يمضي أهالي مدينة تاورغاء في تنظيم وقفات أمام المقار الحكومية المدمّرة، احتجاجاً على غياب الخدمات في مدينتهم الواقعة شمالي ليبيا، على الرغم من مرور أربع سنوات على بدء عودتهم التدريجية إليها، مطالبين بضرورة إعادة تأهيل تلك المقار وفتحها.
وآخر تلك الوقفات كانت مؤخراً، أمام أحد المصارف المتوقفة عن العمل منذ عام 2011. فعقب تهجير كامل أهالي المدينة في عام 2011، على خلفية موقفهم الموالي للنظام الليبي السابق، أنشأت الحكومة لأهالي المدينة النازحين إلى طرابلس مقراً مؤقتاً بديلاً من مصرفهم في مدينتهم، لكن على الرغم من عودة معظمهم إلى تاورغاء، فإنّ الفرع المؤقت هو الذي ما زال يقدّم لهم الخدمات المصرفية، فيضطرون بالتالي إلى التوجّه إلى طرابلس في نهاية كلّ شهر لتسلّم رواتبهم الشهرية.
وفي خلال لقاء عقدته وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة الوحدة الوطنية وفاء الكيلاني مع وفد من أعيان تاورغاء، في إبريل/ نيسان الماضي، بحسب ما يخبر الناشط المدني أنس جبر "العربي الجديد"، تعهّدت بإيجاد حلّ للعراقيل التي يعانيها السكان العائدون إلى مدينتهم، وقد أعلنت تشكيل لجنة تابعة لوزارتها تهدف إلى حصر النازحين الذين ما زالوا يعيشون في مخيّمات النزوح بمدن مختلفة ولم يتمكنوا بعد من العودة، لأنّ منازلهم مدمّرة، إلا أنّ أيّ شيء من هذا القبيل لم ينفّذ حتى الآن.
وفي يونيو/ حزيران المنصرم، قدّر المجلس البلدي لمدينة تاورغاء عدد النازحين الذين ما زالوا يعيشون في مخيّمات النزوح بعشرة آلاف يتوزّعون على ثمانية مخيّمات في المناطق الواقعة شرقي البلاد وحدها، بحسب ما جاء في بيان نُشر على صفحة أخبار الوزارات والهيئات الحكومية في حكومة المكلفة من مجلس النواب. وقد أوضح أعضاء المجلس البلدي في أثناء لقائهم نائب رئيس الحكومة علي القطراني، أنّ عدداً من النازحين يفوقون هذا العدد يعيشون في خارج مخيّمات النزوح، واشتكوا من إهمال الحكومات المتعاقبة وعدم تنفيذها وعودها المتكررة بشأن تسوية أوضاعهم وإعادة إعمار مدينتهم.
ومنذ بداية العودة التدريجية لسكان تاورغاء، في منتصف عام 2018، لم تتمكّن السلطات المحلية من إعادة الحياة إلى المدينة بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية والعدد الأكبر من منازل السكان.
ويصف جبر الأوضاع في تاورغاء بـ"المأساوية"، موضحاً أنّ "أبسط احتياجات الحياة لا تتوافر في المدينة، وحتى المدارس لا تلبّي أيّاً من المتطلبات لأداء الوظيفة التعليمية، في حين أنّ المحال التجارية صغيرة جداً ولا تتوافر فيها إلا الحاجات الأساسية فقط".
أيمن رقيطة من أبناء تاورغاء، زار مدينته عند بدء عودة النازحين التدريجية إليها، إلا أنّه ما زال يقيم في أجدابيا، شرقيّ البلاد. يخبر "العربي الجديد": "رمّمنا منزلنا وصار في إمكاننا السكن فيه، لكنّ العيش في المدينة يكاد يكون مستحيلاً، إذ لا مدارس ولا مراكز صحية تتوافر فيها الرعاية المطلوبة، ولا فروع لمؤسسات الدولة"، مؤكداً أنّ هذه الأسباب وغيرها دعته إلى البقاء في أجدابيا.
ويلفت رقيطة إلى أنّه "مع كلّ وعد حكومي أو إعلان رسمي ينبعث الأمل مجدداً، على الرغم من القناعة الراسخة بأنّ الحكومات لن تقدّم لنا شيئاً". ويحاول رقيطة ألا يقدّم صورة قاتمة عن مدينته، فيقول إنّه "على الرغم من عدم توافر سبل العيش ومرافق الخدمات وضيق الحياة، فإنّ أهلنا الذين عادوا إلى المدينة ما زالوا فيها ولم يغادروها من جديد، وهذه رسالة كافية للرأي العام تفيد بأنّنا مصرّون على العودة، ولو طال الزمن".
وفي نهاية مارس/ آذار الماضي، أعلنت وزارة الإسكان في حكومة الوحدة الوطنية بحثها مع المجلس البلدي في مدينة تاورغاء آليات عودة بقية نازحي المدينة، وإنشاء وحدات سكنية لهم، وحلّ مشكلة سكن المتزوّجين الجدد. ويعلّق رقيطة، قائلاً إنّ "الإعلان ذهب أدراج الرياح مثلما ذهب غيره، لكنّ لسان حال العائدين إلى تاورغاء أن لا عودة إلى النزوح مهما كانت الظروف".
ومن القضايا التي ترتّبت عن حالة النزوح، وأخذت تتحوّل الى عائق جديد للتسوية الخاصة بحسم ملف تاورغاء، عدم تمكّن أقرباء الأسر العائدة من العودة كذلك. ويشرح جبر أنّ "ثمّة أسراً جديدة تكوّنت في خلال السنوات العشر الماضية في مناطق النزوح، وهي لا تملك في الأصل منازل في تاورغاء"، مشيراً إلى أنّ "المشكلة تزيد، إذ لا يتوافر إحصاء دقيق لمعرفة عدد الأسر الجديدة". يضيف جبر أنّ "في الأشهر الماضية، أطلقت حكومة الوحدة الوطنية صندوقاً لدعم الزواج ووزّعت صكوكاً على شباب من تاورغاء، لكنّ أياً منهم لم يتزوّج في المدينة، واضطر إلى الانتقال مجدداً إلى مدن ومناطق مجاورة ليتمكّن من استئجار منزل زوجي"، مشدّداً على "وجوب أن تنظر الحكومة في توفير المساكن للمتزوّجين الجدد بدلاً من صرف الصكوك فقط".