منذ أن سيطرت حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب 2021 تغيّرت الأحوال كثيراً في كل مجالات الحياة، خاصة في قطاع التعليم، حيث لم تسمح حكومة الحركة بأن تفتح المدارس ما فوق المرحلة الابتدائية أبوابها إلى أجل غير معلوم، بحجة أنها تحتاج إلى وقت لوضع الآلية مناسبة للتعليم تتوافق مع الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية السائدة، وأكدت حينها أنها ستنتهي قريباً من دراسة الآلية تمهيداً لإنهاء الإغلاق، لكن مرّ أكثر من عام ونصف العام على إغلاق مدارس البنات، ما جعل مدارس خاصة كثيرة على حافة الانهيار.
تقول نقابة المدارس الخاصة في أفغانستان إنه "منذ أن سيطرت حركة طالبان على العاصمة كابول، أغلقت 240 مدرسة خاصة أبوابها في العاصمة وحدها"، وتوضح أن "عدد المدارس الخاصة كان 1300 في العاصمة كابول قبل أن تسيطر حركة طالبان عليها، وواجهت مشاكل كثيرة، لا سيما منع حركة طالبان التلميذات فوق المرحلة الابتدائية من الذهاب إلى المدارس".
وقال رئيس نقابة المدارس الخاصة إسلام الدين يارمل، في بيان أصدره في 12 من إبريل/ نيسان الجاري: "كانت توجد في كابول 1300 مدرسة خاصة قبل أن تسيطر طالبان على العاصمة، ومنذ ذلك الحين أغلقت ما بين 240 و250 مدرسة أبوابها بسبب المشاكل الاقتصادية والتقلبات السياسية، علماً أن جائحة كورونا ألحقت سابقاً أضراراً اقتصادية كبيرة بالمدارس الخاصة".
أضاف: "فعلياً يتسبب إغلاق مدرسة ابتدائية واحدة بخسارة 15 معلماً وظائفهم، ويشمل ذلك 20 معلماً لدى إغلاق مدرسة واحدة في المرحلة المتوسطة، و25 معلماً لدى إغلاق مدرسة واحدة في المرحلة المتوسطة، والأرقام الموجودة لدى النقابة تشير إلى أن 4600 معلم خسروا وظائفهم بعد إغلاق ما بين 240 و250 مدرسة في كابول، وهذه مشكلة كبيرة".
أيضا ًتحدث إسلام عن أن "الحالة المعيشية السيئة لعبت دوراً كبيراً في تدهور الوضع الاقتصادي للمدارس، لأن البطالة مستشرية في البلاد، لذا لا يريد كثير من الآباء إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة التي تأخذ رسوماً بخلاف تلك الحكومية المجانية"، وناشد المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية مساعدة المدارس الخاصة التي حققت تقدماً كبيراً على صعيد نوعية التعليم والقدرات خلال العقدين الماضيين.
ويقول محمد نذير خان، وهو مدير مدرسة خاصة في كابول، لـ"العربي الجديد": "شهدت المدارس الخاصة في أفغانستان نقصاً في عدد الطلاب تراوح بين 20 و40 في المائة بسبب الحالة الاقتصادية والمعيشية في البلاد، رغم أن المدارس الخاصة قلّصت رسومها لمراعاة أوضاع المواطنين، لكن الحال المعيشية لهؤلاء متدهورة أكثر مما يمكن تصوره، كما أن الوضع الاقتصادي للمدارس متدهور للغاية".
وفيما يواجه المدرسون الذين خسروا وظائفهم مشاكل حياتية كبيرة، يقول أحدهم ويدعي صفي الله خان، الذي كان قد خسر وظيفته رغم استمرار النشاط التعليمي للمدرسة التي كان يدرّس فيها، لـ"العربي الجديد": "نواجه مشاكل كبيرة لم نتوقع حدوثها حين كانت المدارس كثيرة وفرص العمل أكثر. كنت أعلّم في المدرسة صباحاً، وفي المساء أدرّس أطفالاً في منزلي حتى وقت المغرب، وذلك بعد تناولي طعام الغداء وأخذ قسط من الراحة. وكان أولياء الأمور يدفعون لي رسوماً شهرية لمساعدة أبنائهم في مواد مختلفة، لكن مع سيطرة حركة طالبان على كابول تغيّرت الأحوال وانقلب كل شيء رأساً على عقب، فخسرت عملي، ولم يعد الآباء يستطيعون إرسال أولادهم إليّ كي أدرّسهم في المنزل، ما أوقف عجلة الحياة بالنسبة لي وأسرتي. الآن زوجتي تخيط ملابس الناس، وأنا أعمل في محل تجاري، لتسيير أمورنا الحياتية".
وتتمثل المشكلة الأساس لدى صفي الله في أنه يعيش في منزل مستأجر، ويدفع 8 آلاف أفغانية (92 دولارا)، ولديه ثمانية أولاد كانوا يدرسون جميعهم في مدارس خاصة، ثم فرض تغيّر الأحوال ذهاب خمسة منهم إلى مدرسة حكومية، بينما تنتظر بناته الثلاث اللواتي يتابعن تحصيلهن العلمي في المرحلتين المتوسطة فتح أبواب المدارس، ويكتفين حالياً بمساعدة أمهن في أعمال المنزل والخياطة.
ويقول صفي الله: "أحاول عبر طرق مختلفة أن أحصل على عمل في مدرسة حكومية، لكن المشكلة أن لا فرص فيها أيضاً. بت مريضاً بالسكري ربما بسبب المشاكل النفسية والضغوطات التي أواجهها، وقد تجاوزت سن الـ50 ما لا يسمح لي بأن أشتغل في السوق. كنت أعيش بكرامة وراحة، وكانت حياتي جيدة، أعلّم أبناء الناس وأولادي، ولم أتصور أن تأتي علينا هذه الحالة، لكن كل شيء قد يحصل في بلدنا. كنا نأمل في أن نعيش في جو آمن، لكن لقمة العيش طارت، ونضاعف حالياً جهودنا لمحاولة الحصول عليها".
وفي مارس/ آذار الماضي، وعدت حكومة حركة "طالبان" بأن تهتم بشؤون المدارس الخاصة وتسعى إلى حل مشاكلها من خلال اجتماع مندوبي هذه المدارس بالملا عبد الواسع خادم، الذي يرأس مكتب رئيس الوزراء في حكومة الحركة. وقال مكتب رئيس الوزراء، في بيان أصدره لاحقاً، إن "الملا عبد الواسع سمع مطالب مندوبي المدارس الخاصة، والحكومة مصممة على العمل لحل جميع المشاكل في قطاع التعليم، خاصة تلك المرتبطة بالمدارس الخاصة".