بدأت أصوات أميركيين من أصول فلسطينية ترتفع تنديداً بالإجراءات الأميركية حول المواطنين الأميركيين العالقين في قطاع غزة منذ أسبوع تقريباً، وترى هذه الفئة أن السلطات بدأت تتخلى عنهم، على الرغم من أن إدارة الرئيس جو بايدن، أوعزت بإجلاء الأميركيين من إسرائيل، عبر تسيير رحلات جوية ونقلهم إلى أوروبا، وغيرها من الدول.
وسلّطت صحيفة "نيويورك تايمز"، الجمعة، الضوء على معاناة الأميركيين من أصل فلسطيني، الذين يقبعون تحت القصف الإسرائيلي، خصوصاً أن عددهم يقدَّر بنحو 500 إلى 600 مواطن أميركي في غزة، بحسب الصحيفة.
قصص الخوف
تنتشر قصص مرعبة عن أهوال القصف الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، الذي يطاول الكبار والصغار، دون تمييز. يتحدث أبو فارس (أميركي من أصل فلسطيني) زار قطاع غزة في سبتمبر/أيلول الماضي، ولم يتمكن من مغادرته حتى الآن، عن أهوال ما يعيشه يومياً، في ظل صمت الإدارة الأميركية عن مصيره.
خلال مكالمة فيديو مع أطفاله الخمسة المقيمين في نيوجرسي الأميركية، وصف أبو فارس (50 عاماً) رؤية جثث العشرات من النساء والأطفال قتلوا في غارة جوية على بعد بنايات من منزل عائلته. يعتقد أنه وعائلته قد يصبحون في قائمة الشهداء، في غضون ثانية.
أبو فارس ليس الوحيد الذي يخشى تطور الأوضاع، فقد لفتت بدورها لينا بسيسو (57 عاماً) التي تعيش في سولت ليك سيتي بولاية يوتا، وهي الآن في قطاع غزة مع زوجها وابنتيها وحفيد يبلغ من العمر 10 سنوات، إلى أنها تشعر بأن بلدها تخلى عنها، وترى أنها مواطنة أميركية، لكنها لا تعامل معاملة المواطنين.
تقول بسيسو: "في الوقت الحالي، ليس هناك ما يمكن فعله سوى الانتظار والأمل والصلاة"، خصوصاً أنها وعائلتها حاولت الفرار من طريق معبر رفح، لكن الجيش الإسرائيلي قصفه، وطُلب من الأسرة العودة إلى غزة بحثاً عن الأمان.
وتضيف: "كانت هناك غارات جوية متواصلة وقنابل حول المبنى الذي تسكنه، ما أدى إلى تحطم نوافذ شقتهم وانكسار الباب الأمامي بسبب ضغط القنابل، وقد تواصلت عدة مرات مع السلطات الأميركية والسفارة الأميركية في القدس، لكنها لم تتلقّ إجابة واضحة عما يُفعَل لمساعدتهم".
تصف بسيسو ما يحصل بالفظيع، تشعر خلال النهار بأن هناك أملاً بالخروج، ولكن مع ساعات الليل واشتداد الغارات، يختفي الأمل بسرعة.
ترويع الأطفال والمسنين
تتنوع القصص الإنسانية التي يعيشها الأميركيون من أصل فلسطيني في قطاع غزة، ولعل الأكثر تأثيراً، معاناة الأطفال الصغار وكبار السن.
تحدث عبد الله عوكل عن معاناة زوجته وأطفاله في قطاع غزة. يعيش عوكل وزوجته في ولاية نيوجيرسي، ذهبا إلى غزة مع أطفالهما خلال الصيف، إذ أرادت عوكل أن تكون بالقرب من عائلتها في أثناء ولادة طفلهما الثالث. قبل اندلاع الحرب سافر زوجها إلى الولايات المتحدة، وبقيت هي وأطفالها في قطاع غزة.
يقول عوكل: "قُصف الحيّ الذي تقيم فيه زوجتي وأطفالي، يعيشون دون مياه، ولا كهرباء". تعاني ابنته البالغة من العمر 3 سنوات من الحمى نتيجة الخوف، فيما يرتجف أبنه البالغ من العمر 8 أسابيع في أثناء القصف.
طالب عوكل من السلطات الأميركية أن تعامله بصفته مواطناً، قائلاً: "نحن مواطنون أميركيون، ندفع الضرائب، إنها بلادنا أيضاً، وكل ما أريده فقط أن تعاملنا الحكومة على قدم المساواة وأن تهتم أكثر".
في المقابل، تشعر إيمان مسيطف (31 عاماً) بالخذلان والإحباط، بسبب الإجراءات الأميركية. ذهب والداها خلال فصل الصيف إلى قطاع غزة، ولم يتمكنا من العودة. تقول: "أشعر بالعجز والضعف، في كل مرة يسألني والدي عن الإجراءات المتخذة لإخراجهم من قطاع غزة".
تضيف: "من المروع دائماً أن أشرح لهم أن المكان الذي عاشوا فيه نصف حياتهم لا يساعدهم حقاً".
وفق مسيطف، حاول والداها العبور إلى مصر، لكنهما لم يتمكنا من المغادرة بعد إغلاق المعبر الحدودي، وهم ينتقلون الآن من شقة إلى أخرى مع صدور أوامر الإخلاء.
