أزمة فُرش وأغطية... نازحون لبنانيون يستغيثون من المتاجرة والاستغلال

05 أكتوبر 2024
يؤرق تأمين الفرش غالبية النازحين اللبنانيين (حسين بيضون)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يعاني النازحون في لبنان من نقص حاد في مقومات الحياة الأساسية وارتفاع الأسعار، مع غياب خطة طوارئ وطنية فعالة ودعم حكومي كافٍ، مما يزيد من معاناتهم في مراكز الإيواء المكتظة.

- تبذل مؤسسات المجتمع المدني والناشطون جهوداً لجمع التبرعات وتوفير المستلزمات الأساسية، لكن المساعدات تظل محدودة بسبب الاعتماد على التبرعات الفردية وارتفاع الأسعار، مع مبادرات فردية تعكس التضامن الاجتماعي.

- تواجه الحكومة اللبنانية صعوبة في تلبية احتياجات النازحين بسبب الأزمة الاقتصادية، رغم اتخاذ إجراءات ضد الاستغلال التجاري، مما يتطلب تعاوناً دولياً ودعماً عاجلاً.

مع تواصل موجات النزوح في لبنان وبقاء الآلاف في مراكز الإيواء أياماً متصلة،  تبرز أزمات بالجملة، من بينها النقص الفادح في كميات الفرش التي يحتاجها النازحون.

يقبع آلاف النازحين اللبنانيين في الشوارع ومراكز الإيواء، يفترش بعضهم الأرض، وينامون في باحات وغرف المدارس والجامعات، بينما يعانون جميعاً من نقص حاد في كل مقوّمات الحياة، وعلى رأسها الفرش والأغطية، والتي برزت المتاجرة بها استغلالاً للحاجة الماسّة إليها، إذ وصل سعر الفرشة إلى نحو 25 دولاراً أميركياً ارتفاعاً من نحو ثمانية دولارات فقط قبل بدء العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان قبل عشرة أيام.
ووسط النقص الحاد، بادرت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والناشطون و"أهل الخير" إلى جمع التبرعات المادية والعينية لتوفير بعض المساعدات المعيشية الأساسية، في حين يظل الدعم الحكومي محدوداً للغاية، إذ أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عقب اجتماع "لجنة الطوارئ الحكومية"، مؤخراً، أن الدولة تقوم بكل ما يلزم ضمن الإمكانات المتاحة، لكن عدد النازحين أكبر بكثير من الإحصاءات، وقد يصل إلى مليون نازح، وهذه أكبر عملية نزوح في تاريخ لبنان.
نزحت اللبنانية سميرة حسن من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى أحد مراكز الإيواء، لتجد نفسها بين عشرة أشخاص في غرفة واحدة. وتقول لـ"العربي الجديد": "ابني مريض، وحالتنا يُرثى لها، وننام منذ ثلاثة أيام على الأرض. بعد طلبات متكررة، حصلنا على فرشة واحدة، استحوذ عليها أحدهم لاحقاً كون والده كبير في السن. ينقصنا كل شيء، فرش وأغطية ومواد غذائية، فقد نزحنا بثيابنا، ولا نملك أي مال، ولم نلمس أي مساعدة تُذكر من الحكومة. أنا أم لثلاثة أطفال، وبعض الجمعيات وزعت علينا حصصاً غذائية متواضعة لا تكفي لإطعامنا".
بدورها، تتحسر النازحة سارية حمزة على حال ابنها الضرير الذي خضع قبل مدة وجيزة لعملية جراحية، وتقول: "لا فرش ولا وسادات ولا شيء. بعد جهد كبير، حصلت على فرشة كي يستريح ابني عليها، وحين غادرت لأدخله دورة المياه، عدت فوجدت أن الفرشة اختفت. أصبح همّنا الأول أن نجد فرشة ورغيف خبز وقطرة ماء. وضعونا فوق بعضنا وتركونا، وكل الغرف في مركز الإيواء مكتظة، ولا توجد أي خدمات". 
تضيف حمزة لـ"العربي الجديد": "لم نجلب معنا أي شيء، ولا نملك المال، فكيف سأشتري فرشة لابني المريض؟ خاصة أن أسعار الفرش أصبحت خيالية. هناك من يستغل ضعفنا ويتاجر بمأساتنا. الحاجات كبيرة، والوضع لا يُحتمل، والحكومة لا ترأف حتى بأحوال المرضى، ولا قدرة لدينا على استئجار شقة تنقذنا من عذاب النزوح، ومن عيشة الذلّ. ما يزيد من قهري أن ابني يصحو على الصراخ والضجيج، ولا يقوى على النوم رغم المسكنات التي يتناولها".

