خرج الأسير الفلسطيني السابق رائد ريان من سجن النقب في 27 يوليو/تموز الماضي، بعد انتهاء مدة اعتقاله الإداري، ليروي تفاصيل الضيق الذي كان يعيشه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من اعتقاله بسبب زيادة أعداد المعتقلين الوافدين إلى السجن، وبالتالي زيادة الأعداد داخل الزنازين.
يقول ريان، لـ"العربي الجديد"، إن "وضع اثنين من الأسرى مقاعدهما وسط الأبراش (أسرة السجون) يعني عرقلة أي محاولة للتحرك داخل غرفة السجن لأي من الأسرى الستة أو الثمانية حسب سعة الغرفة، لكن ذلك لم يحل دون إضافة إدارة سجون الاحتلال أسيراً أو اثنين إلى كل غرفة خلال الأشهر الأخيرة".
واعتصم أسرى حركة الجهاد الإسلامي في ساحة سجن النقب احتجاجاً على زيادة الاكتظاظ، الذي يجبرهم على النوم على الأرض في غالبية أقسام السجن، في حين أكد نادي الأسير الفلسطيني أن الغرف في عدة سجون شهدت زيادة أعداد الأسرى بمعدل 3 أسرى لكل منها، فضلاً عن إبقاء كثير من المعتقلين في "المعابر" مدة طويلة حتى بعد انتهاء التحقيق معهم، وهي المراكز التي يحتجز فيها المعتقلون الجدد بشكل مؤقت، وذلك لعدم توفر أماكن احتجاز في السّجون، ويعاني الأسرى في تلك المراكز من اكتظاظ شديد، وظروف احتجاز غير إنسانية.
ويضيف الأسير المحرر رائد ريان: "تختلف طبيعة الاكتظاظ التي كان يعاني منها الأسرى في بداية اعتقالي قبل أكثر من عام ونصف عن الأوضاع في الوقت الحالي، ففي بداية عام 2022، حين كنت في سجن عوفر؛ كان الأسرى المحتجزون في أقسام (المعابر) يعانون من اكتظاظ كبير، وفي ظل عدم وجود أماكن في السجون، كانت إدارة السجون تبقيهم في تلك الأقسام السيئة أكثر من 40 يوماً، بينما المتعارف عليه ألا يتجاوز بقاء الأسير فيها أسبوعين. فرض أسرى سجن عوفر في ذلك الحين، على إدارة السجن، عبر احتجاجات عدة؛ أن يجرى تبديل الأسرى في الأقسام مع الأسرى في أقسام المعابر حتى توفير غرف لهم، بهدف التخفيف عنهم، وليتمتعوا بطعام مناسب وملابس ومستلزمات غير متوفرة في المعابر".
بعد انتقال ريان إلى سجن النقب الصحراوي، أصبح يلاحظ شكلا آخر من الاكتظاظ، وهو زيادة أعداد الأسرى في كل غرفة. يقول: "أثر هذا علينا بشكل كبير، فالغرفة أصبحت مضغوطة، حتى إنني كنت أشعر بضيق تنفس، فالجو حار، ولا وسائل تبريد كافية في الغرفة، ويضطر الأسير إلى خوض ما يشبه المعركة للحصول على مروحة لتحريك الهواء، فضلاً عن الضغط على أوقات استخدام الحمام وغيرها من الاحتياجات الأساسية".
ورغم أن العدد لم يصل إلى ما كان عليه في عامي 2015 و2016 حين قارب عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال 7 آلاف أسير؛ تفسر شكوى الأسرى من حالة الاكتظاظ بأنهم يعانون في الأصل من مساحات السجون المحدودة التي تؤثر على تفاصيل حياتهم اليومية، ومع حملات الاعتقال الواسعة التي تجرى بشكل شبه يومي في الضفة الغربية بما فيها القدس؛ زاد عدد المعتقلين الجدد، الذين يحتجزون في ذات الغرف المكتظة التي يحتجز فيها الأسرى.
