إحراق البيوت... الاحتلال الإسرائيلي ينسف شمال غزة

23 أكتوبر 2024
تهديم منازل في بيت لاهيا (رمزي الكحلوت/ الأناضول)
+ الخط -

يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي جعل منطقة شمال غزة غير قابلة للعيش تماماً، وها هو يعمد إلى إحراق كل متعلّقات المهجرين وبيوتهم ومراكز الإيواء، سعياً إلى محوها تماماً وجعلها غير قابلة للعيش.

تزامناً مع التدمير الممنهج للمنازل وتفجير المربعات السكنية في المناطق الشمالية من قطاع غزة، يحرق جنود الاحتلال ما تبقى من منازل وأثاث وملابس ومراكز الإيواء التي تمت السيطرة عليها في شرقي بيت لاهيا في محيط المستشفى الإندونيسي، في مشهد يعيد للأذهان الأسلوب الذي اتبعه الاحتلال في مناطق عدة مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023. 
وأظهرت صور نشرها جنود الاحتلال الإسرائيلي عبر صفحاتهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وشهادات جمعتها "العربي الجديد"، حرق الجنود عدداً من المنازل والمدراس التي تحولت إلى مراكز إيواء خلال الأيام الماضية في مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، تزامناً مع العملية البرية العسكرية الواسعة التي دخلت أسبوعها الثالث. 
وأدت الحرائق إلى دمار واسع وتصاعدت ألسنة اللهب واستمرت ساعات طويلة من دون أن تتمكن طواقم الدفاع المدني من الوصول إلى المكان بفعل وجود قوات الاحتلال وإطلاق النار المباشر باتجاه من يتحركون في المناطق الشمالية للقطاع سواء من قبل الطائرات المسيرة من دون طيار أو المدفعية. 
وللأسبوع الثالث على التوالي، يعيش الأهالي ما يصفونه بأهوال "يوم القيامة" نتيجة للظروف غير الإنسانية التي يعيشونها في ظل حصار خانق ومشدد يفرضه الاحتلال على نحو 200 ألف شخص موجودين في شمالي القطاع، إلى جانب القصف ونسف المنازل ومراكز الإيواء، إضافة لمنع إدخال الغذاء وانقطاع المياه. 
وواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر، ما تسبب في استشهاد أكثر من 600 فلسطيني، وإصابة المئات بجروح، منها خطرة وتحتاج إلى رعاية طبية، في وقت يدفع فيه الاحتلال نحو انهيار المنظومة الصحية في مناطق الشمال عبر منع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية والأدوية ويستهدفها بين فترة وأخرى. 
ويتخذ الاحتلال الإسرائيلي من أسلوب الحرق وسيلة اتبعها في مناطق عدة في خانيونس ورفح وغزة وشمالي القطاع خلال فترة العمليات البرية. ويهدف من خلالها إلى منع عودة السكان إلى هذه المناطق وجعلها مناطق غير صالحة للعيش، غير أن استخدام هذا الأسلوب في بيت لاهيا وجباليا يتزامن مع الحديث عن مخطط التهجير وتطبيق خطة الجنرالات. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتشتعل منازل الفلسطينيين طويلاً، ولا تعرف نوعية المواد التي يستخدمها جيش الاحتلال في حرق المنازل، والتي تتسبب في دخان أسود وتآكل الجدران والأسقف وبقاء النار مشتعلة لأيام وليس لساعات كما هو متوقع ومعتاد. وبحسب بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن نحو 20 ألف شخص أجبروا على النزوح من مخيم جباليا قبل يومين بحثاً عن الأمان، بما في ذلك في ملاجئ الوكالة، تزامناً مع انقطاعات واسعة النطاق في الاتصالات والإنترنت في مدينة غزة والشمال، إلى جانب عدم السماح بمرور شاحنات الغذاء في مناطق الشمال وإدخالها بكميات شحيحة إلى مدينة غزة. 
ورغم الدعوات الإسرائيلية لأهالي الشمال للنزوح نحو مناطق الشمال، إلا أن معظمهم رفضوا ذلك واتخذوا مسارات نحو المناطق الغربية لمدينة غزة، أو بقوا في المناطق الداخلية للشمال، حيث ينزحون من بيت إلى آخر محاولين البقاء في مناطقهم رغم المخاطر الشديدة التي يتعرضون لها جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية. 
وتتنوع الوسائل التي يدمر من خلالها الاحتلال الإسرائيلي المنازل، كاستخدام الروبوتات والقصف الجوي والمدفعي إلى جانب نسف المربعات السكنية عبر الألغام والبراميل المتفجرة التي تحدث ضجيجاً يشبه ضجيج الزلزال، كما يصف الأهالي ذلك لـ"العربي الجديد". 
ويتعارض حرق المنازل مع القوانين المتعلقة بالحرب، ما يجعل الجنود الذين يقومون بهذا الفعل معرضون للملاحقة القانونية، وهذه الملاحقة تتطلب حراكاً شعبياً وقانونياً رسمياً، ولا سيما أن الكثير من جنود الاحتلال يقومون بنشر هذه الحرائق عبر الحسابات والصفحات الخاصة بهم وبالمستوطنين للتباهي بهذه الأفعال. 
وسبق أن ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنّ حرق المنازل يمثل إحدى وسائل التدمير في ظل عدم وجود متفجرات كافية لنسف المنازل، ما يعني أن عمليات الحرق التي تتم تحصل على موافقة من كبار الضباط الإسرائيليين. 