أزمة فرش لدى النازحين (حسين بيضون)
أزمة فرش لدى النازحين (حسين بيضون)

لا يزال أحمد الزير، وهو أب لطفلين، ينتقل من مكان إلى آخر، ويقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا أكثر من مرة ضمن بيروت، من كورنيش عين المريسة إلى الرملة البيضاء، قبل أن نعود أدراجنا إلى عين المريسة. لم نجد مكاناً في أي من مراكز الإيواء، ولا نعلم إلى أين نذهب. لا يمكننا شراء الفُرش ولا الأغطية ولا الطعام، إذ لم نجلب معنا المال، ولا خيار لدينا سوى النوم على الرصيف. لا ينظر أحد إلى أحوالنا، ولا نحظى بأي مساعدة رغم أن وضعنا سيئ للغاية".
ويؤكد النازح الثلاثيني محمد تفاقم المعاناة نتيجة أزمة نقص المساعدات، وتحديداً في موضوع الفُرش التي صارت محل صراع بين النازحين، إذ يتقاتلون على الفراش، ويحتفظون به كأنه "كنز"، في حين تنام الغالبية على الأرض. ويضيف: "طلبنا الإسراع بتلبية النواقص الأساسية للنازحين من فرش وأغطية، كما أن الحصص الغذائية التي تؤمنها الجمعيات الخيرية لا تلبّي الحاجات المتزايدة. لا أجد سبباً لغياب خطة طوارئ وطنية مجدية في ظل الحاجات الغذائية والطبية الملحّة".

وكشف الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير لـ"العربي الجديد" أن "أزمة الفُرش ناجمة عن استهداف العدو الإسرائيلي معامل الإسفنج في أكثر من منطقة لبنانية، وسط موجة نزوح متسارعة وغير مسبوقة. لم تعد المعامل قادرة على تلبية الطلب الهائل، ناهيك عن متاجرة البعض بحاجة النازحين للفُرش عبر رفع أسعارها، في حين لا يمكننا كدولة شراء الفُرش بسبب الأزمة الاقتصادية". ويضيف خير: "رصدنا ضمن خطة الطوارئ الوطنية توزيع خمسة آلاف فرشة، لكن فوجئنا بنزوح 10 آلاف شخص، وعندما رفعنا العدد إلى 11 ألف فرشة سجلت حركة النزوح 15 ألف شخص، وكلما رصدنا عدداً يتصاعد عدد النازحين. نحتاج اليوم إلى مائة ألف فرشة، لكن من أين نأتي بهذا العدد الضخم بينما معظم المعامل ضُربت، ومعامل أخرى نفدت فيها المواد الأولية. نسعى مع عدد من الدول لتأمين الكمية المطلوبة من الفُرش، لكن المشكلة الآن في حركة الشحن والطيران".
ويوضح خير أن "الهيئة العليا للإغاثة تستلم يومياً ما بين 500 إلى 700 فرشة لتوزيعها على النازحين في مختلف المناطق. ولا يمكن تخزين عدد كبير من الفُرش في مستودعاتنا كونها تتلف". بدورها، تكثف الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني جهودها وحملاتها لجمع التبرعات من أجل سد النقص الحاد في المستلزمات الأساسية للنازحين. وفي حين يظل ما تقدمه محدوداً نظراً لارتباطه بالدعم والتبرعات، يطرح العدد الكبير من النازحين أعباء ثقيلة لا طاقة للحكومة اللبنانية على تلبيتها بشكل عاجل. كما يصطدم عدد من الجمعيات والناشطين بعقبات المتاجرة والاحتكار ورفع الأسعار التي يمارسها بعض التجار.

أزمة فرش لدى النازحين (حسين بيضون)
بعض المبادرات تعتمد على التبرعات لتوفير المستلزمات الأساسية للنازحين (حسين بيضون)

تقول مديرة مؤسسة "الفرح" الاجتماعية فريال المغربي يحيى لـ"العربي الجديد": "وزّعنا في البقاع الغربي ومناطق وقرى جبل لبنان 4 آلاف و563 حراماً شتويّاً، و3 آلاف و700 فرشة، و1,930 وسادة، و3 آلاف و460 حصة غذائية، و345 حصة نظافة شخصية، و120 حصة من مواد التنظيف، وغيرها من المستلزمات الأساسية. نتعاطف مع مأساة النازحين، وعلى المجتمع الدولي تقديم دعم أكبر، وبشكل عاجل، فالوضع كارثي، ولا يحتمل الانتظار. مطلوب إطلاق نداء سريع يحفز المانحين على التحرك كي نتمكن من مواصلة مهامنا الإنسانية، خاصة أن الدعم الفعلي يقتصر على المبادرات الفردية".
تضيف: "على سبيل المثال، هناك مدرسة تضم 400 نازح، ولا يوجد فيها سوى مائة فرشة، ناهيك عن حاجات الأطفال من الحليب والحفاضات، وكلها غير مؤمنة، وكذلك الفوط الصحية للنساء. حاجات النساء والأطفال وكبار السن لا تؤخذ بعين الاعتبار في ظل الظروف العصيبة القائمة، ويتحتّم على المعنيين تلبية الحاجات العاجلة، ومن المهم الالتفات سريعاً إلى هذه الفئات، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة".

