يخضع الطفل أمير حسين منذ ثمانية أشهر لعلاج كيمائي في طهران، لإصابته بمرض سرطان الدم من النوع الحاد. لكن معاناته المستمرة منذ أكثر من عام تتعدى صراعه مع هذا المرض إلى مواجهة معضلة النقص الحاد في أدوية العلاج.
يكشف والد أمير حسين لـ"العربي الجديد" أنه بحث في صيدليات طهران الحكومية عن دواء "أنوكسبار" الألماني، لكنه لم يعثر عليه. ولا يستبعد وجوده في السوق المفتوح بسعر قد يصل إلى 65 مليون تومان (2500 دولار)، من دون ضمان أنه غير مزوّر مع تزايد الظاهرة في ظل ارتفاع الأسعار.
ويوضح الأب أن الدواء البديل للعلاج الكيميائي لطفله هو "فينكريستين" الألماني أيضاً، لكن نوعه المتوفر مصنوع في تركيا، ولا يتجاوب طفله في كل الأحوال مع هذا الدواء بسبب ضعف عضلاته.
أيضاً يشرح الأب الذي يعيش في مدينة كرمانشاه (غرب)، ونقل طفله إلى طهران للعلاج، أنه لا يواجه ضائقة مالية كبيرة في تأمين تكاليف العلاج، لكنه يلفت إلى أن "أسراً كثيرة لأطفال مرضى، خصوصاً الذين يعانون من أمراض السرطان، تتخبط في مشاكل مالية ضخمة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة في البلاد، وتعتمد بالتالي على مساعدات توفرها مؤسسات خيرية تغطي جزءاً بسيطاً من التكاليف".
في الأرقام الرسمية، يقول المدير العام لشؤون الأدوية في منظمة الغذاء والدواء الإيرانية حيدر محمدي أن البلاد تواجه حالياً نقصاً في 40 صنف دواء. ويحذر من أن عدم تأمين العملة الصعبة اللازمة قد يزيد النقص إلى 500 صنف بعد ثلاثة أشهر.
ويوضح أن احتياطات مخزون إيران من الأدوية تراجعت من 6 إلى 3 أشهر خلال السنوات الأخيرة، وأن بعضها تقل عن 3 أشهر، ولا تتناسب مع حجم الطلب عليها.
أما التحقيق الميداني لـ"العربي الجديد"، فيرصد أن سوق الأدوية في إيران يشهد حال عدم استقرار منذ أربعة أعوام، بسبب تجديد الولايات المتحدة عقوباتها على البلاد على نحو أقسى من السابق، ما أثرّ على المرضى الذين ارتفعت تكاليف علاجهم، وباتوا يعانون من نقص مستمر، أو مؤقت أحياناً، في أصناف أدوية أجنبية وإيرانية تستخدم في علاجات صعبة، علماً أن حوالى مليون شخص مريضون بالسرطان، وحوالى 200 ألف بالثلاسيميا والهيموفيليا (أمراض الدم)، والفشل الكلوي، والتصلب المتعدد (التهاب الدماغ)، وانحلال البشرة الفقاعي (مجموعة من الاضطرابات الوراثية).
وفي الفترة الأخيرة، تفاقم وضع مرضى "الهموفيليا"، البالغ عددهم 12 ألفاً، بسبب نقص حاد في دواء محدد. ونقلت صحيفة "خراسان" عن بعضهم قولهم إنهم "يعانون منذ فترة من نزيف بسبب عدم توافر الدواء".
ويقول الصيدلاني صلاح الدين خديو، لـ"العربي الجديد"، إنه "مع اشتداد تداعيات العقوبات الأميركية منذ أكثر من عامين، واجهت إيران أزمة في سيولة النقد الأجنبي، دفعت الحكومة إلى خفض دعمها قطاع الأدوية، خصوصاً تلك المستوردة من الخارج، وشمل ذلك أصنافاً ضرورية لمعالجة أمراض صعبة".
يضيف: "ألغت الحكومة دعم أدوية أجنبية تنتج مؤسسات محلية بديلاً لها، وأخرى تكميلية يجرى استيرادها بأسعار الصرف غير الرسمي في السوق الموازي، والتي تضاعفت 5 مرات عن تلك الحكومية".
ويشير خديو المتحدر من مدينة مهاباد (غرب) إلى أن أسعار الأدوية زادت 5 أضعاف خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب العقوبات الأميركية. ويكشف أن إيران واجهت في الفترة الأخيرة مشكلة نقص الإنسولين المخصص لمعالجة مرضى السكري قبل أن يتوفر مجدداً. لكن النقص لا يزال يشمل أصنافاً أخرى نتيجة شحّ النقد الأجنبي، وإطالة فترات دفع تكاليف الأدوية المستوردة من الخارج، علماً أن ذلك لا يقتصر على الأدوية الأجنبية، بل يشمل أيضاً الأدوية الإيرانية نفسها بسبب المشاكل التي تواجهها الشركات المصنّعة في استيراد مواد الأصناف". ويقدّر وجود نقص حاد في نسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة في الأدوية.
ورغم إنتاج 62 مصنعاً داخلياً، يتبع معظمها للقطاع الخاص، 97 في المائة من الأدوية واستيراد نحو 3 في المائة من الأدوية المستهلكة، تعاني إيران من نقص حاد في الأدوية الحيوية بسبب استيراد نحو 50 في المائة من المواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية محلياً من الخارج، وغالبيتها أساسية لمعالجة أمراض مزمنة وسرطانية، علماً أن 8.6 في المائة فقط من الأدوية المستوردة لها بدائل في الداخل بحسب نقابة موردي الأدوية.
وفيما تخطط الحكومة الإيرانية لرفع الدعم عن سلع أساسية، بينها الدواء، بدءاً من 21 مارس/ آذار المقبل، يتخوف المواطنون من تضاعف أسعار الأدوية، علماً أن 8 ملايين شخص لا يملكون تأميناً صحياً سيكونون الأكثر تضرراً.
ويتحدث خديو أيضاً عن سبب إضافي لنقص الأدوية في إيران يتمثل في تهريبها إلى الخارج، خصوصاً عبر المحافظات الحدودية. ويعزو ذلك إلى الفارق الكبير بين الأسعار داخل إيران وفي الدول المجاورة بسبب تراجع قيمة العملة الإيرانية، ما جعل تهريب الأدوية تجارة مربحة.
ويكشف أن "بعض الشركات الإيرانية متورطة في التهريب، الذي يشمل أيضاً أدوية تستقدم من الخارج إلى الداخل، حيث يمكن الحصول في أماكن محددة، في طهران مثلاً، على أدوية شحيحة كثيرة لا توجد في الصيدليات، لكن بأسعار باهظة جداً".