كان 22 يناير/ كانون الثاني الماضي ليكون يوماً عادياً بالنسبة لمديرة مدرسة "أحصين" الابتدائية في مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، لولا تعرضها داخل باحة المدرسة لهجوم عنيف من قبل شخص غريب ادعى أنه ولي أمر أحد التلاميذ، لتنقل إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وفي وقت أثار فيه حادث الاعتداء موجة استنكار كبيرة وتضامناً من أطراف عدة (جمعيات، نقابات، أطر تعليمية)، إلا أن مديرة مدرسة "أحصين" الابتدائية ليست أولى ضحايا العنف في المدارس، خصوصاً خلال الآونة الأخيرة. فقبل أيام من الحادثة، تعرض أستاذ لمادة الرياضيات في مدينة برشيد (شرق الدار البيضاء) للتعنيف من أحد تلامذته بعدما منعه من الغش في الامتحان.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعرض أستاذ للتربية البدنية لاعتداء داخل ثانوية النخيل في إقليم اشتوكة أيت باها في ضواحي أغادير (جنوب المغرب)، من قبل أحد الأشخاص، ما أثار استياء بين زملائه، الذين اضطروا إلى توقيف الدراسة لتنظيم وقفة احتجاجية للتنديد بسلوك غريب وغير مسبوق عرفته المؤسسة.
وعلى امتداد السنوات الماضية، شهد المغرب تنامياً مقلقاً لحالات العنف داخل المدارس، من خلال اعتداء تلاميذ على أساتذة داخل مؤسسات تعليمية عدة، انتهى بعضها باعتقال هؤلاء التلاميذ والتحقيق معهم، في وقت نظم الأساتذة مجموعة من الاحتجاجات طالبوا خلالها بإقرار قوانين واتخاذ إجراءات للحد من الظاهرة.
يقول أستاذ التعليم الثانوي محمد إمامي إنّ "العنف اللفظي أو البدني ضد الأساتذة، وإن كان أمراً مرفوضاً وغير مسموح به داخل أسوار المؤسسات التعليمية، فقد أصبح للأسف أمراً مألوفاً في المغرب". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "خلال السنوات الأخيرة، وبحكم عضويتي في المجلس التأديبي الذي يضم المدرسين داخل الثانوية، الذي يفرض عقوبات بحق التلاميذ الذين يلجأون إلى العنف، صادفتني الكثير من المواقف التي تظهر اختلاف أشكال العنف داخل المؤسسات التربوية، وعدم إيلاء أي اعتبار للمدرس داخل الصفوف وخارجها". يضيف أن تنامي حوادث العنف بحق الكوادر التعليمية والتربوية يثير قلقاً واستياء بين التربويين، في ظل غياب وسائل لحمايتهم حين يتعرضون للاعتداء أثناء مزاولة مهامهم.
كشفت دراسة ميدانية أعدتها منظمة "التضامن الجامعي"، وصدرت عام 2019 حول العنف ضد الطاقم التعليمي في المغرب شملت 9038 مشاركاً ومشاركة من الهيئة التعليمية على الصعيد الوطني، أن 88 في المائة من الهيئة التدريسية تعرضوا للعنف الجسدي من قبل التلاميذ أو من أولياء أمورهم.
ويعد الآباء والأمهات مرتكبي العنف الجسدي في الغالب ضد أعضاء هيئة التعليم في السلك الابتدائي، في حين أن تلاميذ الثانوي الإعدادي والتأهيلي هم أكثر الفئات التي ترتكب العنف ضد الأساتذة.
وتلاحظ الدراسة أن معظم حالات العنف اللفظي وقعت داخل المؤسسات التعليمية، فكلما تعرض المشاركون للعنف الجسدي، كانوا ضحية للعنف اللفظي بنسبة 80.3 في المائة. وذكرت أن 46.5 في المائة من المشاركين تعرضوا لحالة عنف واحدة على الأقل (لفظي أو جسدي أو تحرش) خلال مسارهم المهني، وكلما ارتفع عدد تلاميذ الفصل، ازداد عدد حالات العنف، وكلما كانت العلاقة جيدة بين الأساتذة والطاقم الإداري، غابت حالات العنف بنسبة 63 في المائة، وكلما كان محيط المؤسسة التعليمية مؤمناً، انخفضت نسبة العنف من 65.5 في المائة إلى 34.5 في المائة.
كما أن 47.7 في المائة من المشاركين الذين تعرضوا للعنف (اللفظي أو الجسدي أو التحرش) بلغوا عنه، و36 في المائة من المشاركين الذين تعرضوا للعنف لجأوا إلى القانون.
وبحسب نتائج الدراسة، فإن الإجراءات ذات الطابع القانوني، والمتمثلة في صياغة قوانين لحماية الهيئة التعليمية، شكلت معظم اقتراحات المشاركين بنسبة 89 في المائة من المستجوبين، واقترحوا تطوير الأنشطة الموازية في المؤسسة التعليمية، وتشجيع التواصل الداخلي والخارجي، ومراجعة المضامين.
وتقول المتخصصة في علم النفس إيمان أوخير إن حوادث العنف ضد الكوادر التعليمية والتربوية باتت منتشرة بشكل لافت، وتؤثر سلباً على النظام العام للمدرسة، سواء مورست داخل حرم المؤسسة التربوية أو خارجه، بل باتت تحظى بنوع من التساهل والتقبل الضمني، لافتة إلى أن الأمر اتخذ منحى آخر، إذ لم يعد مصدر العنف يقتصر على التلاميذ، وإنما تعداه، في حالات عدة، إلى أولياء الأمور وأشخاص غرباء. كما لم يعد يقتصر على المؤسسات التعليمية، بل حتى خارجها. وفي بعض الحالات، وصل إلى حد تهديد عائلات المدرسين.
إلا أن الباحث التربوي والكاتب العام للنقابة التعليمية التابعة للاتحاد العام للشغالين، يوسف علاكوش، يقول إنه لا يمكن الحديث عن عودة مظاهر العنف في المؤسسات التعليمية في ظل غياب أرقام ومعطيات رسمية صادرة في هذا الإطار من مؤسسات رسمية، مشيراً إلى أن ذلك لا يمنع تسجيل حالات عنف هنا وهناك في المؤسسات التعليمية، كونها أماكن عامة تضم أطفالاً وراشدين. يضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "نرصد تحولاً كبيراً في نظرة المجتمع إلى المدرسة. بالتالي، هناك تحول في علاقات الأفراد والأسر في المؤسسات التعليمية التي كانت تحمل طابع القدسية".
وبالعودة إلى أوخير، تقول إن العنف الموجه ضد المدرسين امتداد للعنف داخل المجتمع، لافتة إلى أن المدرسة مؤسسة ليست بمعزل عن المجتمع الذي شهد الكثير من التحولات والتغيرات الاجتماعية والثقافية والقيمية.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة التربية الوطنية أن العنف في المؤسسات التعليمية هو سلوك مرفوض، ويتعين التصدي الحازم له من خلال اتخاذ تدابير عدة، يؤكد علاكوش ضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة والمدرسين وحفظ كرامة جميع الفاعلين والمتدخلين في الفضاء التعليمي. وبرأي علاكوش، يتطلب الأمر علاقات متوازنة وواضحة وصارمة بين المدرسة ومحيطها، وتبني مفهوم التصالح أولاً قبل الإصلاح، مشيراً إلى أن المدرسة يجب أن تنفتح على محيطها العام قبل الخاص.