ما زالت الألغام ومخلفات الحرب تشكل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين في ليبيا، رغم انقضاء أكثر من عامين على أكبر الحروب التي شهدتها البلاد، جنوبي طرابلس، خلال عامي 2019 و2020.
والإثنين الماضي، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ وفاة الطفل نوري باني (13 عاماً) بتأثير إصابته بانفجار لغم أرضي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في منطقة عين زارة جنوبي العاصمة طرابلس.
وأوضح المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ أسامة علي أن "الطفل باني توفي بعد معاناة طويلة من آثار ومضاعفات إصابته بانفجار لغم أرضي، في حين يستمر علاج طفل آخر أصيب في الانفجار ذاته".
وتعد منطقة عين زارة ومناطق أخرى جنوبي العاصمة طرابلس بين أكثر المناطق المهددة بانفجار الألغام، بعدما كانت تحوّلت إلى ساحات للحرب أثناء عدوان مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
وهذا العام، أُعلن وفاة ثلاثة أطفال ومدنيين آخرين، بينهم شخصان في منطقة القريات وسط جنوبي ليبيا.
ونهاية العام الماضي، كشفت وزارة الداخلية الليبية عن مقتل 8 أطفال وجرح 3 آخرين بانفجار ألغام ومخلفات حرب في منطقة الجفارة غربي العاصمة طرابلس. وتزامن ذلك مع وفاة مدنيين اثنين وجرح آخرين في مدينة بني وليد جنوب شرقي طرابلس.
ونهاية العام الماضي أيضاً، أُعلن جرح شخصين من أسرة واحدة بانفجار لغم من مخلفات الحرب داخل فناء منزل الأسرة في منطقة قصر بن غشير، جنوب شرقي طرابلس.
وإثر انتهاء كل حرب شهدتها هذه المناطق والمدن، تحذر الأجهزة والهيئات المعنية برصد وجمع مخلفات الحروب المواطنين من العودة إلى منازلهم إلا بعد الانتهاء من مسح المخلفات ونقلها، لكن الناشط السياسي والحقوقي عقيلة الأطرش يرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "طول مدة هجرة المواطنين من بيوتهم اضطرهم إلى العودة إليها، بعدما سئموا من انتظار وفاء السلطات بوعودها الخاصة بنقل مخلفات الحرب من داخل الأحياء السكنية". ويشير الأطرش إلى أن "الإعلانات عن ضحايا الألغام طيلة السنوات الماضية ليست أساساً لتحديد عددهم. ومن يلقون حتفهم في مواقع انفجارات الألغام هم أكثر ممن يعلن عنهم".
وحتى يوليو/ تموز الماضي، أعلنت إدارة الهندسة العسكرية تدمير 12 طناً من مخلفات الحرب التي جرى تفكيكها من مناطق جنوبي طرابلس. وفي وسط البلاد، جرى خلال الفترة ذاتها تدمير 5 أطنان انتزعت من مناطق مختلفة في مدينة سرت وحولها، لكن الضابط في إدارة الهندسة العسكرية عبد العاطي الجطلاوي يلفت، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الجهات المسؤولة عن انتشال ونقل مخلفات الحرب في بنغازي لم تعلن أي كميات محددة، مرجحاً توقف جهود تطهير أحياء المدينة منذ سنوات طويلة. ويقول: "غالبية أحياء وسط بنغازي شهدت حرباً مدة 4 سنوات، وأكثر مخلفات الحرب ما زالت تحت ركام المباني والمنازل أو حولها".
وفي دليل واضح على غياب الجهات المعنية بتطهير الأحياء من مخلفات الحرب، أقدم أهالي أحياء وسط بنغازي على وضع علامات أمام أماكن ومبانٍ للفت انتباه المارة إلى خطورتها، ومنع الأطفال من اللعب قربها.
ويعلّق الأطرش بأن "غالبية الإعلانات التي تصدرها وزارات الداخلية بكل الحكومات، وكذلك الجهات المسؤولة عن رصد ونقل مخلفات الحرب، تبدأ بالحديث عن بلاغات الأهالي بشأن وجود ألغام أو مخلفات حرب، ما يدل على أن هذه الجهات والسلطات تعتمد على إشعارات الأهالي، ولا تملك إمكانات أو فرقاً مؤهلة لتتبع الألغام ومخلفات الحرب، وكل ما تقوم به بالتالي هو التحرك لدى تبلغها بوجود مخلفات تمهيداً لتدميرها. وهذه الآلية المعتمدة توحي بأن كميات مخلفات الحرب كبيرة، والأكيد أن هناك الكثير من مزارع الألغام خارج الأحياء السكنية التي لم يلاحظها الأهالي للإبلاغ عنها".
ويؤيد الجطلاوي هذا الأمر، ويقول: "يتعلق تحركنا بالحصول على خرائط عن نقاط زرع الألغام. وجرى تكليف اللجنة العسكرية المشتركة المسؤولة عن تنفيذ وقف إطلاق النار بهذا الأمر، لكن معسكر شرق ليبيا، المساهم الأكبر في زرع الألغام، لم يوافق على تزويد إدارات الهندسة العسكرية بخرائط الألغام".
ويشير أيضاً إلى عقبات تفرضها عوامل أخرى تتعلق بالإمكانات الضعيفة لإدارات الهندسة العسكرية، وتدريب عناصرها لتطوير مهاراتهم، خصوصاً في ظل وجود أنواع ألغام متطورة.