وقدمت لجنة إسرائيلية تقريراً لحكومة الاحتلال، يؤكد أن السجون لا تصلح للحياة الآدمية، وأن المساحات لا تتلاءم مع المعايير الدولية التي تفرض توفير ثمانية أمتار مربعة لكل معتقل، بينما تخصص إدارة السجون ثمانية دونمات لنحو ألف أسير، أي أن المساحة المتاحة لا تتجاوز 1.8 مترا مربعاً للأسير الواحد.
ويؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس، لـ"العربي الجديد"، أن "الاكتظاظ كان أحد أسباب الاحتجاجات والمواجهات داخل السجون خلال السنوات الماضية. توجهت مؤسسات حقوقية إلى محكمة الاحتلال العليا بتلك المعطيات، وحصلت على قرار ملزم بالمعايير الدولية، لكن حكومة الاحتلال وإدارة السجون طلبت من المحكمة مهلة لبناء سجون جديدة، وتطبيق القرار بالتدريج".
يتابع فارس: "التطبيق أخذ منحى المماطلة، وانعكس بشكل واضح على أعداد الأسرى المعتقلين في وقت واحد مقارنة مع مجمل الاعتقالات في العام، وعلى استخدام ما كان يعرف بالإفراج الإداري المبكر، الذي يعتمد على خصم أسبوعين من كل سنة من حكم الأسير، إضافة إلى تفعيل الإفراج بعد ثلثي مدة الحكم لبعض الحالات، لإبقاء عدد الأسرى الفلسطينيين، وكذلك السجناء الجنائيين في السجون الإسرائيلية، أقل من الحد الأقصى المقرر مسبقاً".
وفي عام 2020، أفادت مؤسسات الأسرى بأن قوات الاحتلال اعتقلت 4634 فلسطينيا، وكان عدد الأسرى الكلي في السجون 4400 أسير، أما في عام 2021، فاعتقلت قوات الاحتلال ثمانية آلاف فلسطيني، وكان عدد المعتقلين الإجمالي في السجون 4600 أسير، وفي عام 2022، اعتقل سبعة آلاف فلسطيني، وكان عدد الأسرى الإجمالي 4700، وتوضح تلك الأرقام استمرار عدد الأسرى في داخل السجون بمعدل متقارب، رغم الأعداد المتفاوتة لمجمل أعداد الفلسطينيين المعتقلين في كل عام، وهو ما يمكن تفسيره بوجود قرار من إدارة السجون بالوصول إلى السقف الأعلى.
وتؤكد المحامية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان تالا ناصر، لـ"العربي الجديد"، أن "رفع أعداد الأسرى في الغرفة من 5 إلى 8 حسب مساحتها، ليصبح ما بين 8 و10 أسرى، يعني التراجع عن تنفيذ قرار المحكمة العليا، الذي لطالما كانت إدارة السجون تماطل في تنفيذه بحجة عدم وجود متسع، وأتوقع أن تتحجج مرة أخرى بالحاجة إلى وقت إضافي لتأمين سجون تكفي لأعداد الفلسطينيين الذين يجرى اعتقالهم، ما يعني ضرورة قيام المؤسسات الحقوقية بمتابعة الأمر قانونياً".
وتعتبر ناصر أن "نتيجة ارتفاع أعداد الأسرى بما يقارب 400 إلى 500 أسير عن العامين السابقين يلمسها المعتقلون بشكل فوري، لأن الزيادة بمعدل 100 أسير في كل سجن تعني الضغط على كل الغرف، وبالإضافة إلى حملات الاعتقال اليومية الواسعة، هناك عوامل أخرى أدت إلى حالة الاكتظاظ الحالية، أحدها التنقلات بين الأقسام، إما بادعاء القيام بعمليات تفتيش، أو لتفريغ أقسام لتوفيرها للسجناء الجنائيين الإسرائيليين، الذين تزداد أعدادهم في ظل التظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو".