني، وأظهرت مقاطع فيديو، السبت الماضي، قيام شبان فلسطينيين بإخراج الفرقة من المكان، ثم أحرق شبان مجهولو الهوية، مساء الأحد الماضي، الغرف الفندقية في المكان.
واعتقلت الشرطة الفلسطينية، الأحد الماضي، الفنانة سماء عبد الهادي، وتصاعدت الدعوات المطالبة للسلطة الفلسطينية بالإفراج عنها، وعدم تحميلها المسؤولية كونها تملك تصريحًا بإقامة الحفل، ولا تزال معتقلة، وتم تمديد اعتقالها للمرة الثانية، الثلاثاء، لمدة 15 يومًا.