لا تنفي رانيا مصطفى، المديرة التنفيذية لمركز الجالية الفلسطينية الأميركية في كليفتون بولاية نيوجيرسي شعور الخوف الذي تعيشه بسبب الإجراءات. قالت إنها كانت مذعورة طوال الأسبوع، حيث كانت تتلقى طلبات من الأشخاص الذين لديهم أقارب في غزة، وتظل على اتصال مع معارفها. وتضيف: "جاءت اللحظات الأكثر رعباً بعد إعلان إسرائيل قطع الماء والكهرباء عن المواطنين والمدنيين في قطاع غزة، ما يعني تهديد معيشة الآلاف من المدنيين".
إجراءات أميركية
على الرغم من أن الإدارة الأميركية سعت لإخراج الأميركيين العالقين في إسرائيل، إلا أنه بالنسبة إلى المواطنين الأميركيين العالقين في غزة، لا يوجد أي ترتيب، على الأقل حتى الآن، واكتفت فقط بأن تطلب منهم ملء نماذج معنية والانتظار، دون تحديد المدة الزمنية لإجلائهم.
تحدث جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، عن الوضع في قطاع غزة، قائلاً: "إن الحصار الإسرائيلي يمنع الحكومة الأميركية في الوقت الحالي من نقل مواطنيها إلى خارج غزة". وأضاف أن البيت الأبيض يجري محادثات مع إسرائيل ومصر بشأن الممر الآمن للمدنيين خارج غزة، بمن فيهم الأميركيون، ولكن لم يجرِ التوصل إلى أي تقدم.
حُدِّد أكثر من 170 ألف شخص في الولايات المتحدة على أنهم من أصول فلسطينية في التعداد السكاني لعام 2020، وهو رقم يعتبره الكثيرون داخل المجتمع الفلسطيني أقل من العدد الكبير، نظراً للتحديات طويلة الأمد في إحصاء عدد الأميركيين من أصل شرق أوسطي وشمال أفريقي.
يشعر الأميركيون الفلسطينيون في الولايات المتحدة بالقلق والإحباط بسبب التصريحات التي صدرت في الأيام الأخيرة عن مسؤولين حكوميين وجامعات وأرباب عمل أعربوا عن تضامنهم وتعاطفهم مع الخسائر في الأرواح الإسرائيلية، لكنهم لم يذكروا الضحايا المدنيين الفلسطينيين.
وتقول الأسر التي تسعى بشدة لتدخل حكومتها ومساعدة أحبائها العالقين، إن قلة الاهتمام كان لها تأثير مدمر، خصوصاً بعدما لقي أكثر من 1500 شخص، بينهم 500 طفل، حتفهم في غزة، بحسب وزارة الصحة في غزة.
فتح معبر رفح مؤقتاً
من جهتها، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، أنه سيتم فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر مؤقتا، اليوم السبت؛ لتمكين خروج المواطنين الأميركيين.
وقال المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه للصحيفة: "سيتم فتح المعبر ما بين الساعة 12:00 وحتى الساعة 17:00 (بتوقيت فلسطين)". وأشار إلى أن "الاتفاق جاء نتيجة للمفاوضات الأميركية مع مصر وإسرائيل وقطر". وفقاً لما نقلت وكالة "الأناضول".
ولفتت الصحيفة إلى "وجود ما بين 500-600 مواطن فلسطيني من أصل أميركي في قطاع غزة".
وقالت: "العديد منهم على اتصال بمسؤولين أميركيين يسعون إلى مغادرة غزة وسط وابل من الغارات الجوية الإسرائيلية".
وأفاد المسؤول الأميركي: "تم إرسال رسالة إلى الأميركيين الفلسطينيين في غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الاندفاع نحو جنوب غزة". وأضاف: "قد يكون من الصعب عليهم الوصول إلى هناك" بسبب الغارات الإسرائيلية.
وحتى الساعة 10:30 ت.غ لم تعلق إسرائيل رسميا على هذا الأمر.
واكتفت هيئة البث الإسرائيلية بالقول: "تعمل الولايات المتحدة مع المسؤولين في مصر وإسرائيل وقطر لفتح معبر رفح من غزة إلى مصر، اليوم بين الساعة 12:00 والساعة 17:00" بتوقيت فلسطين.
وأعلنت الولايات المتحدة، السبت، أنها تبحث مع الأمم المتحدة الظروف الإنسانية الصعبة الحالية في غزة.
وقال البيت الأبيض في بيان وصل نسخة منه للأناضول، السبت، إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بحث، الخميس، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الهجوم الذي نفذته "حماس" و"الوضع الإنساني في غزة".
وأضاف أن "النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي جون فاينر تحدث الجمعة مع منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، كما انضمت إليهما مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانتا باور".
وتابع البيان: "ناقش المتحدثون الظروف الإنسانية الصعبة الحالية في غزة، والمشاركات المستمرة مع النظراء المصريين والإسرائيليين والنظراء الإقليميين الآخرين، لتمكين المدنيين الذين يبحثون عن الحماية في غزة من التحرك بشكل آمن وتسهيل الوصول الإنساني ووصول المساعدات، بما في ذلك المياه والغذاء والرعاية الطبية".