تهديم منازل في بيت لاهيا (رمزي الكحلوت/ الأناضول)
القصف الذي يشهده مخيم جباليا عنيف (رمزي الكحلوت/ الأناضول)

شهادات الميدان

شاهدت المسنة ربيحة المقيد ملابس عائلتها تحترق بعدما اقتحم جيش الاحتلال مدرسة حمد، شرقي بيت لاهيا، شمالي القطاع، وأخرج الجنود الأهالي النازحين واعتقلوا الرجال وطلبوا من النساء والأطفال الذهاب جنوباً أو إلى مدينة غزة. تقول المقيد لـ"العربي الجديد": "رأيت الجيش يحرق ملابسنا وأدواتنا في المدرسة التي لا نملكها، نحن الذين خرجنا من دونها لدى اقتحام الاحتلال المنطقة وطلبه منا النزوح خارج بيت لاهيا وشمال القطاع. شاهدنا الفرح في عيونهم وهم يحرقون ما تبقى من أشيائنا، وأخذوا يلتقطون الصور لما يجري". 
وتشير إلى أن الحرائق التي شاهدتها امتدت في المنطقة التي كانت توجد فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي أحرقت مجموعة من المدارس التي كانت تعد مدارس إيواء لعشرات الأسر الفلسطينية النازحة في المنطقة. أما الفلسطيني أحمد الشريف، فقد كان يتنقل بين المنازل هرباً من القصف الإسرائيلي، ورآها تحترق بسبب الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك الممتلكات التي في داخلها. ويصف المشهد قائلاً: "أهوال يوم القيامة"، ويقول لـ"العربي الجديد": "ما من حلول غير أن تنتهي هذه الحرب وينسحب الاحتلال من المنطقة التي لا نعرف غيرها. تحملنا الكثير على مدار عام، من جوع وخوف وقصف وحصار ونقص أدوية ومساعدات. هذا احتلال مجرم يحرق بيوتنا ويدمرها ويمنع كل أسباب الحياة عنا". 
ويشير إلى أنّ حرق البيوت يهدف إلى منع السكان من العودة إليها مجدداً كما حصل في المرات السابقة، لكنه يشير إلى أنّ هذه السياسة لا تجدي نفعاً. يضيف: "سبق أن حرق الاحتلال البيوت والمدراس. مع ذلك، نعود إليها ونحاول استصلاحها للبقاء في الشمال وصنع حياة مهما كانت سيئة، لكنها أفضل من الخيام والنزوح والذل الذي يعيشه النازحون". 
لم يتوقع الفلسطيني أشرف الصوص، الذي بقي في منزله في منطقة بيت لاهيا قرب المستشفى الإندونيسي لفترة طويلة، أنّ يشاهد منزله وهو يحترق بهذه الطريقة أمام عينيه بعدما حاصرهم الاحتلال وطلب منهم التوجه إلى خارج مناطق شمالي القطاع، فيما أشعل جنود الاحتلال النار في المناطق المحيطة بالمستشفى وتركوها لساعات طويلة تلتهم كل شيء حتى الأسقف والجدران. 

ويقول الصوص لـ"العربي الجديد": "حرقوا قلوبنا. الله يحرق قلوبهم. لم يبق لنا شيء. جوع وحصار وحرق بيوت وقصف ودمار والعالم يتفرج على معاناتنا بشكل يومي ومن دون أي تدخل حقيقي"، ويشير إلى أن الأيام التي سبقت حرق منزله ونزوحه مع عائلته داخل مناطق الشمال شهدت حياة مرعبة، تتمثل في القصف العنيف في ساعات الليل وشح المياه المقطوعة منذ فترة طويلة وعدم وجود طعام وغذاء، ما يجعل الظروف المعيشية صعبة للغاية في ظل وجود أطفال يحتاجون للرعاية. ويتساءل: "ما ذنب الأطفال ليتعرضوا للإبادة بهذه الطريقة؟". 
ويدور الحديث في الفترة الأخيرة عن عزم الاحتلال على تنفيذ خطة الجنرالات أو ما يوازيها. وجرى الحديث عن مشروع الفقاعات الإنسانية من خلال إدخال شركات أمنية أميركية تتولى مسؤولية توزيع المساعدات الغذائية على الفلسطينيين في تلك المناطق شريطة تفكيك البنية التحتية المدنية والعسكرية لحركة "حماس". 
ودمر الاحتلال الإسرائيلي نحو 80% من القطاع، ما بين بنية تحتية ومنازل وبيوت ووحدات سكنية، في مشهد يستهدف جعل القطاع غير قابل للحياة، لا سيما مع عدم وجود منظومة صحية وتعليمية إلى جانب استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي وسط تأكيد إسرائيلي متصاعد في الفترة الأخيرة على أنها ستستمر لعدة سنوات ولن تنتهي. 

المساهمون