استمع إلى الملخص
- **الكنوز الأثرية والفنية في إزنيك**: تضم متحف "نيقية" وقلعة "نيقية" والمسجد الأخضر. كنيسة آيا صوفيا خضعت لتجديدات واسعة بعد زلزال 1065 وشهدت تعديلات معمارية في عهد المعمار سنان.
- **جمال الطبيعة والينابيع العلاجية**: إزنيك وجهة طبيعية رائعة مع ينابيع كيراميت الحرارية وبحيرة "نيقية" التي توفر بيئة مثالية للرياضات المائية. شواطئ عزت باشا وشاطئ قرية تشاكيركا والكاتدرائية تحت الماء تضيف إلى جاذبية المنطقة.
يتقاذف العمران التاريخي البيزنطي والعثماني زوار شوارع إزنيك (نيقية)، حيث تكثر الشواهد على تاريخ مكتظ بالعراقة والجدل والحكايات. تحتضن إزنيك كنيسة آيا صوفيا أخرى تختلف عن تلك الموجودة في مدينة إسطنبول، وهي استضافت لقاء المجمع المسكوني الأول المهم في تاريخ الكنيسة عام 325، بدعوة من الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول، والذي شارك فيه جميع الأساقفة المسيحيين.
وربما دفع الفضول حول مجمع "نيقية" البابا فرنسيس إلى تذكر المدينة، وإعلان أنه سيزور خلال العام المقبل ولاية بورصة ومدينة إزنيك الأثرية، التي تضم معالم أثرية وسياحية ضاربة في التاريخ، وتحمل ألغازاً تفوق صفة عوامل الجذب.
تقول المراجع التاريخية إن مجمع نيقية الأول أو المجمع المسكوني الأول، والذي تلته ستة مجامع مسكونية أخرى، بحسب ما يورد تاريخ الكنيستين الرومانية والبيزنطية، عُقد في إزنيك، عاصمة مملكة بيثينية حينها، في حضور الإمبراطور قسطنطين الأول. وتورد المراجع أن مجمع "نيقية" افتتح جلساته في 20 مايو/ أيار 325، وأن عدد الأساقفة الذين حضروا اللقاء تراوح بين 250 و318، معظمهم من الشرق، وكان الهدف دراسة وتسوية الخلافات في كنيسة الإسكندرية بين الأسقف آريوس وأتباعه من جهة، ومن جهة أخرى بابا الإسكندرية ألكسندروس الأول وأتباعه في شأن طبيعة السيد المسيح الإلهية أو البشرية.
وشكل ذلك أول إشكال حول قانون الإيمان المسيحي، ثم بدأت تتشكل علاقة الكنيسة بالسلطة بعدما كانت كياناً دينياً خالصاً.
وقال البابا فرنسيس، في بيان إعلان زيارة تركيا العام المقبل 2025، بمناسبة الذكرى 1700 لانعقاد مجمع "نيقية" الأول: "أريد القيام بهذه الرحلة من كل قلبي".
يشرح الباحث التاريخي في ولاية بورصة عمر يلديز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أهمية مدينة "إزنيك" التي تقع جنوب شرقي منطقة مرمرة ضمن الحدود الإقليمية لمدينة بورصة، ويقول: "يعود تاريخ إزنيك (نيقية) إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وأدلة عمق الحضارة والتنوع قائمة حتى اليوم، ومن بينها الأسوار التاريخية وكنيسة آيا صوفيا الفريدة، والمسرح الروماني، والخلاصة أن المدينة معرض تاريخي مفتوح يحتضن أيضاً السحر الإضافي للطبيعة والبحيرة".
وتأتي كنيسة آيا صوفيا المؤسسة على قواعد ملعب رياضي بمدينة نيقية في مقدمة الآثار المدهشة. وتشير المراجع إلى أنها بُنيت في بداية القرن السابع ميلادياً، في العهد البيزنطي، وخضعت لتجديدات واسعة وإعادة ترميم بعد الزلزال المدمر عام 1065، وجرى رفع مستوى أرضيتها متراً وأربعين سنتيمتراً، وتدعيم جدرانها الخارجية وإدخال تصاميم الأقواس والدعائم، ثم شهدت عام 1331 فصلاً جديداً في تاريخها خلال حكم أورهان غازي، حيث جرى تعديل الصحن وتحويل المكان إلى مسجد مزيّن بمئذنة ومحراب.
وتُظهر بقايا المئذنة وتعديلات معمارية أخرى تأثير الفن المعماري العثماني والحرفية الفائقة لعمارة المعمار سنان. وتشبه الكنيسة اليوم، بحسب المتخصص يلديز، في مسيرتها وتاريخها كنيسة آيا صوفيا في إسطنبول وكنيسة تشورا بمنطقة الفاتح.
وفي المدينة القديمة لإزنيك يجري تأكيد السرد التاريخي عبر وقائع تدل على دور المدينة منذ أن كانت عاصمة لمملكة بيثينيا، ولاحقاً نقطة محورية خلال العصر الروماني بعدما عانت من دمار في القرن الرابع قبل الميلاد، وأُعيد بناؤها في عهد قائد متحالف مع الإسكندر الأكبر.
ومن الأدلة متحف "نيقية" الذي شيّد عام 1960 في مبنى تاريخي يحمل اسم نيلوفر خاتون، زوجة السلطان أورهان غازي، وهو يعرض كنوزاً أثرية مستخرجة من حفريات في المنطقة، ويحتوي على حديقة تُظهر أبرز معالم العهود الرومانية والبيزنطية والعثمانية. ومن الأدلة أيضاً قلعة "نيقية" التي تعود إلى الحضارة الرومانية، إلى جانب المسجد الأخضر (يشيل كامي)، الذي يحاكي الحضارة العثمانية عبر زخارف مدهشة.
وفي سياق الحديث عن إزنيك لا يمكن تجاهل ينابيع كيراميت الحرارية المعروفة بمياهها التي تعالج مرضى الجلد من أنحاء العالم. وتعتبر هذه الينابيع وجهة مفضلة للباحثين عن الصحة والاسترخاء. أما جوهرة الطبيعة وعامل الجذب الأهم للمنطقة فهي بحيرة "نيقية"، التي تعرف باسم "أسكانيا"، وتعد خامس أكبر بحيرة في تركيا وأكبرها في منطقة مرمرة.
وتمتد البحيرة على مساحة تبلغ 298 كيلومتراً مربعاً، وترتفع 85 متراً عن سطح البحر، وتحتضن مجموعة متنوعة من أنواع الأسماك، بينها الليفرك والكارب الأصفر والسمك الفضي. إضافة إلى ذلك، تعتبر البحيرة مركزاً رائعاً لممارسي الرياضات المائية، إذ توفر شواطئ عزت باشا وشاطئ قرية تشاكيركا والكاتدرائية تحت الماء مجموعة متنوعة من الأنشطة وعوامل الجذب والإغراء للسياح والأتراك.