قبل نحو خمسة أعوام، أُدرجت الأهوار العراقية الواقعة في جنوب البلاد على لائحة التراث العالمي، عندما صوتّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بالإجماع على ذلك في 17 يوليو/ تموز من عام 2016، كمحمية طبيعية دولية تُضاف إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة. لكنّها حتى اليوم، ما زالت خالية من أيّ تطور على الصعيد الخدمي والعمراني، كذلك فإنّ ما يصدر عن الحكومات العراقية وتصريحات أعضاء مجلس النواب بشأن الاهتمام بالأهوار، لا يبدو واضحاً على أرض الواقع.
والأهوار هي كناية عن مسطحات مائية واسعة تمتد على ثلاث محافظات، هي ميسان وذي قار والبصرة، وتتخطى مساحتها 40 ألف كيلومتر مربّع، وهي غنية بالموارد الطبيعية وتُعَدّ ظاهرة مائية يتفرّد فيها العراق. وتستمدّ الأهوار مياهها من نهرَي دجلة والفرات ومن المياه الجوفية ومياه الأمطار، مع العلم أنّ عشرات آلاف العراقيين يقيمون حولها، في مناطق أبرزها الدماج وحمّار والجبايش وغيرها.
وكانت منظمة يونسكو قد اشترطت على المعنيين ترميم مناطق الأهوار وإزالة التجاوزات، وشدّدت على ضرورة تسهيل عودة سكانها الأصليين، بالإضافة إلى تطوير الجانب السياحي. لكنّ أيّاً من هذه الشروط لم يتحقق في خلال الفترة الماضية، بل زاد عدد التجاوزات المائية وتنامت الصراعات العشائرية على حصص المياه في ظل غياب للدور الحكومي، وهو ما عرّض تلك المناطق في أكثر من مرّة لخطر الإزالة من على لائحة التراث العالمي.
وفي تقرير صادر أخيراً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بمناسبة الذكرى الخمسين لاتفاقية "رامسار" للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة، كان هناك تأكيد على أهمية التزام العراق بالاتفاقية من خلال إنشاء شبكة من المناطق المحمية. وأشار البيان إلى أنّ "الأهوار، ومن خلال الدعم المناسب، يمكن أن تصبح مصدراً لتطوير قطاع ثالث يعتمد على إدارة الموقع والسياحة والضيافة، والتي ستساهم على المدى الطويل في حماية واستدامة النظم البيئية والمناظر الطبيعية". وفي أعقاب ذلك، أعلنت الخارجية الأميركية أنّها "قدمت أربعة ملايين دولار أميركي لدعم الجهود الدولية والمحلية لاستعادة الأهوار العراقية، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ما يوفّر نظاماً بيولوجياً فريداً لجاموس الماء ومئات الأنواع من الأسماك والطيور".
يقول الناشط البيئي من مدينة الناصرية حيدر المشهداني لـ"العربي الجديد" إنّ "الأموال التي تعلن عنها المنظمات الدولية ووزارات الخارجية من عموم دول العالم من أجل دعم ملف الأهوار العراقية، لم تظهر آثارها على أرض الواقع. فالأهوار ما زالت على حالها، بل إنّها تعرّضت في خلال الفترات الماضية إلى جفاف في بعض المناطق، بالإضافة إلى استمرار هجرة سكان المسطحات المائية إلى مناطق أخرى بسبب تراجع مناسيب المياه، ناهيك عن الصراعات بين العشائر في الجنوب على المياه". ويشدد المشهداني على أنّ "الأهوار لم تشهد أيّ تقدم، ولا أيّ اهتمام من قبل المسؤولين، لأسباب تتعلق بنقص السيولة المالية، بحسب التصريحات الحكومية، مع العلم أنّ أموال إعادة تأهيل الأهوار تأتي بغالبيتها من جهات خارجية".
في سياق متصل، يشير عضو مجلس النواب العراقي علي البديري لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "لو وُجدت الأهوار العراقية في بلدٍ آخر، لكانت معلماً سياحياً يزوره كلّ سكان العالم، لما فيها من نقاوة طبيعية في الأرض والمياه والأسماك وحتى الناس المسالمين. لكنّ الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2016، ظلّت منشغلة بالحرب على الإرهاب". ويوضح البديري أنّ "أحداً لا يعرف أين هي الأموال التي خُصصت لإدامة الأهوار، وهذا الأمر من مسؤوليات الحكومة. وثمّة منظمات كان من المفترض أن تتابع سير العمل وتطوراته في مناطق جنوب البلاد، لكنّ هذا أمر لم يحصل، كما أنّ وسائل الإعلام لم تتابع هذا الملف إلى أن انتهى الحديث عنه. كذلك، فإنّ سكان الأهوار تعرّضوا إلى خسارات كبيرة، بسبب تراجع مناسيب المياه".
من جهته، يوضح وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي السابق عبد الأمير الحمداني لـ"العربي الجديد" أنّ "ملف الأهوار يقع حالياً من ضمن صلاحية وزارة الصحة والبيئة، لأنّ الأهوار ليست مياهاً فقط بل تحتوي على نباتات وطيور. كذلك فإنّ الأمم المتحدة ومنظمة يونسكو ومركز التراث العالمي ومركز صون البيئة، يعدّون الأهوار ملفاً ثقافياً طبيعياً. ولعلّ أكثر الأسباب التي تؤخّر تطوّر الأهوار كمرفق سياحي، هو مشكلة عدم الاستقرار المائي التي تحتاج إلى اتفاق ما بين العراق وتركيا". يضيف الحمداني أنّ "الحكومة العراقية كانت قد خصصت مبلغ 15 مليار دينار عراقي (نحو 10 ملايين و300 ألف دولار أميركي) من أجل بناء متحف هناك، إلى جانب استكمال العمل في القرية السياحية، لكنّ الظروف الأمنية وانتشار وباء كورونا حالا دون الاستمرار بذلك". ويتابع الحمداني أنّ "الوضع الحالي في الأهوار يتطلب ضمان استقرار المياه بالإضافة إلى إنشاء بنى تحتية والترويج للسياحة. كذلك ثمّة حاجة إلى زيادة الوعي البيئي ووقف الصيد الجائر وتفعيل دور الشرطة البيئية. ويتوجب على الحكومات المحلية في ذي قار والبصرة وميسان التأسيس لشوارع جديدة ومناسبة وإنشاء البنى التحتية الأساسية للسياحة من أجل دفع المواطنين إلى الاستثمار في مناطق الأهوار".
تجدر الإشارة إلى أنّ أهوار العراق عُرفت سابقاً بجمال طبيعتها وغزارة مياهها وتنوّعها البيئي، لكن هذه المسطحات المائية العملاقة أخذت بالانحسار وبدأت هجرة السكان الجماعية منها إلى المدن في ستينيات القرن الماضي، لكنّ وتيرتها ارتفعت إبان الحرب العراقية مع إيران (1980-1988) لوقوعها على حدود جبهات المعارك بين البلدَين. وتشكّل الأهوار العراقية حواجز جغرافية على تخوم مدن جنوبية كالناصرية والعمارة والبصرة، ووفقاً لبعض التقديرات فإنّ مساحة المناطق التي ما زالت مغمورة بالماء تقلّ عن 30 في المائة من المساحة الأساسية على أحسن تقدير. في سياق منفصل، وفي خلال السنوات الأخيرة، استُخدمت منطقة الأهوار المترامية الأطراف والنائية والواقعة على الحدود مع إيران في تهريب المخدرات والأسلحة وتسلم البضائع المسروقة واحتجاز رهائن لطلب الفدى.