أزمة الدواء مستمرّة في ليبيا

10 ابريل 2022
مراكز طبية أجنبية مؤقتة توفّر بعض الأدوية لمحتاجيها (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -

يواجه الليبيون من أصحاب المداخيل المتوسطة والمتدنية صعوبات جمّة وسط الغلاء المستشري في البلاد، لا سيّما غلاء الدواء، على الرغم من الإجراءات والوعود الحكومية للحدّ من ذلك وتسهيل حصول المواطن على علاجه الدوائي.
الحاج صلاح المدني من بين هؤلاء الذين يعانون في ليبيا، فهو يبحث عن دواء ابنته المصابة باضطراب نفسي، ما يستوجب علاجاً دائماً، منذ نحو أسبوع، متنقّلاً بين المراكز الصحية الحكومية من دون جدوى. يقول المدني لـ"العربي الجديد" إنّ "الدواء الذي تتطلّبه حالة ابنتي الصحية يكلّفني راتب شهر كامل"، مضيفاً: "أتقاضى 738 ديناراً ليبياً (نحو 158 دولاراً أميركياً) كموظّف في الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، مع العلم أنّ رواتب موظفي الشركة تتأخّر لأشهر عدّة في كثير من الأحيان".

وفي حين لم تعلن حكومة الوحدة الوطنية عن خطتها الخاصة بالقطاع الصحي حتى الآن، خصوصاً بعد حبس وزير الصحة علي الزناتي على ذمّة التحقيق في قضايا فساد مالي وتأخّر تكليف بديل عنه لتسيير شؤون الوزارة، إلا أنّها خصّصت في العام الماضي أكثر من ثلاثة مليارات دولار لدعم الأدوية من موازنتها العامة فيما أكّد وزير الصحة المكلّف رمضان أبو جناح أنّ الحكومة تعمل على اتّخاذ إجراءات لحلّ مشكلات الإمداد الطبي ونقص الأدوية في كلّ المستشفيات، من خلال دعم لجان العطاء العام للدولة لتتمكّن من إنجاز المهام المنوطة بها في أقرب وقت، بحسب ما جاء في تصريحات له نهاية فبراير/ شباط الماضي. وأوضح أبو جناح أنّ الإجراءات الجديدة سوف تحلّ أزمة "احتياجات الدولة الليبية من الأدوية التخصصية والأدوية العامة والمستلزمات الطبية ومشغّلات المختبرات ومستلزمات كلّ من الأشعة والأسنان والعظام؛ الأمر الذي سوف ينهي مشكلة نقص الأدوية في كلّ المستشفيات والمراكز التخصصية والصحية العامة". 
لكنّ المدني يعبّر عن عدم ثقته بوعود الحكومة، مشيراً إلى أنّ "دواء ابنتي كان يُمنح مجاناً في المستشفيات الحكومية المتخصصة في الأمراض النفسية والعقلية، لكنّه لم يعد متوفراً فيها منذ ثلاثة أعوام، وصار محصوراً في الصيدليات الخاصة حيث يُباع بثمن باهظ". ويسأل: "ماذا فعلت الموازنات السابقة التي تعلن عنها الحكومة سوى أنّها تتبخّر من دون أن توفّر لنا عوناً ولو لأشهر معدودة في السنة".

تأمين العلاج بما تيسّر من مستلزمات (مقاهيت أيديمير/ الأناضول)
تأمين العلاج بما تيسّر من مستلزمات (مقاهيت أيديمير/ الأناضول)

وقبل أيام، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية عن سعيها إلى وضع آلية لضبط أسعار الدواء في الصيدليات من خلال تشكيل لجنة تسعير الأدوية والخدمات الطبية هدفها إلزام الصيدليات بوضع التسعيرة على الوصفة الطبية مصدَّقاً عليها بختم الصيدلية، أو إصدار فاتورة مبيّن بها نوع الدواء وسعره. 
ويبدو أنّ الحكومة تدرك أنّ أزمة الدواء تتمثّل في عدم ضبط القطاع الخاص، على الرغم من التسهيلات التي قُدّمت له من أجل حلحلة هذه الأزمة، من بينها إعفاء مستوردي الأدوية من الرسوم الجمركية حتى يصل الدواء إلى المواطن بأثمان رخيصة. والأزمة تكمن كذلك في رداءة الأنواع المستوردة، من خلال إطلاقها منظّمة لتسجيل الشركات المستوردة، مشيرة إلى أنّها سجّلت 52 شركة دوائية خاصة فيما تعمل على تسجيل 300 أخرى. 
في هذا السياق، يقول المواطن مختار أبو فاخرة: "لو كان لدينا كلّ هذا العدد من الشركات في الواقع، لما قامت أزمة دواء"، متّهماً التجار بـ"التزوير من خلال العمل على إنشاء شركات والاستفادة من الإعفاء الجمركي لتهريب الأدوية إلى الخارج". يضيف أبو فاخرة لـ"العربي الجديد": "ونبقى نحن نعاني من أزمة ارتفاع تكاليف الأدوية التي تُعَدّ بمثل أهميّة الغذاء وكلّ الحاجيات الضرورية للحياة". ويعاني أبو فاخرة نقصاً في الأدوية الخاصة بمرض القلب الذي أصابه قبل أعوام طويلة، مشيراً إلى أنّه سجّل اسمه في "مكاتب منظمات الإغاثة الدولية التي توفّر أدوية للأمراض المزمنة، وأستفيد منها. وقبل ذلك، كنت أشاهد أدويتي مرصوفة على أرفف الصيدليات الخاصة من دون أن أتمكّن من شرائها بسبب ارتفاع أسعارها بعدما اختفت من المستشفيات التي كانت تزوّدني بها".

من جهتها، تلفت إبريكة العمامي إلى مسألة أخرى تتعلق بأزمة الدواء، قائلة لـ"العربي الجديد" إنّه "بحكم معايشتي المرض لمدّة طويلة وتردّدي على الصيدليات، صرت قادرة على التمييز ما بين الدواء المغشوش وغير المغشوش"، مضيفة أنّه في الإجمال "الأدوية رخيصة الثمن هي المغشوشة أمّا تلك باهظة الثمن فهي الأصلية". وتتساءل العمامي التي تعاني من سرطان الدم: "ماذا يمكن لامرأة في مثل سنّي ومحدودة الدخل وتواجه الموت أن تفعل سوى الانصياع لجشع تجّار الدواء؟"، لافتة إلى أنّه "في بعض الأحيان يتوفّر لديّ ثمن الدواء غير المغشوش وفي أخرى أشتري ما يسمّونه البديل في محاولة لإنقاذ حياتي". وتعبّر العمامي عن استيائها الكبير من الوعود والإجراءات الحكومية، مؤكدة عدم ثقتها بها لحلّ أزمة الدواء في البلاد.

المساهمون