لليوم السبعين تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومعها الأزمة الإنسانية الكبرى التي يتخبّط فيها الفلسطينيون وسط الحصار المطبق عليهم واستهدافهم عسكرياً من دون هوادة. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ حياتهم ليست مساوية لحياة سواهم من البشر، وهم يشعرون بأنّ لا حقوق الإنسان تشملهم ولا القانون الدولي الإنساني، بحسب ما يقول المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني.
وبينما تصرّ القيادات السياسية حول العالم إمّا على غضّ الطرف عمّا يجري في هذه البقعة المشتعلة وإمّا على المساواة ما بين الجلاد والضحية وإمّا على تحميل أهل الأرض مسؤولية الإبادة الجماعية التي يرتكبها المحتل في حقّهم، ما زالت أصوات تعلو محاوِلةً تظهير فداحة ما يجري، لعلّ المذبحة تتوقّف.
وفي هذا السياق، يعمد لازاريني إلى تسليط الضوء على "الشعور السائد بالعزلة في قطاع غزة"، مشدّداً على أنّ أهله "يتوقون فقط إلى الأمان والاستقرار" ويتمنّون "حياة طبيعية" تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن.
وبعد زيارته الأخيرة لقطاع غزة المنكوب، قال المفوّض العام لوكالة أونروا إنّ "ما يصدمني باستمرار هو الافتقار إلى الإنسانية". وإذ استنكر تمكّن بعض الناس من "الضحك والتهليل والسخرية بشأن ما نراه يحدث في هذه الحرب"، أوضح أنّ "ما يحدث في غزة يجب أن يثير غضب الجميع، ويجعلنا نعيد التفكير في قيمنا". أضاف: "إنّها لحظة حاسمة بالنسبة إلينا جميعاً وبالنسبة إلى إنسانيتنا المشتركة".
ولفت لازاريني إلى أنّ رجلاً في غزة سأله كيف يستطيع البقاء مع أطفاله الخمسة على قيد الحياة وهم يتقاسمون علبة فول واحدة على مدى ثلاثة أيام، لكنّه عجز عن إيجاد ردّ.
من جهتها، قالت مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة أونروا جولييت توما، في حديث إعلامي، إنّ من غير الممكن إيصال المساعدات في وقت تمطر فيه السماء غارات جوية. وأسفت توما إذ إنّه "من غير الممكن علينا الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجوننا أكثر، ولا نستطيع إتمام واجباتنا".
أونروا: يشعر أهل غزة بأنّ المجتمع الدولي تخلّى عنهم
وعبّر لازاريني عن "فزع إزاء حملة التشهير التي تستهدف الفلسطينيين وأولئك الذين يقدّمون المساعدات لهم"، ودعا وسائل الإعلام إلى "مساعدتنا في التصدّي للمعلومات الخاطئة وغير الدقيقة"، مشدّداً على أهمية التثبّت من الحقائق.
ويبدو لازاريني حريصاً على التأكيد، في كلّ مناسبة سانحة، أنّ الجوع يهدّد أهل غزة. وفي مؤتمره الصحافي الأخير، بعد عودته من جنوب قطاع غزة، قال إنّ الجوع أمر "لم يختبره سكان غزة قطّ" في خلال تاريخهم المضطرب. وشرح أنّ "أهل غزة لم يعرفوا الجوع من قبل، لكنّنا نلتقي مزيداً من الأشخاص الذين لم يأكلوا منذ يوم أو يومَين أو ثلاثة أيام". أضاف أنّ "عدداً منهم يُضطرّ إلى إيقاف شاحنات المساعدات وأخذ الطعام (قبل إيصاله إلى الملاجئ) وتناوله في الحال". وفي محاولة لقطع الطريق على أيّ انتقاد قد يوجَّه لهؤلاء في هذا السياق، شدّد على أنّ "لا علاقة لذلك (إيقاف الشاحنات) بتحويل المساعدات عن مسارها"، موضحاً أنّه "متعلّق باليأس التام".
وفي وقت تحاول جهات كثيرة التملّص من مسؤولياتها، وربط إغاثة الفلسطينيين في قطاع غزة بنبذهم حركة حماس التي تعدّها مسؤولة عن الإبداية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، رأى لازاريني أنّ رفع مستوى الإغاثة في القطاع بصورة كبيرة هو وحده الذي من شأنه أن يساعد على تجنّب تفاقم الوضع الإنساني المتردّي بالفعل هناك. وينقل لازاريني عن أهل غزة شعورهم بأنّ المجتمع الدولي خانهم وتخلّى عنهم.
