أطلقت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "أسابيع المرح الصيفية 2023" لتكون فسحة تمكّن أطفال غزة من الهروب من الواقعَين النفسي والاجتماعي الصعبَين، من جرّاء الظروف الاقتصادية المتردية والاعتداءات العسكرية المتكرّرة.
وجاء ذلك اليوم الأحد في مدرسة بنات جباليا الإعدادية التابعة لها، شمالي قطاع غزة، ومن المقرّر أن يستمرّ مدّة أربعة أسابيع.
ويتيح هذا المشروع، الذي يندرج ضمن "خطة الطوارئ" لدى الوكالة الأممية، لعشرات آلاف التلاميذ والتلميذات من اللاجئين في غزة، الانخراط في أنشطة رياضية وفنية. كذلك يمثّل فرصة لأهالي الأطفال الذين يعانون من ظروف اقتصادية تمنعهم من تسجيل أبنائهم في أنشطة مدفوعة الأجر، للحصول على خدمات دعم نفسي "مجانية" بإشراف متخصّصين.
وأفاد مدير شؤون "أونروا" في غزة توماس وايت، في تصريح لـ"الأناضول"، بأنّهم أطلقوا "ألعاب الصيف لنحو 130 ألف تلميذ وتلميذة" ومن شأنها أن توفّر لهم "فترة من المتعة" للمشاركة في أنشطة عدّة.
وأوضح وايت أنّ هذه الأنشطة تساهم في "تقديم الدعم للأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية من جرّاء الصراعات المستمرّة"، مبيّناً أنّ الدراسات الأخيرة التي أعدّتها الوكالة رصدت معاناة نحو 38 في المائة من التلاميذ لديها من "صدمات نفسية من الحروب والصراعات المختلفة".
وفي الإطار نفسه، قال مدير مشروع "أسابيع المرح الصيفية 2023" في "أونروا" عصام الشلفوح، لـ"الأناضول"، إنّ "أسابيع المرح الصيفية، التي تستمرّ أربعة أسابيع، تأتي استكمالاً لدور الوكالة في التخفيف من الآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها أطفال فلسطين".
وأضاف الشلفوح أنّ الوكالة الأممية عملت على "تحسين هذا المشروع وتطويره بما يخدم التلاميذ في فترة الصيف، وبما يضمن التفريغ النفسي كما الاجتماعي لهم، والاستفادة من هذه الإجازة الصيفية بطريقة فضلى وممتعة".
وأوضح الشلفوح أنّ "أونروا" أطلقت "أسابيع المرح" هذا العام في نحو "91 موقعاً على مستوى قطاع غزة، من بينها 83 موقعاً في مدارس، فيما خصّصت الباقي لذوي الاحتياجات الخاصة".
وبيّن الشلفوح أنّ الأنشطة تتراوح بين "رياضية وفنية وترفيهية ودعم نفسي، إلى جانب أنشطة خاصة بالتلاميذ الموهوبين في القطاع تشمل الفلكلور الشعبي وتكنولوجيا المعلومات واللغة الإنكليزية والغناء في كورس".
وذكر أنّ "أونروا" تقدّم للأطفال في "أسابيع المرح" يومياً "العصائر والبسكويت والمياه، إلى جانب تخصيصها قميصاً وقبّعة لكلّ طفل مشارك".
من جهة أخرى، أشار الشلفوح إلى أنّ مشروع "أسابيع المرح" وفّر "فرص عمل لنحو 3260 شاباً وشابة في غزة مدرّبين للأطفال" فيه.
وتابع الشلفوح أنّ "الأطفال في غزة يعانون من ظروف الحصار القاهر (عموماً) ومن ظروف نفسية واجتماعية، بالإضافة إلى تراكم الأنشطة المنهجية خلال العام الدراسي، لذا يأتي هذا المشروع ليوفّر فسحة للتفريغ النفسي عنهم من خلال أنشطة يعدّها متخصّصون".
بدوره، أفاد مسؤول وحدة الصحة والنفسية والدعم النفسي والاجتماعي في مدارس "أونروا" إياد زقوت بأنّ "ألعاب الصيف توفّر بيئة آمنة للأطفال حتى يمارسوا هواياتهم وأنشطتهم اللازمة لنموّ سليم نفسياً وعقلياً واجتماعياً".
ونبه إلى أن وضع قطاع غزة "المليء بالضغوط والتوتّرات والصعوبات التي يواجهها الأطفال" يبرّر أهمية هذه الأنشطة. فهي تأتي وفقاً له "في ظلّ أوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها أهالي الأطفال اللاجئين، الذين لا يجدون نافذة أخرى لتوفير أنشطة مشابهة مدفوعة الأجر".
وشدد على أن "وضع السكان الاقتصادي صعب ولا يسمح للأهل بتسجيل الأطفال بأنشطة لقاء بدل مالي، كذلك فإنّ هذه المدارس (مدارس أونروا حيث تُقام نشاطات المشروع) قريبة من المنازل والتجمّعات السكنية، بالتالي لا تضيف تكاليف عليهم لجهة المواصلات مثلاً".
وبحسب بيانات المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان، فإنّ 61.6 في المائة من سكان غزة، البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة فقر، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ منتصف عام 2007، فيما بلغت نسبة البطالة مع نهاية عام 2022 الماضي نحو 47 في المائة.
وشدّد زقوت على أنّ مشروع "أسابيع المرح" يوفّر "أماكن آمنة للعب الأطفال، في ظلّ انعدام توفّر هذه المساحات وسط الاكتظاظ السكاني".
وتابع زقوت أنّ "ثمّة مدرّبين يعملون على دمج الأطفال بالأنشطة المقدّمة، الأمر الذي يساعد الصغار على تجاوز الصعوبات والضغوط الاجتماعية والنفسية". لكنّه أشار إلى أنّ "10 في المائة من الأطفال، في العادة، يصعب عليهم تجاوز الصدمات والاندماج في الأنشطة"، وهو ما عدّه "نسبة كبيرة". وشرح أنّه "بهدف مساعدة تلك الفئة في الاندماج، خُصّص مرشد نفسي في كلّ مدرسة".
وحذّر زقوت من أنّ "عدم دمج الأطفال في مثل هذه الأنشطة قد يتسبّب في ردود فعل سلبية لديهم مثل الغضب والانكسار والانعزال، خصوصاً الذين يتعرّضون لضغوط اجتماعية (من العائلة) من الممكن أن تنعكس سلبياً على نفسياتهم على المدى البعيد".
وتحدّث زقوت عن دراسة أعدّتها "أونروا" في عام 2021 (بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة آنذاك)، بينّت فيها أنّ "38 في المائة من الأطفال كانوا يعانون من مشكلات وظيفية ولا يمارسون حياتهم بطريقة طبيعية نتيجة تعرّضهم لصدمات نفسية". وأكمل أنّ الدراسة أوضحت أنّه بعد مرور ستّة أشهر على عدوان عام 2021، الذي استمرّ 11 يوماً، "كانت لدى 75 في المائة من الأطفال ذكريات مؤلمة، وكانت الأحداث لا تزال نشطة في ذاكرتهم".
ورأى زقوت أنّه عندما يُضاف اختبار جديد إلى آخر قديم ما زال حاضراً، "تزداد الهشاشة النفسية لدى الأطفال. وبالتالي تأتي مثل هذه الأنشطة لتساهم في التخلّص من الصدمات بطريقة سليمة وإيجابية".
(الأناضول)