في ظل إصرار حركة طالبان على إغلاق المدارس والجامعات في وجه البنات، منذ أن سيطرت على البلاد في أغسطس/ آب 2021، انصب اهتمام الأفغان على دراسة العلوم الدينية أكثر من الدراسات العصرية، كما زاد عدد المدارس الدينية بشكل كبير.
ويشدد زعيم حركة "طالبان" الملا هيبت الله أخوند اده، في كل كلماته وبياناته والمراسيم التي يصدرها على ضرورة الاحتكام إلى علماء الدين والشريعة، وترويج العلم الشرعي والاهتمام بطلابه، بينما يرى وزراء كثيرون في مقدمتهم وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خالد حنفي، ورئيس المحكمة العليا الشيخ عبد الحكيم أن "العلوم العصرية أمر مباح، بينما العلوم الدينية فريضة لا مفر منها".
في المقابل، قال وزير الدفاع الملا محمد يعقوب، وهو نجل مؤسس الحركة الملا محمد عمر، في خطاب ألقاه خلال مناسبة نظمتها وزارة التعليم العالي في كابول في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إن "أفغانستان لن تستطيع منافسة دول المنطقة، ولا يمكن أن تتحسن أحوالها إلا إذا أولينا اهتماماً كبيراً بالعلوم العصرية التي تعتبر من أهم مطالب الحياة".
أضاف: "يحتاج المجتمع الأفغاني إلى الدين والشريعة، كما يحتاج إلى أطباء ومهندسين ومتخصصين في كل المجالات. لندرك هذه الحقيقة، ونعمل لأجلها، كي نسير إلى الأمام".
من جهته، قال وزير التعليم العالي الشيخ ندا محمد نديم، في المناسبة ذاتها: "تعمل حكومة حركة طالبان على تطوير وتحسين التعليم في كل المجالات الدينية والعصرية، وهي فعلت الكثير سابقاً لتحسين وتطوير حالة التعليم في أفغانستان، ولا تزال مصممة على مواصلة العمل الدؤوب في هذا الشأن".
ويعلّق الناشط صفي الله خان على الموضوع بالقول لـ"العربي الجديد": "يعكس ما يقوله بعض قادة طالبان مدى التباين الموجود في وجهات النظر بين قادة حركة طالبان في شأن التعليم العصري، في وقت يتفقون على أنه لا بدّ من التعليم الشرعي والديني. وأقول إن الشعب الأفغاني مسلم ويهتم كثيراً بالعلوم الدينية والشرعية، وهذا الأمر كان قائماً قبل تسلم طالبان الحكم، وسيستمر بعده، ونحن نشدد حالياً على ضرورة الاهتمام بالعلوم العصرية في ظل التطور العلمي الذي تشهده البشرية".
وكانت وزارة التربية والتعليم قد أكدت في أغسطس/ آب الماضي أن عدد المدارس الدينية تجاوز 15 ألفاً، غالبيتها غير رسمية، أي غير مسجلة، علماً أن عدد المدارس المسجلة هو 455. أما تلك الجهادية التي تدرّس الدين للشباب الذين يريدون الالتحاق بصفوف طالبان، وتعلّمهم القتال فيبلغ عددها 28. وطلاب هذه المدارس خارج صفوف الجيش والشرطة، لكنهم مستعدون للقتال في أي لحظة، وحكومة طالبان تصرف مبالغ ضخمة على هذه المدارس، ويعتبر أستاذتها موظفون رسميون لدى الحكومة.
ويقول رئيس الموارد البشرية في وزارة التربية والتعليم، أول غول أيوبي، لـ"العربي الجديد": "يصل عدد المدارس الدينية في أفغانستان إلى 15.400 تتوزع في أنحاء البلاد، وهي للرجال والنساء معاً، وتضم 8 آلاف مدرّس ومدرّسة. والشعب الأفغاني مسلم، لذا من أولويات حكومة طالبان توفير مدارسة دينية في كل مكان، وكل الإمكانات لها".
وسبق أن أعلنت وزارة التعليم العالي أنها تعمل لتخصيص كليات للدراسات العليا في مجال التعليم الديني، من أجل طلاب وخريجي المدارس الدينية، كي يحصلوا على حقوقهم الكاملة، ويلعبوا دورهم في مستقبل البلاد.
وفيما تلعب حكومة "طالبان" دوراً كبيراً في تقوية المدارس الدينية خاصة في ما يتعلق بالبنات، وتمنح الخريجين امتيازات مثل التعيين في الوظائف، والحصول على مناصب سيادية في البلاد، يفضل لذك أفغان كثيرون الدراسة في المدارس الدينية بدلاً من الدراسات العصرية.
ومنذ أن سيطرت حركة على الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب 2021 تغيّرت الأحوال كثيراً في كل مجالات الحياة، خاصة في قطاع التعليم، حيث لم تسمح حكومة الحركة بأن تفتح المدارس ما فوق المرحلة الابتدائية أبوابها للبنات إلى أجل غير معلوم، بحجة أنها تحتاج إلى وقت لوضع آلية مناسبة للتعليم تتوافق مع الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية السائدة، وأكدت حينها أنها ستنتهي قريباً من دراسة الآلية تمهيداً لإنهاء الإغلاق. وبعدما مرّ أكثر من عام ونصف العام على إغلاق مدارس البنات باتت مدارس خاصة كثيرة على حافة الانهيار.
أيضاً لا تزال "طالبان" ترفض فتح الجامعات أمام الفتيات، وتقول الناشطة الأفغانية زرلشت عابدي لـ"العربي الجديد": "يبدو جلياً أن طالبان لا تؤمن بضرورة التعليم الجامعي ولا حتى المدرسي للفتيات، لذا تلتزم الحكومة الصمت في شأن المسألة، وتؤجلها بلا مبرر. قالت طالبان في البداية إنها تعمل لوضع آلية تناسب الوضع السائد وتتوافق مع الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية، لكن بعد فترة توقف جميع مسؤوليها عن الحديث حول أي آلية لفتح المدارس والجامعات أمام البنات، ما يشير إلى أن القرار بات دائماً".