تعد كندا، الواقعة في أقصى شمال القارة الأميركية، واحدة من أكثر الدول التي تشهد أراضيها العديد من الأعاصير، وتحديداً الأعاصير القوية، التي لها تأثيرات تدميرية على الطبيعة والحياة العامة، ولكن غالباً ما يجرى تجاهل هذه الأعاصير لأسباب عديدة، أبرزها، أن خبراء الأرصاد الجوية لا يملكون القدرات والبيانات لرصدها وتحليلها، وهو ما له انعكاسات مستقبلية على نوعية الحياة في البلاد.
وغالباً ما تضرب جنوب غرب أونتاريو وأجزاء من البراري الجنوبية العشرات من الأعاصير التي تحدث في فترات مختلفة خلال العام، وفي المتوسط، تشهد البلاد حوالي 60 إعصاراً سنوياً، على الرغم من تقدير الخبراء لما يقرب من 200 إعصار كل عام، ويحدث معظمها في جنوب أونتاريو، ومروج كندا الجنوبية، وجنوب كيبيك، إلا أن هذه الحقائق لا تزال مجهولة بالنسبة للمجتمع العلمي.
أعاصير مختبئة
صحيح أن أخبار الكوارث الطبيعية تتصدر عادة تقارير الصحف العالمية ووسائل الإعلام، لكن الأعاصير الكندية تكاد تكون مختفية تماماً، وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة حول حقيقتها، بحسب ما تناولته صحيفة نيويورك تايمز، التي خلصت إلى أن الأعاصير التي تضرب الأراضي الكندية لا تزال بعيدة تماماً عن التدقيق والمراقبة، والسبب في ذلك، وفق خبراء الطبيعة، هو أن كندا من الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة، على الرغم من كبر مساحتها، إذ إنها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا، لكن معظم سكانها يعيشون بالقرب من حدود الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، ينتهي المطاف بالعديد من الأعاصير الكندية بالهبوط في مناطق لا يوجد فيها شهود أو سكان لرصد تأثيرات هذه الأعاصير على الحياة العامة، وهو ما يؤدي إلى وجود نقص في البيانات.
تكمن أهمية مراقبة الأعاصير في المناطق الكندية، إلى ضرورة معرفة تأثيراتها على الطبيعة
نقص البيانات هذا يعد مشكلة رئيسية قد تنعكس سلباً على السكان في المستقبل، إذ عادة ما يستغل خبراء الأرصاد الجوية دراسة نوعية الأعاصير وقوتها ومداها، للمساعدة في كيفية حماية السكان، وفي تجهيز البنى التحتية المناسبة، ولذا سعت مجموعة من علماء الأرصاد الجوية وعلماء الطقس في مشروع نورثرن تورنادو، في جامعة ويسترن في لندن - أونتاريو، إلى معالجة هذا النقص باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير شهود العيان وصور الأقمار الصناعية ولقطات الطائرات من دون طيار والأشجار المتساقطة، لتعقب الأعاصير الكندية، وتبين أنه في عام 2021، تم تسجيل رقم قياسي لأكبر عدد من الأعاصير المؤكدة بعدما وصل عدد الأعاصير إلى 117. في عام 2022، جرى تقييد هذا الرقم القياسي، والتحقق من 80 إعصاراً.
تكمن أهمية مراقبة الأعاصير في المناطق الكندية في ضرورة معرفة تأثيراتها على الطبيعة. صحيح أن الأعاصير الكندية تضرب مناطق غير مأهولة بالسكان، لكن تأثيراتها تطاول البيئة، سواء من خلال تغيير طبيعة الغابات، أو حصول حرائق، أو ما شابه، وهوما له انعكاس على البيئة والمناخ في كندا.
يعلق أخصائي الأرصاد الجوية الدكتور ميلر سيلز على أهمية مراقبة الأعاصير الكندية قائلاً: "من المهم فهم تفاصيل كل عاصفة، ومدى قوتها، والضرر الذي نتج عنها". تشير الأشجار المتساقطة بعضها على بعض إلى حدوث إعصار، بينما تشير الأشجار التي تسقط في نفس الاتجاه إلى حدوث انفجار رعدي، كما أن طرق التدمير للأعاصير تختلف أصلاً عن أي عاصفة رعدية، وهو أمر جدير بالملاحظة.
ووفق سيلز، فإنه حتى في المناطق غير المأهولة بالسكان، يمكن للأعاصير أن تدمر الخطوط الكهربائية وتبدأ حرائق الغابات، لذا فإن تأثيرها ملموس. لكن الهدف الأساسي وقائي لحماية المجتمعات السكانية من تأثيرات الأعاصير.
كيف تتشكل الأعاصير؟
بحسب تعريف المؤسسة الجامعية لأبحاث الغلاف الجوي الأميركية، تتشكل الأعاصير من عاصفة رعدية كبيرة داخل السحب الرعدية، إذ يرتفع الهواء الدافئ الرطب، في حين يسقط الهواء البارد جنبًا إلى جنب مع المطر أو البرد. يمكن أن تسبب هذه الظروف تيارات هواء تدور داخل السحابة. على الرغم من أن التيارات الدوارة تبدأ أفقياً، إلا أنها يمكن أن تتحول رأسيا لتصبح إعصاراً. وفي أحياناً كثيرة، يُخلط بين الأعاصير والانفجارات الهابطة، وهي أعمدة من الرياح تدفع على الأرض وتنتشر شعاعياً، يمكن أن تسبق الانفجارات الغزيرة الأعاصير، وتتشكل في ظل ظروف مناخية صعبة، ولكنها عادة ما تسبب أضرارًا أقل بكثير.
وتعمل الأعاصير في الأماكن التي يوجد فيها إمداد ثابت لكل من الهواء البارد (غالبا من الجبال) والهواء الساخن (غالبًا من المناطق الاستوائية)، وفي كندا تظهر غالبية الأعاصير في ألبرتا وساسكاتشوان ومانيتوبا - ما يسمى مقاطعات البراري - وأونتاريو، حيث توجد مساحات شاسعة من المناطق الاستوائية وجبال مرتفعة.