وتوضح الناشطة في فريق "هايفن" آنا ماريا أوهان أن الفريق يعمل ضمن مجموعة خلية الأزمة الأهلية المؤلفة من جمعيات وناشطين. وتقول: "منذ بدء موجة النزوح الكبيرة، قرّرنا بصفتنا منظمات وجمعيات وناشطين جمع التبرعات لدعم النازحين. تمكّنا من تأمين مبلغ مادي لشراء الفُرش ومستلزمات إضافية تشمل أدوية وألبسة وطعام، ولدينا متطوّعون من طلاب وناشطين يساعدوننا في التوزيع، كما ننسق مع خلية أزمة بيروت كي لا تتضارب المساعدات، وتشمل جميع المحتاجين".
تضيف لـ"العربي الجديد": "نسعى للحصول على مساعدات إضافية، ونركز على توفير الأدوية والطعام وحليب الأطفال والفوط الصحية. أما ما يتعلق بتأمين الفرش فقد وصلنا إلى منطقة البقاع الغربي للبحث عنها بعد أن نفدت في بيروت، ووزّعنا على عددٍ من مدارس بيروت ومركز للنازحين في بعبدا (جبل لبنان) 51 فرشة، و130 وسادة، و200 وجبة غذائية، وكميات من حفاضات الأطفال، وملابس للكبار والصغار وغيرها، وننتظر استلام 300 فرشة إضافية، كما يسعى المتطوعون في طرابلس (شمال) وعاليه (جبل لبنان)، إلى تأمين بعض الفرش والمساعدات الضرورية".

أزمة فرش لدى النازحين (حسين بيضون)
مائة ألف هو عدد الفرشات المطلوبة حالياً للنازحين (حسين بيضون)

وبمبادرة فردية، وزّع خالد غازي، وهو صاحب أحد معامل الإسفنج في بلدة المرج (البقاع الغربي)، نحو ثلاثة آلاف فرشة بالمجان، إلى جانب كميات من الوسادات على النازحين في عددٍ من مراكز الإيواء. ويقول لـ"العربي الجديد": "ننتظر وصول المواد الأولية قريباً لتصنيع مزيدٍ من الفُرش بعد أن صارت تشكل حاجة ملحّة، إذ يتواصل معنا كثيرون من أجل الحصول عليها، إمّا مجاناً أو بسعر مقبول، لا سيما بعد موجة الاحتكار والاستغلال والأسعار الخيالية على ضوء تنامي الحاجة، وقد اتخذنا قراراً بتصنيعها وتوزيعها كلما توفرت لنا مواد أولية".
يضيف غازي: "نحن مستعدون للدفع من مالنا الخاص من أجل مساندة أهلنا من النازحين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم والمبيت في العراء، أو في المدارس والجامعات، هرباً من القصف، ولم تتح لهم الظروف الأليمة حمل مقتنياتهم وأغراضهم. علينا الوقوف بعضنا بجانب بعض في ظل هذه المحنة، وأن نتكاتف، ونندفع لفعل الخير وتعزيز التعاضد الاجتماعي، وأستغرب أمر من يقررون استغلال آلام النازحين وشدة عوزهم بدلاً من المسارعة لإغاثتهم وتخفيف الأعباء عليهم، وكلنا نأمل الفرج القريب".
وسطرت وزارة الاقتصاد والتجارة مؤخراً محاضر ضبط في أكثر من منطقة لبنانية بحق عددٍ من أصحاب معامل ومستودعات الفُرش والإسفنج، بعد أن جرى التحقق من "رفعهم الأسعار بشكل غير مبرّر"، مشيرة إلى أن السعر الأدنى حاليّاً يبلغ 14 دولاراً أميركياً لكل فرشة، بعد أن كانت لا تتجاوز عشرة دولارات، كما تقوم الوزارة بالتثبّت من مخازن مستودعات الفُرش حتى تضمن عدم تخزينها بهدف الاحتكار.

المساهمون