استمع إلى الملخص
- تأخر بدء عمليات رفع الأنقاض بسبب الخلافات على التسعيرة، مع شكاوى من المحسوبيات. في الضاحية الجنوبية، تُنقل الأنقاض إلى مطمر كوستا برافا، مما يثير مخاوف بيئية.
- أثارت النائبة نجاة صليبا مخاوف بشأن انتهاك القوانين البيئية، مطالبة بضمانات بيئية قبل الدعم المالي، بينما شدد وزير الأشغال على ضرورة الالتزام بالضمانات البيئية.
وافق مجلس الوزراء اللبناني أخيراً على دفترَي الشروط وملحقاتهما الخاصة بتلزيم عمليات الهدم وإزالة المباني المهدمة كلياً وجزئياً بسبب العدوان الإسرائيلي، لكن تساؤلات وشكوكاً أُثيرت حول شفافية الآلية التي ترتكز على "التلزيم بالتراضي"، وما تنطوي عليه مما يراه البعض "اتفاقات مشبوهة" مع متعهدين حول الأسعار من دون وضع شروط موحّدة وواضحة.
وتراوح عروض المتعهدين، وفق ما جرى تداوله، بين ست وتسع دولارات عن كل متر مكعب من الأنقاض، وهم سيمنحون صلاحيات بِحريّة التصرف بالمواد المستخرجة، وسط تخبط وضياع كبيرين يزيدان احتمال فتح باب جديد للهدر والفوضى.
ويشتكي العديد من المواطنين من تأخر بدء عمليات رفع الأنقاض في أكثر من منطقة بحجة وجود خلافات على تحديد التسعيرة. يبدي محمود حرز، لـ"العربي الجديد"، استياءه مما تشهده القرارات الخاصة بعمليات رفع الأنقاض من "محسوبيات ووساطات حتى في طريقة الكشف وتقييم الأضرار، وما يرافقها من تمريرات تحت الطاولة وقصص مشبوهة". ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يزال الردم في بلدتي مجدل سلم (جنوب)، على حاله، وفي كل مرة نسأل عن سبب التأخر في رفع الأنقاض يتذرع المسؤولون بأنهم لا يزالون يشيّعون الشهداء ولم يتفرغوا بعد لإزالة الركام، والحال نفسه في بلدات جنوبية عدة، ومشهد الحرب لا يزال ماثلاً".
من جانبها، توضح عضو لجنة البيئة النيابية نجاة صليبا، لـ"العربي الجديد"، أن "رئاسة مجلس الوزراء أصدرت تعميماً يتعلق برفع الأنقاض، وأنه يمكن أن تبدأ الجهات المكلفة بتنفيذ عمليات الإزالة في أي وقت تشاء، لكن الخلاف يدور حول التسعيرة التي لم تصدرها الحكومة مع ترجيح البعض رفعها. يُفترض أن يُتخذ قرار بالتراضي، وتبدأ أعمال رفع الأنقاض التي جرى تلزيمها لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة، ما يعني أنه جرى تقسيمها فعلياً بين الأطراف. حتى أن دفتر الشروط الذي أعلن يعكس صيغة التراضي وليس المناقصة".
تأخر رفع الأنقاض في أكثر من منطقة بحجة الخلاف على التسعيرة
تتابع: "في الضاحية الجنوبية تحديداً، ستنقل الأنقاض إلى مطمر كوستا برافا الذي قررت الحكومة توسيعه، علماً أن القرار السابق الخاص باستخدامه كان لرمي النفايات فقط في موقعه لمدة ستة أشهر. وباعتبار أن القرار الحالي توسّع من رمي النفايات إلى الأنقاض سيزيد ذلك طمر البحر، وهذه مسألة خطيرة، لأن المسار الطبيعي للعمليات هو إجراء مناقصة وليس تلزيمها بالتراضي، كما يجب إفساح المجال أمام جميع المهندسين والمقاولين لمواكبة العمليات، وليس فقط أزلام السلطة".
وتشير صليبا إلى أن "آليات التخلص من الأنقاض في محافظتَي الجنوب والبقاع لا تزال مبهمة، فهي تسمح للمتعهدين بأن يأخذوا على نفقتهم ما أمكن من أنقاض، مثل باطون وطحنه أو رميه بطريقة عشوائية في مقالع وكسارات، وسط غياب أي شروط أو معايير أو طرق معالجة، وأيضاً عدم تحديد الكسارات التي سيجرى اعتمادها لرمي الأنقاض، وهل ستكون خاصة أو تابعة للدولة. وقد سأل المحافظون خلال اجتماع لجنة الأشغال النيابية عن الطريقة التي سيجري اتباعها في تنفيذ عمليات إزالة الأنقاض، باعتبار أن الأقمار الاصطناعية لا يمكن أن تحصي حجم الدمار بشكل دقيق".
