لم تسلم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولا سيما نهر البارد والبداوي شمالاً، ومخيم شاتيلا جنوب بيروت، من أمواج الحزن التي حملت جثامين الحالمين بالهجرة إلى أوروبا عبر "قارب الموت"، الذي غرق قرابة شاطئ طرطوس السوري قبل أيام.
وشيع اللاجئون في المخيمات، السبت، جثمان رواد طارق السيد (17 عاماً)، الذي لم يكن وحده على قارب الموت من مخيم شاتيلا، إذ كان برفقته 4 آخرون عُرف منهم محمود عطية قطيع (30 عاماً)، والأخوان نور (20 عاماً) وأحمد (17 عاماً)، وعبد اللطيف الحج وجميعهم في عداد المفقودين، في حين نجا من الموت جهاد بشلاوي، غير أن النظام السوري أوقفه في مستشفى باسل العسكري بتهم سياسية.
رواد عاش يتيماً، لاجئاً، لديه أخت وحيدة، كان يحاول أن يصبح شيئاً، غير أنه أضحى رقماً في عداد ضحايا قوارب الموت التي تحمل فقراءنا إلى الشمال.
جال نعش رواد في أزقة المخيم، الذي تبلغ مساحته 1.5 كيلومتر مربع، على أكتاف رفاقه، ذهاباً وإياباً كمن يلقي نظرة الوداع، ويتحدث عن لحظات أخيرة كان فيها بعيداً عن والدته التي لم تستطع إكمال مراسم التشييع، في حين غاب أي حضور رسمي، كما أطلق المشيعون الرصاص تزامناً مع تحرك الجثمان.
ويقول أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في شاتيلا كاظم حسن، لـ"العربي الجديد": "لا يستطيع أحد تأكيد العدد الفعلي للضحايا الذين كانوا على قارب الموت، ولم نعرف أن هناك ضحايا من المخيم إلا عبر وسائل الإعلام".
بشلاوي، لم يكن وحده من شباب المخيمات الذي نجا من الغرق ليجد نفسه معتقلا لدى النظام السوري
من الغرق إلى توقيف النظام السوري
بشلاوي ليس وحده من شباب المخيمات الذي نجا من الغرق ليجد نفسه موقوفاً لدى النظام السوري، فهذا ما حصل أيضاً مع عبد الله السعيد من مخيم نهر البارد، بحسب أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة الشمال مصطفى حرب.
يضيف حرب لـ"العربي الجديد" أنهم تبلغوا من الجانب السوري أنه تم انتشال 80 جثة، موضحاً أن السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور أرسل وفداً إلى سورية، لتسهيل عبور أهالي الضحايا، ونقل الجثامين التي يجرى التعرف عليها إلى لبنان لدفنها.
وبحسب حرب، فإن التقديرات الفلسطينية تشير إلى وجود 25 إلى 35 لاجئا فلسطينياً كانوا على قارب الموت، غالبيتهم من مخيمات الشمال، تحديداً نهر البارد والبداوي، لافتاً في الوقت نفسه إلى نجاة 4 فلسطينيين، هم في مستشفى "باسل" بسورية. في حين تم استلام جثمان عبد الله عبد الله من مخيم نهر البارد.
عقبات تواجه أهالي الضحايا
ويتحدث أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة الشمال عن صعوبات تواجه أهالي الضحايا، إذ سمح الجانب السوري فقط للفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر بالعبور إلى أراضيه كي يتعرفوا على الضحايا، مشيراً إلى توقيف باص حمل أمس 10 عائلات فلسطينية من نهر البارد على الحدود ومنع دخول بعضهم لأنهم لا يحملون الوثيقة الفلسطينية.
ومن بين الصعوبات التي تحدث عنها حرب التعرف على الضحايا، إذ إن غالبية الجثث متحللة وتحتاج إلى فحص الحمض النووي (DNA).
وفي مشهد مؤثر، تُرك نعش رواد الملفوف بالعلم الفلسطيني وحيداً في مقبرة الشهداء بعدما غادر المشيعون. وعند الوقوف أمام قبر الشاب اليافع تتراود الأسئلة من دون إجابات: كيف تحول هذا الشاب إلى رقم؟ لماذا لم ينجح بتحقيق حلمه البسيط وهو العبور إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط؟ كيف كان قبل يومين فقط يتنقل في أزقة المخيم وينام اليوم في مقبرته في حين أن غيره أصبح غذاء للأسماك؟ هي حياة اللاجئ الفلسطيني في لبنان يهرب من موت إلى موت ولكن بشكل وطريقة مختلفين، ويبقى الموت مستمراً.