شهدت محاكم المغرب، اليوم الثلاثاء، حالة من الشلل بسبب الإضراب المفتوح الذي يخوضه آلاف المحامين احتجاجاً على ما اعتبروه "الإصرار الواضح على استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة المحاماة"، و"محاولة ضرب أسس رسالتها الكونية والإنسانية".
وتسبب الإضراب المفتوح المستمر لليوم الثالث على التوالي في شلل تام في المحاكم، إذ جرى تأخير العديد من الملفات المعروضة على القضاء، فيما لم يتمكّن عدد من المتقاضين من تسجيل دعاويهم القضائية، بعدما قررت جمعية هيئات المحامين بالمغرب التصعيد في وجه الوزارة المسؤولة عن قطاع العدل في البلاد بإعلان "المقاطعة الشاملة للجلسات المدنية والجنائية والتجارية والإدارية والإجراءات بجميع أنواعها والصناديق، ابتداء من الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي بشكل مفتوح إلى غاية تحقيق المطالب".
محاكم المغرب تتأثر بإضراب المحامين
بدأ المحامون، يوم الجمعة الماضي، أول أيام التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع، حتى إشعار آخر، مؤكدين أن إضرابهم متواصل إلى حين استجابة الوزارة لمطالبهم المتمثلة في إقرار نظام ضريبي عادل يتناسب مع طبيعة رسالة المحاماة، وتحصين وتثمين مكتسبات المحامين في المجال الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بالتغطية الصحية. بالإضافة إلى تكريس مبدأ ضمان المساعدة القانونية للمواطنين عبر ضمان ولوجهم المستنير للعدالة، مما يفرض تعزيز مكانة الدفاع في التشريعات الإجرائية عوض السعي إلى تقليصها، وتطوير التشريع المهني.
وتأتي الخطوة التصعيدية الجديدة بعد سلسلة من الاحتجاجات والتوقفات المؤقتة عن العمل من أبرزها مقاطعة جلسات الجنايات لمدة أسبوعين، وذلك رفضاً لما وصفوه بالردة التشريعية للحكومة، بقيادة وزير العدل عبد اللطيف وهبي. ودخل المحامون خطوتهم التصعيدية التي لها انعكاسات سلبية كبيرة على المتقاضين، بسبب ما اعتبروه "الإصرار الواضح على استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة المحاماة كفاعل رئيسي في تنزيل مفاهيم العدالة، ومحاولة ضرب أسس رسالتها الكونية والإنسانية".
اعتبر وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في تصريحات صحافية، أن إضراب المحامين "لا مبرر له"
وكان مشروع قانون المسطرة المدنية، الذي ينتظر أن تتم المصادقة عليه في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية البرلمان) خلال الأسابيع المقبلة، بعد أن أقره مجلس النواب في يوليو/ تموز الماضي، مصدر صدام بين الحكومة والمحامين، الذين اعتبروه "غير دستوري ويهدد مهنة المحاماة... ويضرب الدور الرئيسي والاعتباري لمهنة المحاماة واستقلالها".
وتركزت انتقادات المحامين للمشروع على مقتضيات مثيرة للجدل، من بينها استحداث مكاتب وسطاء مهمتها التدخل لحل النزاعات قبل لجوء المتقاضي إلى المحاكم، وكذلك إلغاء دور المحامي في بعض مراحل التقاضي وفرض غرامات على المتقاضين في حالة لم يصدر الحكم لصالحهم.
في المقابل، اعتبر وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في تصريحات صحافية، أن إضراب المحامين "لا مبرر له"، خاصة بعد اطلاعهم على مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية وتقديمهم ملاحظات للحكومة "التي تملك بصفتها التشريعية حرية القبول أو الرفض".
وبينما تصرّ الهيئات الممثلة للمحامين على الاستمرار في خطوتهم التصعيدية التي لها انعكاسات سلبية كبيرة على المتقاضين، عبر رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (أقدم تنظيم حقوقي مستقل في المغرب) عادل تشيكيطو، عن قلقه العميق إزاء توقف المحامين عن العمل على خلفية ما سمي بمشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به الحكومة للبرلمان، معتبراً أن الإضراب المفتوح للمحامين ستكون له عواقب وخيمة على حقوق المتقاضين وهو الأمر الذي تتحمل إزاءه الحكومة المسؤولية الكاملة.
وقال رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، لـ "العربي الجديد"، إن" مشروع قانون المسطرة المدنية يحتوي على تعديلات قد تمس بحقوق الدفاع الأساسية، وتحد من استقلالية مهنة المحاماة، مما يشكل انتهاكا لمبادئ المحاكمة العادلة التي كفلها الدستور المغربي والمواثيق الدولية".
وأكد أنه لتجاوز هذه الأزمة وإيقاف تأثيرها على حقوق المتقاضين وجب على الحكومة فتح باب الحوار مع الهيئات المهنية للمحامين، والعمل على تعديل المشروع بما يضمن الحفاظ على حقوق المتقاضين ويصون كرامة المحامين واستقلالية عملهم.
ولفت إلى أن الوصول إلى صيغة توافقية تحترم حقوق الإنسان، وتحافظ على ثقة المواطنين في العدالة، هو السبيل الأمثل لضمان استمرارية واستقرار المنظومة القضائية في المغرب.