كان للحرب تأثير كبير على قطاع التعليم في أفغانستان. وإن كانت هذه التأثيرات تطاول التلاميذ الذكور والإناث، لكن تبقى تداعياتها أكبر على الفتيات، في ظل حرمان كثيرات من التعليم، وخصوصاً في المناطق الريفية والقبلية نتيجة للأعراف والتقاليد التي تحول دون تعليمهن.
وفي الفترة الأخيرة، وتحديداً خلال العقدين الماضيين، تحدّت فتيات أعرافاً وتقاليداً وأحرزن وأثبتن نجاحاً في هذا القطاع. شمسية عليزاده هي إحدى هؤلاء، وتتحدر من مديرية جاغوري في إقليم غزنة. وتقول إنها واجهت الكثير من المشاكل ونجحت في التغلب عليها بمساعدة أسرتها، وتحديداً والدها محمد نسيم عليزاده.
وتقول شمسية لـ "العربي الجديد" إنّ الأعراف والتقاليد السائدة والنظرة العامة حيال تعليم الفتيات تعد العقبة الأبرز في وجه. وتشير إلى أن الكثير من قريناتها اللواتي يرغبن في مواصلة تعليمهن، اضطررن إلى ترك التعليم نتيجة لهذه الأسباب. إلا أنها رفضت الاستسلام وقاومت الظروف الصعبة والتحقت في كلية الطب في جامعة كابول، بعدما حصلت أعلى درجة في امتحان القبول.
وتقول شمسية إنّ السبب الأساسي وراء تقدّم الفتاة الأفغانية هو وقوف الأسرة إلى جانبها. ومن دون هذا الدعم، لا يمكن لها أن تتقدم في ظل كثرة الضغوط، إضافة إلى العادات والتقاليد التي تؤدي إلى تعثّر تقدم الفتيات في حقل التعليم. وتحكي عن دور والدها في تقدّمها، قائلة: "أبي كان سندي بعد الله. وقف إلى جانبي في كل الأحوال ولم يتركني وحدي. وكان يشجعني ويقول لي إن النجاح مصيرك، وحثني على مواصلة مسيرتي من دون الالتفات إلى ما يدور حولي أو ما يثار من أقاويل.
على غرار شمسية، أحرزت كثيرات تقدّماً في مجال التعليم على الرغم من المشاكل والضغوط الكثيرة. الشقيقتان راضية وسمية حصلتا على درجات جيدة وتم قبولهما في كلية الطب في إقليم ننجرهار، وقد غادرتا مديرية خوجياني النائية في إقليم ننجرهار، التي تعاني واقعاً أمنياً سيئاً لأنّ "حركة طالبان وتنظيم داعش يسيطران على مناطق شاسعة منها".
ويقول عبد الولي، وهو عم الفتاتان، لـ "العربي الجديد": "ابنتا أختي بذلتا جهداً كبيراً للنجاح في الامتحان في ظل شح الإمكانيات والحالة المعيشية الصعبة، عدا عن وفاة والدهما قبل عامين. إلا أنهما نجحتا، علماً أنهما لم تتوقعا الحصول على درجات جيدة. إلا أن جهودهما أثمرت ونجحتا في الامتحان، وكانت الفرحة كبيرة لأسرتي".
في هذا السياق، تقول المدرسة والناشطة الاجتماعية مريم أشرفي لـ "العربي الجديد": "الواقع الذي تعيشه المرأة الأفغانية أليم". وترى أنه في ظل المصائب والمشاكل الكثيرة، نجحت المرأة في مجالات مختلفة، كالتعليم والتجارة والسياسة والتربية، وهو ما يدلّ على قدرة المرأة الأفغانية على تحقيق الإنجازات والنجاح والتغيير. كما أنه يدل على قدرة الفتاة على تخطي العقبات الموجودة في وجهها، في بلد تعاني فيه مختلف الأطياف من تبعات الحرب وويلاتها.
وتقول الناشطة مريم إن الآباء في أفغانستان لا يرضون بتعليم الفتيات على الرغم من كل ما حصل من تغير خلال العقدين الماضيين، ظناً منهم أنه لا فائدة من تعليمهن لأنهن يتزوجن ويجلسن في المنزل بعد ذلك، مؤكدة أن الجو بشكل عام غير مهيأ لتعليم الفتيات، داعية الحكومة والمجتمع المدني إلى أداء دورهما بهذا الخصوص.
وتقول مريم لـ "العربي الجديد" إن الأوضاع الأمنية والاجتماعية بشكل عام تشكّل عقبة كبيرة في وجه تعليم الفتيات. وتتحدث عن زحل، وهي من مديرية بغمان، التي نجحت في امتحان الدخول في كلية القانون في جامعة قندهار. لكن المشكلة أنها لا تستطيع ترك أسرتها والعيش وحيدة في ظل خصوصية المدينة من الناحية الأمنية والمشاكل التي قد تعترضها على الطريق. بداية ترددت أسرتها وكان هناك خلاف في الرأي بين الأم نجمية التي أصرت على ابنتها لتغيير تخصصها، في وقت رغب والدها في أن تواصل دراستها. وترغب زحل في دراسة القانون، لكنها تخشى الذهاب إلى قندهار، وبالتالي بقيت بين أمرين أحلاهما مر؛ ذهاب إلى قندهار لمواصلة التعليم وسط ظروف صعبة، أو البقاء إلى جانب الأسرة في كابول من دون أن تواصل تعليمها.
وتقول زحل (18 عاماً) لـ "العربي الجديد": "كنت أتمنى الالتحاق بجامعة كابول، والدراسة في كلية القانون فيها. لكنني لم أتمكن من ذلك".