لم يعد خبراً صادماً الكشف عن طبيب يمارس مهنة الطب من دون شهادة علمية، أو عن مدرّس حاصل على شهادة البكالوريا فقط، فخلال السنوات الأخيرة، كشف عن أشخاص يستخدمون شهادات مزورة في قطاعات مختلفة، مما أثار جدلاً كبيراً، وتنديد بتزوير الشهادات العلمية والانتدابات العشوائية، خصوصاً بعد عام 2011.
في يونيو/ حزيران الماضي، أحالت جامعة "روما لا سابينزا" 85 طالباً تونسياً على القضاء بسبب شهادات مزورة، بحسب الناشط السياسي المقيم في إيطاليا، مجدي الكرباعي، والذي طالب بفتح تحقيقات في البلاد حول الشهادات المزورة.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، ألقي القبض على شخص يمارس الطب البيطري من دون شهادة عملية. وفي إبريل/ نيسان 2021، أوقف شخص يمارس طب الأسنان في مدينة نقردان التابعة لولاية مدنين، من دون أن تكون معه شهادة علمية. كما أوقف طبيب في مدينة قفصة (جنوب غرب) يمارس المهنة من دون شهادة. وكثيراً ما تعلن الأجهزة الأمنية عن إطاحة شبكات تزوير وثائق إدارية وشهادات علمية في جهات عدة.
تلك الحالات اكتشفت بالصدفة من دون القيام بتدقيق مسبق في الشهادات، لتثير جدل الشهادات المزورة والانتدابات المشبوهة في الوظيفة العمومية التي أثقلت كاهل الدولة بعد اكتشاف عشرات الحالات في الوزارات، كما طاولت قطاعات حساسة كالتعليم والهندسة والطب.
وتؤكد أجهزة الرقابة أنّ الحالات ليست نادرة، بل هي بالآلاف، ما يستوجب التدقيق في جميع الشهادات والوثائق الإدارية في ملفات كل موظف بالقطاع العام، وأحالت وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخراً أكثر من 200 ملف على القضاء، تتعلّق بشهادات علمية مزورة وانتدابات مشبوهة، وذلك على خلفية تحقيقات إدارية.
وسبق أن أعلنت وزارة التربية إيقاف العديد من المدرسين بسبب ممارستهم المهنة بشهادات مزورة، وإنهاء عمل موظفين في المندوبية الجهوية للتربية بسيدي بوزيد، بعد ثبوت تورّطهم في تزوير الشهادات العلمية، بعد مهمة رقابية أذن بها وزير التربية، فتحي السلاوتي.
وتعود القضية إلى مايو/ أيار 2020، بعد تقدم مجموعة من العاطلين عن العمل بشكوى إلى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد، ضد مسؤولين في الإدارة الجهوية للتربية، بتهم "التزوير، وافتعال وثائق إدارية وشهادات مزورة، واستغلال النفوذ، ورشوة موظف عمومي".
وأكد الناطق باسم الحكومة، نصر الدين النصيبي، مؤخراً، أنّه تم البدء في التثبت من كل الشهادات العلمية في مختلف الوظائف، ووضع لجان بكلّ الوزارات للتدقيق في الشهادات، وإحالة ملفات التزوير على القضاء.
قبل سنوات، أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت عنوان "ثبت في الشهادات"، مطالبين بالتدقيق في جميع الشهادات المقدمة في الوظائف الحكومية، ومحاسبة كلّ من أجرم بحق العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، ومن أجرم بحق الأطفال الذين درسوا لدى معلمين غير مؤهلين للتدريس، كما طالبت العديد من الجمعيات، بضرورة التدقيق في جميع الشهادات العلمية المتعلّقة بمن يمارسون مهنة التدريس.
وتؤكد الجمعية التونسية لمكافحة الفساد استفحال ظاهرة تزوير الشهادات العلمية منذ عام 2011، مشيرة إلى أنّ وزارة التكوين المهني والتشغيل كشفت عن شبكة كاملة لتزوير الشهادات الجامعية والمدرسية تورط فيها موظفون وإداريون.
ويقول رئيس الجمعية إبراهيم الميساوي لـ"العربي الجديد": "تحدثنا منذ سنوات عن خطورة هذا الملف الذي يستوجب التدقيق، وخصوصاً في الانتدابات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة في جميع القطاعات، لا سيما أنّ التقنيات الحديثة تساهم في تزوير العديد من الشهادات بسهولة".
من جهته، عمل مرصد "رقابة"، خلال السنوات الأخيرة، على ملفات متعلقة باستخدام شهادات جامعية ومدرسية مزورة للمشاركة في مناظرات في مؤسسات حكومية، وأكد وجود حالات غريبة لعمليات تزوير بدائية لشهادة البكالوريا وشهادات جامعية وشهادات تكوين في مؤسسات خاصة، عدا عن مؤشرات تدل على وجود شبكات منظمة لتزوير الشهادات وتسجيلها رسمياً.
وأشار المرصد إلى أنّ بعض المسؤولين في مؤسسات حكومية حاولوا فتح هذا الملف، وتم فتح تحقيق، وتحديد قائمة وصلت إلى قرابة 200 شخص يعملون بشهادات مزورة، وبعضهم يحتل مواقع مهمة.
وفي عام 2017، أعلن وزير الوظيفة العمومية والحوكمة أنّ الانتدابات العشوائية شجعت على تزوير الشهادات العلمية، كما أنّ حالة الانفلات ساهمت بشكل كبير في تفشي الظاهرة، مؤكدا أنّ عدد الانتدابات بعد عام 2011 تضاعف بشكل كبير.