وأسفت صليبا لوجود عدد من الشركات المحلية والأجنبية التي تتولّى مسح الأضرار، سواء فرق وزارة البيئة أو شركة "خطيب وعلمي"، أو مجلس الجنوب وجهات أخرى، فيما يجب حصر العملية بمؤسسة رسمية واحدة، مثل المجلس الوطني للبحوث العلمية أو الجيش اللبناني، من أجل الحفاظ على أمن المواطنين بدلاً من توفير المعلومات لجهات مانحة أو أخرى خاصة لا نعرف إلى من ستبيعها، خصوصاً أننا لاحظنا أخيراً كيف تفوقت إسرائيل في هذا المجال.
بدورها، ترى المتخصصة في الإدارة البيئية سمر خليل، أن "الحكومة تتجه على الأرجح إلى إبرام عقود بالتراضي خصوصاً في محافظة الجنوب والضاحية، رغم أنها أعدّت دفاتر شروط لإجراء مناقصات. كما أن التسعيرة غير واضحة وتتيح العقود تصرّف المتعهدين بالمواد المستخرجة من الأنقاض، ووضع التسعيرة على أساسها، والتي ستختلف بحسب المسافات وكل منطقة والموقع الذي ستُنقل إليه والوقت والكميات. وجرى اعتماد آلية لاحتساب كميات الأمتار المكعبة الخاصة بالمباني المهدمة كلياً، أما تلك المهدمة جزئياً فهناك التباس في شأنها".
وتوضح لـ"العربي الجديد": "لا تزال المسألة ضبابية وغامضة، لكن من واضح أن أنقاض الضاحية الجنوبية ستُرمى في مطمر كوستا برافا. وبالنسبة إلى المناطق الأخرى يفترض أن تختار وزارة البيئة المواقع، لكن لا أحد يعلم إذا كان سيجري فرز الأنقاض أم لا. وهذه المسألة تبقى رهن المتعهد ومقدار استخراجه الحديد والباطون. وفي حال بقيت الأنقاض في مواقعها، ولم ترصد الأموال لمعالجتها، سنجد أنفسنا أمام مكبات عشوائية جديدة".
وسبق أن قدمت النائبة نجاة صليبا إلى مجلس الوزراء تقريراً عن الأضرار البيئية وحجم انتهاك القوانين المحلية والدولية التي ستنتج من رمي الأنقاض في البحر، وأشارت إلى أن "هذا الأمر يسير عكس الاتفاقيات التي تنص على ضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية وتنفيذ إعادة التدوير. وسبق أن وقّع الرئيس ميقاتي اتفاقيتين في هذا الشأن".
وتتحدث صليبا عن توجيه رسائل إلى ممثلي الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في لبنان، مرفقة بالتقرير الذي أرسلته إلى مجلس الوزراء والذي لم يلقَ أي جواب، وتوضح أن الرسائل نبهت الدول المانحة إلى ضرورة الحرص على مراعاة الحكومة اللبنانية للقوانين واحترام المعايير البيئية وتقديم خطة واضحة وجديّة لكيفية إعادة التدوير والحفاظ على الموارد البيئية، قبل منحها أي تمويل أو دعم، وتشير إلى أن "هذا الأمر يضع هذه الدول في دائرة مخالفة القوانين الدولية. ولا يجوز إطلاقاً أن تتكرر ممارسات أعوام 1990 و2006 و2020، حين رُميت الأنقاض في البحر".
وكان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية قد أعلن في وقت سابق أنه "يجب أن تُضاف إلى دفترَي الشروط مادة تفرض الالتزام بالضمانات البيئية، وتلحظ تعهد الملتزمين بالتقيد بالقوانين والمعايير والإرشادات الصادرة عن وزارة البيئة، والتي تتعلق بعمليات فرز الأنقاض"، وقال: "جرى دفع مبلغ 900 مليار ليرة (عشرة ملايين دولار)، إلى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، ومثلها إلى مجلس الجنوب، و500 مليار ليرة (خمسة ملايين دولار)، للهيئة العليا للإغاثة من أجل رفع الأنقاض، كل ضمن نطاق اختصاص عمله المحدد بموجب قرار مجلس الوزراء". من جهته، أعلن وزير البيئة ناصر ياسين أن الوزارة أصدرت تعميماً حدّد كيفية إدارة ملف الأنقاض بطريقة صديقة للبيئة من خلال فرزها واستخدام الجزء الذي يمكن الإفادة منه في أعمال أخرى".