تعطّلت الدراسة في الغالبية العظمى من المدارس الحكومية في الضفة الغربية المحتلة، اليوم الأحد، ما أدى إلى مغادرة الطلاب والطاقم التدريسي في وقت مبكر، التزاماً بالدعوة التي أطلقها حراك المعلمين، احتجاجاً على عدم صرف الحكومة الرواتب كاملة.
وتباينت نسبة التزام المعلمين بدعوة الحراك إلى الإضراب الشامل عن العمل، اليوم. لكن الدوام لم ينتظم بالشكل المعتاد. وقال مصدر مطلع في الحراك، رفض الكشف عن اسمه خشية الملاحقة الأمنية أو العقوبات الإدارية، إنهم "سعداء بما وصفه الالتزام الحديدي للمعلمين بالإضراب"، مضيفاً: "هذه رسالة غضب موجهة لطرفين: الحكومة أولاً التي تماطل في تنفيذ التفاهمات مع اتحاد المعلمين رغم عدم رضانا عن ما جاء فيها، والاتحاد نفسه ثانياً لأن سياساته وطريقته في إدارة الأزمة لم تعد مقنعة أو مجدية للشريحة العظمى من المعلمين".
ووصف المصدر المشهد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "لا شك أن هناك تباينا، لكن معظمهم التزم. الكادر التعليمي توجه صباحاً إلى المدارس، وهناك ظهرت اجتهادات. فمن المعلمين من لم يدخل إلى صفّه مطلقاً، وآخرون أعطوا حصة واحدة فقط. والجزء الأخير وهو النسبة الأقل التزاما بالدوام لعدم قناعته بالإضراب".
وتابع المصدر نفسه: "هناك مدارس غادر معلموها وطلابها جميعاً بعد الطابور الصباحي. وغادرت الغالبية قبل الحصة الثالثة، وهناك من بقي في المدرسة حتى انتهاء الدوام، لكن من دون إعطاء أي حصة". وقال: "نحن واضحون. قبلنا على مضض في نهاية العام الدراسي الماضي وخلال الفصل الدراسي الأول من هذا العام بما وصلت إليه التفاهمات بين الحكومة، وتحديداً وزارة المالية من جهة، واتحاد المعلمين من جهة أخرى، برعاية مؤسسات حقوقية. لكننا أبلغنا الجميع بأن الحراك لن يصمت في حال لم تدفع الحكومة الراتب كاملاً عن شهر يناير الماضي، وليس 80% كما يجري منذ نحو عام ونصف العام. وما إن أعلنت الحكومة، مساء الخميس الماضي، عن صرف الراتب منقوصاً، حتى أصدرنا بياناً صباح يوم الجمعة الماضي، بالدعوة إلى الإضراب".
وأضاف: "صرف الراتب اليوم، ولم تشمل قسيمته صرف 15 في المائة عن طبيعة العمل، والتي كانت الحكومة قد وعدت بصرفها بالتزامن مع الراتب، وبالتالي صدقت توقعاتنا بعدم جدية الحكومة من جهة، وضعف الاتحاد العام للمعلمين في الدفاع عن حقوق المعلمين من جهة أخرى".
ونصت التفاهمات التي عقدت برعاية الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسات أخرى لإنهاء أزمة الإضراب الذي عم المدارس لأسابيع، خلال العام الماضي، على تطبيق بنود عدة، وهي "دمقرطة اتحاد المعلمين"، من خلال تنظيم الانتخابات لاختيار قيادة جديدة للاتحاد، خصوصاً أن القيادة الحالية معينة منذ الإضراب الشهير عام 2016، والبند الثاني "مهننة التعليم" أي تحويل التعليم إلى مهنة، وثالثاً "صرف 15 في المائة عن طبيعة العمل"، ورابعاً "ربط الرواتب بغلاء المعيشة".
لكن الاتحاد لم يحدد حتى اللحظة موعداً لإجراء الانتخابات، فيما لم يتم إشراك المعلمين في اللجان التي تضع القوانين الإدارية والمالية وغيرها في سبيل تطبيق البند المتعلق بـ "مهننة التعليم"، كما لم تلتزم الحكومة بدفع الـ 15 في المائة وغلاء المعيشة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بياناً طالبت فيه بتطبيق بنود الاتفاق. وحول قضية "دمقرطة الاتحاد"، ذكرت أن لجنة تشكلت بهذا الخصوص، وقد عقدت اجتماعات عدة لمراجعة النظام الأساسي ولوائح وإجراءات الاتحاد العام للمعلمين، بما في ذلك آليات الانتساب والترشح والانتخاب قدمت في 27 أغسطس/آب الماضي توصيات تشمل أحكاماً انتقالية، منها أن يجتمع المجلس المركزي للاتحاد في أسرع وقت ممكن، وبما لا يتجاوز نهاية عام 2022 لإقرار التعديلات. وتجري الانتخابات بعد ذلك خلال مدة أقصاها ستة أشهر بناء على النظام المعدل وفق ما هو وارد في هذه الوثيقة، لتتابع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تنفيذ هذه العملية.
وأكدت الهيئة أن الاتحاد "لم يستجب لدعوات اللجنة بتوقيع التقرير والرسالة الموجّهة إليه من الهيئة بتاريخ 6/11/2022، والتي طلبت تزويد الهيئة بخطة وبرنامج تطبيق التوصيات خلال أسبوعين من تاريخ الرسالة". أضافت: "لاحظنا تباطؤاً في تنفيذ البند المتعلق بدمقرطة التمثيل النقابي للمعلمين الحكوميين، وأنه لا يوجد لدينا حتى الآن أي معلومة حول طبيعة الخطوات والبرامج التي اعتمدها الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين لتطبيق ما ورد في ورقة التصور المذكورة".
واعتبرت الهيئة أن "التباطؤ في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خصوصاً البند المتعلق بالتمثيل النقابي للمعلمين والمعلمات في الاتحاد، من شأنه أن يدفع القضية إلى طريق مسدود". وقالت: "نعتبر ذلك تنصلاً من الاتحاد لما تم التوافق عليه، على الرغم من كونها، أي التوصيات، تشكل الحد الأدنى لتطلعات المعلمين، ولما جاء في بند الدمقرطة في المبادرة. وحينها، على قيادة الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين تحمّل المسؤولية الكاملة في ما يمكن أن تؤول إليه الأمور".
من جهته، أعلن أمين عام اتحاد المعلمين سائد أرزيقات، في لقاء مع "إذاعة فلسطين" الرسمية، اليوم الأحد: "نقول للحكومة إننا نقف إلى جانبكم في هذه الأزمة المالية، لكن نطالب ببرنامج يعزز صمود الموظفين في ظل أزمة الرواتب التي زادت عن 14 شهراً". أضاف: "الاتحاد أعلن أن العملية التعليمية مستمرة في المدارس في ظل هذه الظروف المعقدة سياسياً ووطنياً".
وقال أرزيقات: "نؤكد على تنفيذ كافة الاتفاقيات التي وقّعها الاتحاد مع الحكومة الفلسطينية، باستثناء اتفاق واحد وهو زيادة طبيعة العمل بنسبة 15 في المائة، إلا أن هذا الاتفاق عندما تم توقيعه كان مرهوناً باستقرار الوضع المالي للحكومة الفلسطينية، ويأتي ضمن سلسلة اتفاقيات وقّعتها الحكومة مع نقابات عدة، وليس فقط اتحاد المعلمين الفلسطينيين".