كشفت واقعة التسمّم الغذائي التي طاولت 115 شخصاً في العاصمة الليبية طرابلس، الشهر الماضي، عن خطر جديد يحدق بالمواطن من جرّاء انتشار المواد الغذائية منتهية الصلاحية، وسط عجز السلطات عن المواجهة. وتمتلئ الأسواق الليبية بعشرات من الأصناف الغذائية منتهية الصلاحية، في ظلّ رقابة رسمية ضعيفة منذ سنوات، فيما لا يملك المواطن سوى التعبير عن تذمّره من الانفلات الحاصل في البلاد، الذي وصل إلى حدّ تهديد حياته وصحته.
وكان قسم الإسعاف والطوارئ في مستشفى طرابلس المركزي قد استقبل حالات التسمم الغذائي تلك، فيما اكتفت السلطات بالإشادة بالدور الذي أدّاه المستشفى وكوادره الطبية من دون الحديث عن أيّ عقوبات قد تُتَّخَذ للحدّ من الأغذية منتهية الصلاحية في الأسواق. يُذكر أنّ التسمّم الذي أصاب هؤلاء، كان نتيجة تناولهم وجبة عشاء في إحدى صالات الأفراح في طرابلس.
تعبّر مفيدة خير الله، مواطنة من طرابلس، عن استيائها إزاء الانفلات، قائلة لـ"العربي الجديد" إنّ "حدود البلاد مفتوحة والرقابة غير ممكنة". وتستنكر خير الله ما وصفته بأنه "شجع التجار الذين يبحثون عن السلع الرخيصة لاستيرادها"، مشدّدة على أنّ "التجار تخلّوا عن مسؤوليتهم الأخلاقية وباتوا يستوردون البضائع التي تبحث مصانع دول أخرى عن طريقة للتخلّص منها... لقد صارت البلاد مكبّاً للبضائع الفاسدة".
وتشير خير الله إلى أنّه "في إمكان المواطن الاحتراز من تلك السلع في حال كانت من الكماليات. لكنّه عندما تكون من بينها سلع أساسية كالزيت والطماطم، لا بل الدقيق، عندها يصير الأمر عسيراً". وترى خير الله أنّ ثمّة "عوامل عدّة تدفع المواطن إلى شراء أغذية رخيصة الثمن من دون التنبّه إلى تاريخ صلاحيتها" مضيفة أنّه "أمام أزمة السيولة النقدية وتدنّي الرواتب وغلاء الأسعار، يتّجه المواطن إلى مثل تلك المواد. فهو لا يستطيع تحمّل تكاليف مواد أخرى غير مضروبة مستوردة من دول محترم قانونها لأنّها غالية الثمن". وتتابع أنّ "المواطنين بمعظمهم لا يدقّقون في تاريخ الصلاحية عند التسوّق".
من جهته، يرى عياد أبو زهو، مواطن من منطقة زليتن إلى شرق طرابلس، أنّ "حتى تواريخ صلاحية الأغذية والمؤن لم تعد كافية لضمان سلامتها"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "للتجار قدرة على تغيير التواريخ، إذ يملكون، ولا سيّما الكبار، أجهزة خاصة لذلك". يضيف أبو زهو أنّ "الحلّ يكمن في تفعيل الجهات الرقابية، سواء على الحدود أو في داخل الأسواق، بالإضافة إلى نشر مركز الرقابة على الأغذية والأدوية بيانات مرفقة بصور للتنبيه من عدم صلاحية بعض السلع المضبوطة في الأسواق".
وبحسب ما يفيد واحد من آخر منشورات مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، نُظمت دوريات تفتيش شملت شركات دوائية وصيدليات في مدينة صبراتة (غرب طرابلس)، بعد ورود معلومات عن حليب أطفال غير مطابق للشروط الصحية. وقد اكتُشفت بالفعل أصناف من حليب الأطفال غير المطابقة منتشرة في السوق.
وكشف المركز في منشورات أخرى عن تكثيفه عمليات التفتيش التي تشمل محال كبرى ومصانع في عدد من مناطق البلاد، ولا سيّما في الغرب والجنوب، فاكتُشِفَت أصناف من المواد الغذائية الفاسدة أو المخزّنة بطرق غير مطابقة للشروط، كذلك ضبطت عمالة غير حاصلة على شهادات صحية في داخل تلك المحال والمصانع، وهو ما دفع إلى قرارات تقضي بإقفالها.
لكنّ أبو زهو يعلّق قائلاً إنّ "مدّة الإقفال لن تتجاوز الأيام، وبالتالي ستعود إلى ممارسة نشاطها"، مشدّداً على أنّ "ثمّة عاملاً مهماً يتمثّل بضرورة نشر صور من داخل تلك المعامل والمصانع على نطاق واسع بين المواطنين للتوعية".
في سياق متصل، يقول وفيق العويب، مسؤول في أحد فروع مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، إنّ "حوادث التسمّم الغذائي باتت ظاهرة في البلاد، علماً بأنّ الجدال حولها ينتهي بعد مرور أيام عدّة من تسجيل الواحدة منها". يضيف العويب لـ"العربي الجديد" أنّ "المسؤولية جماعية في ما يتعلق بمقاومة ظاهرة الاتّجار بصحة المواطنين"، مشدّداً على أنّه "إذا كانت السلطات عاجزة عن متابعة هذه الظاهرة وإنهائها في بعض المناطق، فإنّه من واجب المستهلك التأكد من تاريخ صلاحية أيّ منتج ومطابقته للمواصفات، فهذه مسؤوليته كذلك". ويؤكد العويب أنّ "المواطنين بمعظمهم يهملون هذا الجانب، الأمر الذي يشجّع التجار الجشعين على الاستمرار في مخالفتهم".