أعلنت وزارتا البيئة والصحة العامة في لبنان، يوم أمس الإثنين، عن إرشادات وإجراءات وقائيّة مرتبطة باحتمال انهيار أجزاءٍ من أهراءات مرفأ بيروت نتيجة الحريق المندلع فيها ومحاولات الإطفاء الأخيرة، وذلك حفاظاً على السلامة العامة وتجنباً لأيّ مشكلات صحية محتملة ناتجة عن تنشّق الغبار. والحريق الذي شبّ قبل نحو عشرين يوماً، أتى نتيجة تخمّر الحبوب التي ما زالت في تلك الأجزاء من الأهراءات (صوامع الحبوب) المدمّرة بعد انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس/ آب من عام 2020.
ونبّهت الوزارتان في بيان مشترك إلى أنّه "في حال حصول أيّ انهيار سينبعث غبار مكوّن من مخلّفات البناء وبعض الفطريات من الحبوب المتعفّنة وسيتشتّت في الهواء. وبحسب آراء الخبراء، ليست هناك أدلة علمية على وجود مادة أسبستوس أو أيّ مواد سامة أخرى".
وكانت تلك الأهراءات قد تضرّرت بشدّة قبل نحو عامَين، في الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت وهزّ العاصمة اللبنانية ككلّ وضواحيها، مخلّفاً دماراً كبيراً وأعداداً من القتلى والجرحى والمفقودين إلى جانب الخسائر الاقتصادية وغيرها. وما زالت تبعات هذا الانفجار تُسجَّل حتى الآن على صعد مختلفة، علماً أنّ عملية إعادة الإعمار لم تنتهِ بعد، في حين يبحث المتضرّرون وأهالي الضحايا عن حقيقة ما جرى وكشف المتورّطين في تلك المأساة.
لا مواد كيميائية أو مسرطنة
يقول الأستاذ والباحث في الجامعة الأميركية في بيروت ومستشار وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال محمد الأبيض لـ"العربي الجديد" إنّ "انهيار الأهراءات سوف يطاول الجهة الشمالية الأكثر تضرّراً من انفجار مرفأ بيروت، والتي كانت تتمايل على مدى عام ونصف عام"، واصفاً بقاءها واقفة حتى اليوم بأنّه "معجزة، إذ هي آيلة للسقوط حتماً. أمّا الجهة الجنوبية فثابتة، لا تسجّل أيّ تمايل".
يضيف الأبيض: "كنّا قد نصحنا بعدم إطفاء النيران المندلعة فيها، لكنّهم واصلوا رشّ المياه، الأمر الذي تسبّب في تسريع عملية التخمّر مع ارتفاع درجة الرطوبة، علماً أنّ النشويات تتخمّر من دون أوكسيجين. وقد أدّى ذلك بالتالي إلى اشتعال الحريق أكثر، كوننا عاجزين عن الوصول إلى الحبوب (ذرة وقمح) الموجودة عند الأهراءات الشمالية من جهة الشرق، الأمر الذي أعاق قدرتنا على تقليبها والتخفيف من حرارتها. والسبب يعود إلى أنّ العمل في هذا الجانب بالذات خطر جداً، فهو مهدّد بالانهيار وأيّ حركة تهدّد سلامة العمّال وحياتهم".
الإعلان عن إجراءات وقائية متعلقة باحتمال انهيار أجزاء من إهراءات مرفأ بيروت https://t.co/0ykp6BTzqJ pic.twitter.com/ugbnCD5leb
— Ministry of Public Health - Lebanon (@mophleb) July 25, 2022
وإذ يشير الأبيض إلى أنّ "الجهة الغربية نُظّفت وحُوّلت الحبوب إلى حطب وسماد عضوي"، يكشف أنّ "المرفأ كان يضمّ 45 ألف طنّ من الحبوب، اختفى منها 23 ألف طنّ في أثناء الانفجار، وقد تمكّنا من تحويل نحو 10 آلاف طنّ في حين ما زال هناك نحو 12 ألف طنّاً، من بينها نحو ثلاثة آلاف طنّ من الجهة التي لا يمكننا الوصول إليها. أمّا الكمية التي تحترق في الوقت الراهن، فهي نحو 800 طنّ".
