كميات كبيرة من الزجاج الملون والسيراميك المفتت تتلف يومياً، ومعها البلاستيك الصلب الملون، لكنّ بعض الأشخاص قرروا العمل عكس التيار، إذ قصدوا ورشة الإتلاف، وأخذوا ما يحتاجونه من مواد لإعادة تدويرها واستخدامها في فن الرسم.
تقول المهندسة المدنية اللبنانية فريدا بيضاوي الحائزة على شهاداتها من "جامعة بيروت العربية" وهي من سكان مدينة صيدا، بوابة جنوب البلاد: "عملت في مهنتي بعد تخرجي من الجامعة طوال ثلاثة عشر عاماً، وبعدها تركت العمل وتفرغت للاهتمام بابني، وبعدما كبر ابني وصار في المرحلة الثانوية، أحببت العودة إلى العمل، وبما أنّني أحبّ الفن رغبت في أن أمارس مهنة فيه، فالتحقت بالعمل بما أملك من مهارات، في مركز التنمية والحوار في بلدة مجدليون، شرق صيدا، وهذا المركز أنشأته مجموعة من الشبان الذين يملكون أملاً بالتنمية، لا سيما تنمية المجتمع".
تتابع لـ"العربي الجديد": "في المركز شباب من مختلف الأديان والانتماءات، والفكرة الأساسية للمركز هي أنّه مركز إنمائي منفتح على صيدا والجوار. أما فكرة المحترَف فهي استكمال لرسالة المركز، التي تهدف إلى جمع جميع فئات المجتمع من خلال الفن، كالموزاييك، والرسم، وصنع الصابون، وذلك من خلال إقامة دورات بهذه الفنون مجتمعة. جمال هذه الدورات يكمن في أنّ الأشخاص يتعرفون على بعضهم بعضاً من خلالها، حتى إنّ بعضهم استمرت علاقتهم بعد انتهاء الدورات، علماً أنّ مشروعنا غير ممول، أو بالأحرى لم نستطع حتى الآن الحصول على ممول له". تتابع: "كذلك، نعمل في المركز على مشروع فني بالتعاون مع طبيبة نفسية".
أما بخصوص مشروع إعادة التدوير، فتقول بيضاوي: "بدأناه بعد زيارتنا العاملين بالزجاج والسيراميك، فعلمنا منهم أنّ هناك كميات كبيرة من هاتين المادتين تتجه إلى الإتلاف، فاخترنا أن نستفيد منها ونفيد البيئة، فصرنا نستخدمها في عملية تزيين اللوحات، تحديداً تلك التي تختص بالتراث اللبناني وبالبيئة اللبنانية وبالآثار اللبنانية، وبعد ذلك قررنا استخدام البلاستيك في التزيين، فذهبنا إلى مصنع معالجة البلاستيك، فأخذنا ما وصل منه مما أنهى مرحلة التفتيت والتعقيم، وبما أنّه من بقايا العبوات الفارغة بأشكالها المختلفة، فإنّ المادة التي نأخذها متعددة الألوان". تتابع: "عندما نجهز البلاستيك هذا، نفرز كلّ لون على حدة، كما نفرزه على أساس الأحجام المختلفة. أما العمل فيها فيعطي نتائج رائعة، كما العمل بالسيراميك أيضاً". وعن سبب استخدامها البلاستيك في الأعمال الفنية تلك، تقول: "السبب الأساسي في عملية إعادة التدوير، تخفيف كمية المخلفات، خصوصاً أنّنا في الوقت عينه نستفيد منه في عملنا، كما أنّ ربة البيت تستطيع أن تستفيد من هذه العبوات الفارغة وتعيد تدويرها باستخدامها في تزيين بيتها". تتابع: "نشارك في معارض عدة، كما في العاصمة بيروت، وصيدا، وكانت ردود الفعل إيجابية، مع انبهار كثيرين حين علموا أنّنا نستخدم هذه المواد المتأتية من المخلفات، في تزيين رسوماتنا. أيضاً نصدّر لوحاتنا إلى خارج لبنان، من خلال التعامل مع شركة نوفر لها اللوحات الصغيرة، علماً أنّ تلك اللوحات تتعبنا أكثر من اللوحات الكبيرة، إذ تحتاج إلى دقة أكبر، ووقت أطول لإنجازها".
من جهتها، تقول السيدة ابتسام سعيد، التي تعمل في المجال نفسه، وهي من مدينة حلب، شمالي سورية، ومقيمة في لبنان منذ ست سنوات: "أنا في الأساس أعمل بالأشغال اليدوية، والكروشية، ومنذ مدة بدأت أعمل في هذا المحترَف، ومنذ البداية أعمل بالرسم والموزاييك، ثم بدأنا نشاط صنع الصابون". تتابع لـ"العربي الجديد": "أنا سعيدة في عملي هذا، لأنّني أشعر بأنّنا نبدع من خلال عملنا بهذه المواد التي هي في الأساس كانت من المخلفات. في الرسم نعتمد على الصور التراثية، بما فيها من رسوم بورتريه لشخصيات تعبر عن هذا التراث اللبناني، بالإضافة إلى رسوم لرقصة الدبكة اللبنانية. من خلال البلاستيك نتمكن من تنفيذ كثير من التصميمات، لأنّ ألوان البلاستيك المتعددة تساعدنا في ذلك، علماً أنّ هذا العمل يحتاج إلى دقة ووقت كبيرين. نضع الصور على اللوحة التي نكون قد حددنا قياسها من قبل، ثم نبدأ عملنا في الزخرفة باستخدام البلاستيك وغيره". تضيف: "في المجمل، نعمل على إعادة تدوير البلاستيك، والحجر، والسيراميك، وبلاط الورش غير الصالح للاستخدام، وبهذا نكون قد خففنا من كمية المواد التي تتجه إلى الإتلاف".