يعيش في الريف الصيني نحو ستة ملايين طفل ممن تركهم والداهم، أو أحدهما، من أجل العمل في المناطق الحضرية. وحسب دراسة أجرتها جامعة ووهان (وسط) في مطلع العام الجاري، فإن 40 في المائة ممن استطلعت آراؤهم من أولياء الأمور يؤكدون أن أولادهم يملكون هاتفاً خلوياً، واعترف 21 في المائة منهم بأن أبناءهم مدمنون على الألعاب الإلكترونية، وأنهم يخشون أن يؤثر ذلك سلباً على مستقبلهم.
ولفتت الدراسة إلى أن إحدى المدارس الريفية المتوسطة، وجدت أن 30 في المائة من طلابها يعانون من ضعف في الإبصار، بينما في مدرسة ابتدائية، يحتاج ما يقرب ثلثي الطلاب إلى نظارات طبية، كما لاحظ المعلمون قلة تركيز الطلاب خلال الحصص الدراسية، وأنهم ينتظرون عطلة نهاية الأسبوع للانغماس في استخدام الهواتف لفترات طويلة.
وخلال العقد الأخير، صنف آلاف المراهقين الصينيين على أنهم "مدمنو إنترنت" وأُحيل بعضهم إلى مراكز إعادة التأهيل، وتم تصنيف الظاهرة على أنها "نوع من الأمراض النفسية التي يعاني منها الأطفال".
يعاني أبناء لينغ شيه من إدمان الألعاب الإلكترونية، وهو يوضح لـ"العربي الجديد"، أنه قدم إلى العاصمة بكين قبل خمس سنوات من أجل العمل، تاركاً ابنه الوحيد جانغ (12 سنة)، مع جده في قريته الصغيرة بمقاطعة ستشوان (جنوب غرب)، وأنه اضطر إلى شراء هاتف محمول لابنه من أجل التواصل اليومي بينهما، لكنه أدرك لاحقاً أن قراره كان خاطئاً، حين لاحظ أن درجاته المدرسية بدأت بالتراجع بعد اقتناء الهاتف، وفي إحدى الإجازات عاد إلى القرية، وتحرّى الأمر، فأخبرته إدارة المدرسة أن جانغ يصطحب الهاتف إلى الفصل الدراسي، وأن كل تركيزه منصبّ على الألعاب الإلكترونية، ما يجعل درجاته في تراجع مستمر.
يقول لينغ إنه سحب الهاتف من ابنه، واستبدله بساعة ذكية، لكنه اكتشف أن ذلك لم يكن حلاً ناجعاً، إذ لجأ جانغ إلى استخدام هاتف جده. "لم يكن تجريده من الهاتف المحمول سهلاً، فالأمر أشبه بالإدمان، وخلال أول يومين قاطع جده، وحبس نفسه في غرفته، وأقلع عن تناول الطعام، ولما خشينا على صحته، قررنا إعطاءه الهاتف بشرط تحديد عدد ساعات اللعب، وقد أظهر تجاوباً في البداية، لكنه سرعان ما عاد إلى قضاء جل وقته في ممارسة الألعاب الإلكترونية".
تقول الباحثة الاجتماعية شين لونغ، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك علاقة مباشرة بين تدني درجات الطلاب وإدمان الألعاب الإلكترونية، ومعظم طلاب الريف وجدوا أنفسهم وحدهم من دون أي رقابة أسرية أمام عالم افتراضي فيه كل الملهيات التي يمكن أن تعوضهم عن غياب الأب والأم والأصدقاء، كما وجد كثيرون ضالتهم في الألعاب الإلكترونية، وأصبحت الهواتف المحمولة نافذتهم على العالم". تتابع: "تكمن المشكلة في أن العديد من أولياء الأمور ليسوا على دراية بتأثير الهواتف المحمولة على أبنائهم، وبعضهم يعتقدون أن امتلاكهم هواتف ذكية يمكن أن يعلمهم أشياء جديدة، أو يكونوا مواكبين للعصر الرقمي، وإنشاء شبكة من العلاقات الاجتماعية، لكن الأمر في الحقيقة مختلف تماماً، لأن هذا الاعتقاد يساهم بشكل مباشر في دفع الأبناء نحو درجة يكاد يكون من المستحيل فيها منعهم من استخدام تلك الأجهزة".
تضيف الباحثة الصينية: "لاشك أن المسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق الأسرة، فالعمال المهاجرين في كثير من الأحيان لا يتواصلون مع أطفالهم، لأنهم أنفسهم نشأوا مع تواصل محدود للغاية مع آبائهم في ظل نمط الحياة الصناعية، خصوصاً أن جلهم من أبناء سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، واستمرت لنحو أربعة عقود.
الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة أيضا، لأن سياساتها يجب أن تساعد في توجيه أطفال الريف حول كيفية استخدام الأجهزة الذكية بطرق أفضل، لكن ذلك يحتاج إلى تضافر الجهود والتنسيق على مستوى الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي، وبعض المدارس تمنع طلاب المراحل الابتدائية والمتوسطة من إحضار هواتفهم المحمولة إلى المدرسة".
في المقابل، يعزو آخرون مشكلة إدمان الألعاب الإلكترونية إلى ثقافة سكان الريف المتدنية مقارنة بسكان المناطق الحضرية، ويعتقد هؤلاء أن الآباء ذوي الخلفية التعليمية الجيدة لديهم دراية بكيفية الاستفادة من الأجهزة الإلكترونية لمساعدة أطفالهم على تطوير مهاراتهم، وأن الأطفال في المدن الكبرى يستخدمون الأجهزة الرقمية لأغراض مفيدة، مثل تعلم البرمجة، وليس فقط للعب، أو مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة.
ومنعت السلطات الصينية في عام 2018، طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة من استخدام الأجهزة الإلكترونية في الحرم المدرسي لمكافحة إدمان الهواتف المحمولة. وفي عام 2021، نصحت السلطات أن لا تتجاوز ساعات ممارسة الألعاب الإلكترونية للقاصرين ساعة واحدة فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع. وفي عام 2022، قالت تقارير حكومية إن البلاد شهدت انخفاضا في عدد اللاعبين الصغار عبر الإنترنت بمقدار 40 مليونا.