ويشدّد الأبيض على أنّ "الأهراءات خالية من أيّ مواد كيميائية، من بينها نترات الأمونيوم، إذ صُدّرت تلك المواد التي كانت موجودة في المرفأ من قبل شركة ألمانية. كذلك فإنّها خالية من مادة أسبتسوس المخصّصة للبناء، وهي مادة مسرطنة". ويوضح أنّه "مع انهيار الأهراءات، فإنّ الغبار سوف ينتشر في الجوّ لمدّة 24 ساعة كحدّ أقصى، وفي حال كانت سرعة الرياح قوية سوف يخفّ الغبار في وقت أسرع، وسوف يكون خالياً من أيّ غازات سامة، لأنّ هذه المنطقة منظّفة من قبل الجيش اللبناني وشركة فرنسية معنية بذلك، ولا مواد خطرة فيها".
ويتابع الأبيض: "لا نعرف تحديداً متى تنهار الأهراءات، لكنّنا استبقنا الحادثة ونشرنا توجيهاتنا الوقائية. وننصح المصابين بأمراض تنفسية، من بينها الربو، والأطفال بمغادرة بيروت لدى حدوث الانهيار"، شارحاً أنّه "كان يجب هدم هذه الجهة من الأهراءات منذ رصد حركة فيها. فالهدم كان سيتمّ بطريقة علمية مدروسة من دون تطاير غبار، وليجنّبنا خطر الحريق الذي بدأ في السادس من يوليو/ تموز الجاري. لكنّ شدّ الحبال منع ذلك للأسف".
مضاعفات الغبار الكثيف عند انهاير الأهراءات
بدوره، يؤكد المهندس البيئي زياد أبي شاكر لـ"العربي الجديد" أنّه "حتى تاريخه، لا تتوفّر معطيات تفيد بوجود مواد سامة (في المكان)، وبالمبدأ لا وجود لمواد كيميائية ولا أسبتسوس. لكنّ الغبار الكثيف سوف ينتشر بالتأكيد (عند انهيار أجزاء من الأهراءات) وسوف ينعكس سلباً على الأفراد لدى استنشاقه. لذلك، من الضروري الحذر واتّخاذ الاحتياطات اللازمة، من إغلاق النوافذ والأبواب الخارجية والتزام المنازل، ومن المفيد أن يعمل الدفاع المدني اللبناني على رشّ رذاذ المياه بالقرب من المرفأ للتخفيف من تأثير الغبار".
ويقول أبي شاكر: "المشكلة هي في أنّنا لا نعرف متى سوف تنهار الأهراءات، والنيران لا تنطفئ بسبب تخمّر القمح بطريقة لاهوائية وصار ينتج غاز الميثان الذي اشتعل مع ارتفاع درجات الحرارة. كذلك فإنّ المساحة المشتعلة هي تقريباً 10 أو 12 متراً تحت الأرض، ومن الصعب الوصول إليها". بالنسبة إليه، "كان لا بدّ من أن تنصبّ الجهود على التخلّص من القمح المخزّن، وهو بآلاف الأطنان، أو أقلّه التخفيف من كميّاته".
وقد نبّه بيان وزارتَي البيئة والصحة العامة في هذا المجال إلى "َضرورة إخلاء المنطقة الأقرب من موقع الحادث (شعاع 500 متر) والتي تقع داخل حدود المرفأ، لدى حدوث الانهيار، إذ من المرجّح أن تتأثّر بكميّات غبار كثيفة. ومن المتوقّع أن تتأثّر المنطقة الأبعد (بين شعاع 500 و 1500 متر تقريباً) والتي تتضمّن الكرنتينا والجعيتاوي ومار متر ووسط بيروت، بكميات محدودة من الغبار. وسوف تعمل وزارة الصحة العامة على تأمين الكمامات للأشخاص الموجودين من ضمن المنطقة المتأثّرة".
كذلك دعت الوزارتان إلى "تشغيل مكيّفات الهواء قدر المستطاع في المنازل، وفي حال التنقّل في السيارة، يجب تشغيل المكيّف على وضعية الشفط من داخل السيارة، أو ارتداء كمامة عالية الفعالية (KN95)".