لا تستطيع أنظمة الإنذار المبكر التنبؤ بالزلازل. لكنها تكتشف حركة الأرض بمجرد أن يبدأ الزلزال، وترسل بسرعة تنبيهات بأن الهزة في طريقها، مما يمنح الناس ثواني حاسمة لتجنب أخطارها.
في كاليفورنيا، يستخدم نظام تحذير من الزلازل مستشعرات الحركة الأرضية من جميع أنحاء الولاية لاكتشاف الزلازل قبل أن يشعر بها البشر، ويمكنها إخطار السكان باتباع التعليمات المتعلقة بتفادي المخاطر قبل قليل من وقوع الزلزال. ومنذ زمن قريب أصبح العلماء يعرفون كيف تبدأ الزلازل الكبيرة، إذ توصلت دراسة إلى أنه من المحتمل أن تضعف الفوالق أو تتغير قبل وقوع زلزال كبير، فالغالبية العظمى من الزلازل التي نشعر بها تأتي مباشرة بعد زلازل أصغر، وفقًا لبحث جديد يقدم رؤى غير مسبوقة حول كيفية عمل الزلازل.
وفيما يتعلق بالزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية مؤخرا، سأل صحافي أحد الناجين الأتراك عما إذا شعر بمقدمات للزلزال، فقال لا، ولكن الهزة كانت كبيرة مفاجئة، وتبعها اهتزاز أقوى لبضع ثوان.
يبدو من الناحية العلمية أن الزلازل الكبيرة يسبقها العديد من الهزات، ويتبعها العديد من الارتدادات التي يمكن الشعور بها، لكن الغالبية تقع من دون شعور البشر بها. ولأننا نعلم أن الحيوانات لها حواس قوية، فإنه من الطبيعي أن تستشعر الهزات قبل حدوثها لأنها مجهزة بشكل أفضل لاستشعار الصدمات التي تنتقل عبر الأرض.
في زلزال عام 1956، شاهد الناس الذين هربوا من بيوتهم في بيروت، الجرذان وهي تركض على الأسوار بشكل عشوائي قبل ثوان من حدوث الهزات. وهذه المخلوقات التي تعيش في جحور تحت الأرض تتحسس حركات الزلازل قبل وقوعها بثوان.
وفي دراسة علمية أجراها باحثون أميركيون، تأكد أن سلوك الحيوانات غير الطبيعي في الثواني التي تسبق الزلزال يفسر الفرق بين شكلين من الموجات الزلزالية. فالحيوانات تشعر بالموجات الأولية الأصغر التي تنبعث من الزلزال، وتنتقل بسرعة عدة أميال في الثانية من مركزه، أما الموجات الثانوية الأكبر والأقوى فهي التي تهز الأرض بحركة متدحرجة. وخلصت الدراسة إلى أن قلة قليلة من البشر تحس بالموجات الأصغر، لكن العديد من الحيوانات يمكنها أن تشعر بها.
وفي دراسة قام بها Wikelski وشركاه في 2022، قام الباحثون بوضع بطاقات إلكترونية على أبقار وكلاب وأغنام في مزرعة إيطالية لمراقبة تحركاتها على مدار عدة أشهر، ووجدوا أن تلك الحيوانات كانت "فائقة النشاط" قبل اكتشاف سبعة من الزلازل الثمانية الكبرى التي ضربت منطقة قريبة. وقال الباحثون إن الحيوانات قد تكون قادرة على اكتشاف الزلازل قبل وقت طويل (بعض الساعات) من حدوثها.
تشعر الحيوانات إذن بالزلازل بطرق مختلفة، فقد تكون بعضها حساسة للتغيرات في المجال المغناطيسي أو الكهرومغناطيسي التي تحدث قبل الزلزال، وهذا حال معظم أنواع الطيور التي تحمل المستشعرات المغناطيسية في رؤوس مناقيرها، وقد تكتشف بعض الحيوانات التغيرات في الضغط الجوي، والتي يمكن أن تحدث أيضاً قبل الزلزال.
ولا بد من الإشارة إلى أن الطيور تتمتع بحواس خارقة، كمعرفة طريق الهجرة فوق البحار البعيدة عن اليابسة بفضل استشعار مغناطيسية الأرض، ويستطيع بعضها شم الروائح من على بعد، وتستطيع الرؤية بـ8 أضعاف معدلات رؤية بصر الإنسان، ولديها في شبكيتها نقرتان مركزيتان مقابل نقرة واحدة عند الإنسان، وتقوم إحدى النقرتين بتوفير النظر إلى الأمام والثانية إلى الأسفل.
وللطيور حاسة في المناقير تستشعر الاهتزازات في التربة، خاصة عند أبو منجل، والكيوي، والطيور الخواضة في الطين أو الشواطئ الرملية، كما أن لها قوة سمع حادة، وسرعة في تحديد مكان الطرائد تحت الرمال أو تحت الثلج، وبالإضافة إلى مستشعرات المناقير، هناك مستشعرات الريش أيضاً، وهي حساسة تجاه الحركة الزلزالية، وقد عرف العلماء منذ فترة طويلة أن ريش الطائر يمكن أن يشعر بالاهتزازات، فهي مقترنة بخلايا عصبية حساسة للاهتزازات، مما يسمح لها بالاستشعار في محيطها، خاصة عبر المستشعرات الميكانيكية للريش الخالي من الأسيلات، أو ريش الجناح. وهذه من بين الآليات التي نبحث عنها بعد مشاهدة حيوانات وطيور تتحرك بصورة عشوائية قبيل حدوث الهزات الأرضية.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)