أونروا: رفح تحوّلت إلى مركز النزوح
في خلاله زيارته الأخيرة إلى قطاع غزة، لازم المفوّض العام لوكالة أونروا المناطق الواقعة جنوبي القطاع. وبحسب ملاحظته، فقد تحوّلت محافظة رفح القريبة من الحدود المصرية إلى "مركز النزوح" الذي يلجأ إليه فلسطينيون كثيرون يهربون من آلة الحرب الإسرائيلية. وشرح لازاريني أنّ أكثر من مليون شخص يبحثون عن مأوى هناك، مشيراً إلى أنّ عدد سكان رفح "زاد بمقدار أربع مرّات بين ليلة وضحاها"، خصوصاً مع بدء العملية العسكرية في الجنوب.
وحذّر لازاريني من عدم توفّر البنية الأساسية الملائمة في رفح، الأمر الذي يجعل هذه المحافظة غير مناسبة لاستيعاب هذا العدد الكبير من الناس. يأتي ذلك في حين تعاني فيه منشآت وكالة أونروا من اكتظاظ شديد، ما يعني أنّ عشرات آلاف الأشخاص لا يملكون "مكاناً يقصدونه على الإطلاق".
وبحسب البيانات الأخيرة لوكالة أونروا، الصادرة اليوم الجمعة، فإنّ الاكتظاظ الكبير في منشآت وكالة أونروا في رفح يجبر كلّ 486 نازحاً على تشارك مرحاض واحد. وهذا الرقم يُعَدّ هائلاً، ولا سيّما أنّ الأمر يهدّد بمشكلات صحية حقيقية.
"Schools, medical & @UN facilities are not & should never, ever be a target. Unfortunately, in #Gaza, they have quite often become just that."@UNLazzarini You’ve heard me many times say: no place has been spared, not even places that normally should be protected by laws of war. pic.twitter.com/hfyk1ygQEX
— UNRWA (@UNRWA) December 15, 2023
أونروا: منشآتنا ليست هدفاً عسكرياً
وبيّن لازاريني أنّ عشرات آلاف النازحين اضطروا إلى الإقامة في الخلاء وحول منشآت وكالة أونروا، وتابع أنّ "أولئك الذين يجدون مكاناً لهم في داخل منشآتنا يُعَدّون محظوظين"، خصوصاً مع حلول فصل الشتاء. أمّا النازحون في خارج منشآت الوكالة الأممية، فإنّهم يعيشون في العراء "في الوحل وتحت المطر".
وتوضح بيانات وكالة أونروا أنّ مليوناً و370 ألف فلسطيني نازح في قطاع غزة، أي أكثر من نصف السكان البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، وجدوا لأنفسهم ملجأ في 155 من المنشآت التابعة لوكالة أونروا. يُذكر أنّ هذه المرافق التابعة للأمم المتحدة تُسمّى ملاجئ، غير أنّها ليست آمنة كما يظنّ الناس، ولا سيّما مع تكرار استهدافها من قبل آلة الحرب الإسرائيلية ووقوع مجازر في داخلها.
وفي مؤتمر صحافي عقده اليوم الجمعة، قال لازاريني إنّ "منشآت وكالة أونروا والمدارس والمنشآت الطبية ليست هدفاً ولا يجب أن تكون أبداً هدفاً" للعمليات العدائية، "لكنّها صارت كذلك في قطاع غزة في معظم الأحيان، للأسف". أضاف "سمعتموني أقول في مرّات عدّة إنّ أيّ مكان لم ينجُ من الاستهداف، ولا حتى الأمكنة التي ينبغي في العادة أن تكون محميّة بواسطة قوانين الحرب".
من جهة أخرى، تفيد البيانات نفسها بأنّ 18.608 فلسطينيين قُتلوا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويمثّل الأطفال والنساء نحو 70 في المائة منهم. كذلك فإنّ قوات الأمن الإسرائيلية قتلت 271 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة، من بينهم 69 طفلاً. وهذا ما دفع الوكالة الأممية إلى التصريح بأنّ 2023 هو "العام الأكثر دموية" في الضفة الغربية.