يوماً بعد يوم، تتفاقم أزمة السكن في العراق، وتحديداً في المدن التي تشهد تضخماً سكانياً مستمراً من جرّاء كثرة الإقبال عليها من جهة، وزيادة الولادات التي يصفها مراقبون بغير المدروسة من جهة أخرى، وخصوصاً في العاصمة بغداد. هذا الأمر دفع أهلها إلى التوجه إلى المجمعات السكنية العمودية، التي بُنيت خلال السنوات الماضية، ومن بينها مدينة بسماية الجديدة، وهي مجمع سكني متكامل يقع على بعد 10 كيلومترات من جنوب شرق العاصمة بغداد.
لم يكن العراقيون يحبذون فكرة العيش في الشقق التي غالباً ما تكون قليلة التهوية ولا تتوافر فيها مساحات خضراء أو مساحات كافية للعب الأطفال. لكن مع اشتداد أزمة السكن وارتفاع أسعار البيوت داخل الأحياء السكنية في مراكز المدن، بالإضافة إلى التمدد السكاني العشوائي، بات التوجه نحو السكن العمودي خياراً أساسياً، وخصوصاً بالنسبة إلى أهالي بغداد.
ويسكن في بغداد أكثر 9 ملايين شخص، تتوزع غالبيتهم في أحياء ضيقة ومصممة لاستيعاب ربع هذا الرقم، فيما تحتوي العاصمة على نحو أربعة ملايين سيارة، الأمر الذي يجعل بغداد مزدحمة دائماً. ولم تعد المساكن متوافرة بكثرة، خصوصاً في المناطق القريبة من مركز المدينة، أو المجاورة للمؤسسات الحكومية العراقية المهمة، مثل الوزارات ودوائر الجنسية أو الأسواق التجارية.
ومع استمرار الأزمة، يزداد التوجه إلى المدن الحديثة ذات البناء العمودي التي توفر خدمات جيدة، مقارنةً ببقية المناطق، بالإضافة إلى كونها مؤمنة من الداخل والخارج من خلال شركات أمنية وقوات حكومية، فضلاً عن شركات النظافة التي تعمل فيها، مثل مجمع بسكولاته ومجمع الزوراء السكني ومشروع بوابة العراق. وعلى الرغم من أن بعض هذه المشاريع بعيد نسبياً عن المناطق الحيوية في العاصمة، مثل مدينة بسماية، إلا أن نسبة الإقبال عليها زادت.
في هذا السياق، تقول ابتسام داوود، وهي موظفة في دائرة حكومية في منطقة الكرادة، وتسكن بالإيجار في منزل في حي بغداد الجديد، إن "أصحاب الأملاك يواصلون رفع بدلات إيجار المنازل على المواطنين. ومع بداية كل عام، ترتفع بدلات الإيجار نحو 50 ألف دينار (38 دولاراً أميركياً)، مستغلين أزمة السكن التي تعاني منها العاصمة، وزيادة الزخم السكاني والوافدين من محافظات البلاد إلى العاصمة للعيش فيها". وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "ظاهرة البناء العمودي ليست جيدة للعيش بالنسبة إلينا، لأننا اعتدنا وجود حديقة في منزلنا، ونظام الشقق يحرمنا هذه الإيجابية في المنازل". تضيف أن "الشقق في مدينة بسماية وبوابة العراق وفي غيرهما من المجمعات الحديثة، تعد فرص جيدة للحصول على سكن بسعرٍ مناسب، وبالتقسيط المريح من خلال إبرام عقود مع الدولة، والحصول على قروض من المصارف الحكومية، لكن العراقيين لم يعتادوا بعد هذا النوع من السكن، لكنهم مجبرون عليه في الوقت الحالي".
أما علاء محمود، وهو صحافي عراقي يسكن في مدينة بسماية منذ عامين، فيوضح أن "السكن في العمارات الحديثة في بغداد له مميزات، منها الخدمات المتوافرة، إذ إن التيار الكهربائي لا ينقطع أبداً، على عكس ما يحدث داخل العاصمة بغداد من قطع مبرمج، والحال نفسه ينسحب على المياه والغاز. وهناك مساحات كبيرة مخصصة للعب الأطفال، وأماكن لركن السيارات. لكن السلبيات التي يعاني منها من اعتاد السكن في منازل كبيرة، هي الأصوات التي قد تكون مزعجة في بعض الأحيان، والصادرة عن الجيران، بالإضافة إلى كونها محدودة المساحة. ولا بد من مراعاة عدم تغيير أي شيء في التصميم إلا بعد مراجعة مكاتب الجهات المسؤولة عن المدينة".
يتابع في حديث لـ "العربي الجديد" أن "المجمعات السكنية، وتحديداً البناء العمودي، هو ما سيُعمّم في المناطق العراقية خلال السنوات المقبلة، لأن العراق يواجه تضخماً سكانياً مستمراً، وما من إجراءات حكومية لتوزيع الأراضي أو غير ذلك من الحلول المهمة. وبالتالي، إن السكن العمودي هو ما سيمتص أزمة السكن الحاصلة في البلاد". ويشير إلى أن "العراقيين سيعتادون في النهاية السكن العمودي، كما هو الحال مع الأردن ومصر وتركيا، وقد يرغبون في الاستمرار فيه، ما دامت الخدمات التي يحتاجها العراقيون متوافرة".
من جهته، يقول المسؤول المحلي السابق في بغداد، سعد المطلبي، لـ "العربي الجديد"، إن "بغداد تشهد زيادة غير اعتيادية لناحية الوفود من المحافظات الأخرى، والارتفاع في نسبة الولادات في العاصمة"، موضحاً أن "السكن العمودي هو السمة الجديدة التي ستطرأ على بغداد خلال السنوات المقبلة، نظراً للخدمات المقدمة من قبل المجمعات، بالإضافة إلى النظام الأمني الجيد الذي تفرضه إدارة المجمعات، إذ لا يدخل إليها إلا من كان ساكناً فيها، وتفعيل نظام الكفيل للضيوف، وهو ما يدفع أهالي بغداد إلى الاطمئنان، خشية حدوث أي عارض أمني أو إرهابي".
في السياق، يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي لـ "العربي الجديد"، إن "التفكير العراقي تغير، وبات التوجه حالياً نحو السكن العمودي الذي يساهم كثيراً في استثمار الأراضي وتوفير الخدمات بحسب رقع جغرافية محددة وليست شاسعة". ويوضح أن "الخطة الخمسية للوزارة استهدفت 50 في المائة من جهودها ومواردها لدعم الاستثمار الخاص لبناء المجمعات السكنية، و50 في المائة لدعم الجهود الحكومية لبناء الوحدات السكنية، من أجل تقليل أزمة السكن الحاصلة في البلاد". ويلفت إلى أن "تجربة مدينة بسماية تحظى بنجاح كبير، وتعمل الوزارة حالياً على استنساخ التجربة في محافظات أخرى، ولكن ليس بطريقة المقاولة، بل من خلال تشجيع المستثمرين على بناء مثل هذه المدينة".