أدّى آلاف الجزائريين أول صلاة جمعة في جامع الجزائر بعد افتتاحه أخيراً من الرئيس عبد المجيد تبون وكوكبة من العلماء والدعاة من دول إسلامية وغربية الأحد الماضي.
وتوافد المصلون منذ الصباح إلى الجامع لزيارة هذا الصرح الديني الكبير، والمشاركة في حدث بالغ الأهمية، وهو تأدية أول صلاة جمعة فيه، حيث تتسع قاعة الصلاة التي تتربع على مساحة 20 ألف متر مربع، لأزيد من 120 ألف مصلّ.
ووفّرت السلطات موقفاً للسيارات يمكن أن يتسع لأربعة آلاف سيارة، وأعلنت شركة النقل العام في العاصمة الجزائرية، إطلاق عدد من خطوط النقل من نقاط مختلفة في العاصمة الجزائرية، توصل مباشرة إلى ساحة الجامع، لتسهيل وصول المصلين إليه، كما تم نقل الصلاة عبر كل القنوات المحلية.
وأمّ المصلون في أول صلاة جمعة، عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المأمون القاسمي، وقال في خطبته: "من فضل الله أن يلتئم جمعنا في جامع الجزائر، وأن إقامته جاءت من منطلق أن المساجد تُعدّ مركز الإشعاع الأول الذي يساعد في نهضة المجتمع"، مضيفاً "إننا نشهد لحظة تاريخية تنقش في ذاكرة الأجيال تأكيداً لانتماء الجزائر الأصيل وإسهامات علمائها، فقد بني هذا الجامع فوق أرض سقتها دماء المقاومين ضد الاحتلال، الذين استشهدوا في معركة العوفية في المراحل الأولى للاستعمار الفرنسي".
صلاة التراويح الأولى في جامع الجزائر
من جهة ثانية، سيتم للمرة الأولى إقامة صلاة التراويح في هذا الجامع خلال شهر رمضان، إذ لم تسمح السلطات منذ افتتاحه الأولي والتمهيدي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلا بإقامة صلاتي الظهر والعصر.
وقال مقداد يسعد أحد المصلين الذي حضر من ولاية بومرداس 60 كيلو متراً شرقي العاصمة الجزائرية، في تصريح لـ" العربي الجديد"، إنّ "حضور هذه الحدث الكبير، المتمثل في إقامة أول صلاة الجمعة في جامع الجزائر، كان ضرورياً في لحظة اعتزاز بهذا الصرح الديني الذي نأمل أن يؤدي دوره الكبير، لأنه حدث يتجاوز البعد الديني إلى رمزية كبيرة للجزائر كبلد والجزائريين كشعب ناضل من أجل استرجاع هويته الدينية بعد عقود من الاستعمار الذي حاول مسخ هويته "، مشدداً على أن "جامع الجزائر سيكون جامعاً للجزائريين وحامياً للمرجعية الدينية الأصيلة السمحاء، وجامعاً للعلماء لإحياء تاريخ وإسهامات مساجد الجزائر " .
وأقيم جامع الجزائر في منطقة المحمدية (سميت نسبة إلى النبي الكريم) في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية. وتقول السلطات الجزائرية إنها يستهدف تعزيز قيم الوسطية والاعتدال وتطوير قيم التسامح، وترسيخ المرجعية الدينية الوطنية وإحياء التراث الديني، والحفاظ على مقومات الأمة الجزائرية.
وتفيد بأنها تعمّدت إقامته على أنقاض مدرسة الآباء البيض التي كان قد أقامها الكاردينال الفرنسي لافيجري زمن الاستعمار الفرنسي دعماً للاحتلال وحملة التبشير، وهو اختيار يستهدف بالنسبة للسلطات تثبيت رمزية دينية وسياسية تعزز انتصار الجزائر في استعادة كامل هويتها وهزيمة محاولات الطمس والمسخ الهوياتي الذي مارسته فرنسا في الجزائر على مدار قرن ونيف من الزمن، بين عامي 1830 حتى استقلال البلاد عام 1962.
ويتميّز هذا الجامع بأكبر مئذنة في العالم يفوق علوها 265 مترًا (كانت 267، لكن الهيئة الدولية للطيران طلبت تقليصها بمترين لقربه من المطار)، وتتشكل المئذنة من 43 طابقاً خُصص 15 منها كفضاء لاحتضان متحف يخصّ تاريخ الجزائر و10 طوابق مركزاً للبحوث متحف الحضارة الإسلامية الثقافية، وقاعة المحاضرات ومكتبة للعرض وأخرى تستوعب مليون كتاب، ومخبراً لترميم المخطوطات، ومدرسة عليا للعلوم الإسلامية سجلت هذا العام انتساب 82 طالب دكتوراه، على أن تتسع في السنوات المقبلة لـ1500 مقعد موجهة إلى الطلبة الجزائريين والأجانب لما بعد التدرج في العلوم الإسلامية والإنسانية، بالإضافة إلى محلات تجارية، ووُضع منظار في القمة ليتمكن زوار الموقع من الاستمتاع بجمال خليج العاصمة، كما جُهز الجامع بفضاء مخصص لنزول المروحيات وحدائق.