جُبل الانسان على التطلُّع إلى كل جديد، ما يحدث الكثير من التشوهات في علاقاته ببيئته. فما إن يشب الفرد ويجد أن في مقدوره الانفصال عن أمه ويبدأ في السعي إلى بناء علاقات خارج محيطه الأول، حتى يداهمه إدراك بأن يحق أن يُخصص لها يوما في كل عام، وهي التي ظلت تمنحه كل ساعة من عمرها، وكل نبضة من قلبها.
كذلك هو حالنا مع الغابات التي هي بمثابة الرئة لجسم الإنسان الذي لا يستطيع التنفس أو الحياة من دونها. فمنها مأكلنا وملبسنا ومأوانا، وما نستشفي به. ومع كل هذا نمد لها يد الخراب، ونهملها مثلما يهمل البعض أمهاتهم. وحتى نداري ما يعترينا من خجل نخصص لها يوماً في كل عام.
يقال إن أصل حكاية الاحتفال بعيد الأم إغريقي، حيث تقول الرواية إن الإغرقيين أقاموه احتفاء بـ "ريا" أم الآلهة. وفي القرن السادس عشر كانت إنكلترا تحتفل بيوم "أحد الأمهات" الذي يمنح فيه خدم المنازل لدى الأغنياء يوم عطلة يعودون فيها إلى منازلهم للاحتفال مع أمهاتهم بالمناسبة. ثم تحوّل الاحتفال بـ "أحد الأمهات" إلى مناسبة للاحتفال بأم الكنيسة مريم. ومع مرور الوقت أصبح يوماً لتكريم جميع الناس أمهاتهم.
في عام 1956، اقترح الأخوان مصطفى وعلي أمين تخصيص أول أيام فصل الربيع 21 مارس/ آذار لإحياء عيد الأم، ليكون رمزاً للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة، ما يشير إلى وجود ارتباط ما بالطبيعة. بيد أن بلداناً أخرى تحتفل بالأم في تواريخ مغايرة.
ومثلما ننادي أمهاتنا سراً وعلانية ساعة الضيق، وحين تستبد بنا حمى الفراق، ها نحن اليوم نقف لنعلن الاعتراف بتفريطنا، بعدما حاصرتنا الغازات السامة، وتصاعدت درجات حرارة الشمس وشح المطر، ورحلت عن دنيانا أعداد كبيرة من شركاء الكوكب من طيور وحيوانات وحشرات بسبب فقداننا الغابات. نقف لنحتفل باليوم العالمي للغابات، لعلنا نتمكن من زيادة رقعة الوعي حول الدور المهم الذي تلعبه الغابات في تحقيق التوازن البيئي، وما تمثله من غنى بيولوجي، وما تقوم به تجاه الكوكب وسكانه.
اختير اليوم العالمي للغابات في 21 مارس/ آذار، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، واحتُفل به للمرة الأولى عام 2013 لتحفيز إطلاق المبادرات ومناقشة الفرص والتحديات المتعلقة بإدراج الغابات في آليات واستراتيجيات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. فالغابات إلى جانب كونها الموطن الطبيعي للملايين من الكائنات الحية، فهي تشكل أكبر وأغنى تنوع بيولوجي على كوكب الأرض. كما أنها مصدر الرزق والمأوى والغذاء والطاقة، لأكثر من مليار شخص في العالم. ويساهم وجودها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأهمها القضاء على الفقر وتخفيفه.
فهل هي مصادفة أن يتزامن الاحتفال بأمهاتنا اللواتي ولدتنا ومنحتنا الحياة مع الاحتفال بالغابات اعترافاً بعطائها اللا محدود؟
(متخصص في شؤون البيئة)