إدارة الحزن... مراكز لتفريغ الشحنات السلبية في الصين

05 ديسمبر 2023
إدارة الحزن مهارة تحتاج إلى صقل السلوك (Getty)
+ الخط -

مع تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في الصين، انتشرت مراكز خيرية متخصصة في توفير دعم نفسي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات ترتبط بأزمات عاطفية وحالات إحباط وحداد وشعور بالوحدة. 
وتلاقي هذه المراكز، التي تضم عشرات المتطوعين الذين ينفذون مهام مختلفة، رواجاً كبيراً بين الشباب، علماً أن القائمين عليها يغطون نفقات التشغيل من خلال هبات وتبرعات يشارك فيها مستخدمو الإنترنت في الصين. وتصنّف هذه المؤسسات ضمن خدمات الرعاية الصحية. وبحسب الأكاديمية الصينية لدراسات الفضاء السيبراني، بلغ عدد المستفيدين من الرعاية الصحية عبر الإنترنت أكثر من 364 مليوناً حتى يونيو/ حزيران الماضي.
تقول لو مينغ، الموظفة في شركة للاتصالات بمدينة شنغهاي، والتي فقدت أمها في سبتمبر/ أيلول الماضي، لـ"العربي الجديد": "كان خبر وفاة أمي التي عانت من أمراض مزمنة الأسوأ في حياتي، إذ لم أتخيل أنني سأفقدها يوماً ما، وأنا لم أكن مستعدة لذلك رغم أنها عانت، على مدار ثلاث سنوات، من آلام شديدة نتيجة إصابتها بالسرطان وتليّف الكبد وانسداد أحد شرايين القلب". 
تضيف: "بعد وفاة أمي، أغلقت على نفسي في غرفة، ولم أكلم أحداً، لكنني كنت مضطرة إلى العمل بعد مرور ثلاثة أيام، وهي مدة الإجازة التي حددتها الشركة لحالات وفاة الأقرباء من الدرجة الأولى. وهنا بدأت معاناتي لأنني لم أملك حالة مزاجية تجعلني قادرة على التعامل من الزملاء. كنت أصرخ فجأة وانهار بالبكاء بين وقت وآخر، ولاحظت أن الأمر بات مزعجاً للمحيطين بي رغم أنهم تفهموا حالتي النفسية، ثم نصحتني صديقة بأن ألجأ إلى مركز متخصص في تفريغ الحزن، حيث التقيت مجموعة متطوعين تحدثت معهم ضمن جلسات مكثفة، ثم شعرت براحة نفسية كبيرة بعدها". 
وعن طبيعة الجلسات، توضح لو مينغ أنها "تبدأ بقول الشخص ما يريد وحتى البكاء خلال عشر دقائق، ثم يبدأ المتطوعون في تبسيط الموقف من خلال سرد قصص وحكايات أليمة لأفراد آخرين تشكل بالفعل تجارب مأساوية، وتستحضر مشكلات أعقد وأعمق، تجعل الشخص المعني بالفقدان يشعر بأن حاله ترتبط بأبسط وأيسر المشاكل التي يمكن أن يواجهها". وتلفت إلى أن "بعض المتطوعين مرواً شخصياً بتجارب أليمة، ومجرد النقاش وتبادل التجارب معهم يخفف وطأة الحزن، ويجعل الشخص أكثر قدرة على السيطرة على تصرفاته وإدارتها".

تفريغ الحزن ضروري للراحة النفسية في العمل (تانغ يانجون/ Getty)
تفريغ الحزن ضروري للراحة النفسية في العمل (تانغ يانجون/Getty)

من جهته، يقول جانغ جانغ، وهو مدير أحد مراكز التفريغ العاطفي في شنغهاي، لـ"العربي الجديد": "إدارة الحزن مهارة تحتاج إلى صقل السلوك وتحسين الوعي للتعامل مع الصدمات بطريقة احترافية".
يضيف: "لا يملك كثير من الناس أي فكرة عن المكان الذي يذهبون إليه في حالة الحزن، وإلى من يبثون همومهم، لذا يمثل المركز فرصة لهم لفهم طبيعة الحزن، والطريقة الأكثر مثالية للتعامل معه من دون أن يتسببوا في أذى للآخرين، خصوصاً في حالات الحداد الذي يعتبر قاسماً مشتركاً بين جميع العملاء". يضيف: "معظم الذين يترددون على المركز يريدون أن يتحققوا من صحة مشاعر الحزن، والتأكد من أنهم لا يعانون من مشكلات نفسية أو عقلية، ونحن نساعدهم على ذلك. وفي حال وجدنا أن الشخص يعاني بالفعل من تراكمات نفسية، نحيله إلى الجهات المتخصصة في التعامل مع الحالات، لأن خدماتنا تقتصر على الأشخاص الذين لديهم استعداد نفسي وذهني للتغلب على أحزانهم، وليس أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية شديدة". 
تتابع: "ترتبط معظم الحالات بفقدان وموت أقرباء، ثم تأتي الأزمات العاطفية في المقام الثاني. والثقافة الصينية لا تخجل من الموت، فهناك طقوس كثيرة حول تكريم الميت، لكن يقل الاهتمام بالحزن في ظل الخوف من زيادة إثقال المشاعر السلبية على كاهل الآخرين. ونحن نحاول أن نجعل التدخلات أكثر احترافية، ولمسنا استجابة كبيرة من الشباب الذين يتحولون مع مرور الوقت إلى نشطاء قادرين على تقديم النصيحة والمشورة للآخرين في حالات مشابهة. وقد أبدى عدد كبير منهم استعدادهم للتطوع في المركز لتقديم المساعدة". 

وعن تكلفة الجلسات وعددها، يوضح جانغ جانغ أن "عددها يتوقف على مدى استجابة العميل، فأحياناً لا يستغرق الأمر أكثر من جلسة واحدة تمتد ساعة كاملة، ويبدي فيها الشخص مرونة كبيرة، ويكون قادراً على الخروج من أزمته والتغلب على أحزانه بسهولة، أما في حالات أخرى، فقد يتطلب الأمر أكثر من ثلاث جلسات لتفريغ الشحنات السلبية وكمية الحزن التي تسيطر بالكامل على العميل. والإناث أكثر تردداً على المركز من الذكور، ويستغرقن وقتاً أطول في التغلب على آلامهن. أما في ما يتعلق بالتكلفة المادية، فالرسوم رمزية كون كل المؤسسات التي تقدم هذه الخدمات خيرية ولا تهدف إلى الربح. 
ويصل سعر الجلسة الواحدة إلى 70 يواناً صينياً، أي نحو 10 دولارات فقط، ويبقى المصدر الأساس لتغطية نفقات التشغيل الهبات والتبرعات التي يوفرها مستخدمو الإنترنت. وما يسهّل عملية التبرع شعور الشباب بأن كل واحد فيهم عرضة للوقوع في نفس المشكلة باعتبار أن الموت أمر حتمي.

المساهمون