تُعَدّ الإعدامات في مصر قضية مفتوحة، في حين تحتل البلاد المركز الثالث في قائمة الدول الأكثر تنفيذاً لتلك الأحكام في العالم.
فُجعت مصر، صباح الإثنين 26 إبريل/ نيسان الجاري، الموافق الثالث عشر من شهر رمضان، بتنفيذ قطاع مصلحة السجون في وزارة الداخلية المصرية حكم الإعدام لتسعة من المتهمين الصادر في حقهم أحكام إعدام باتّة ونهائية في القضية المعروفة إعلامياً بـ"اقتحام قسم شرطة كرداسة"، على الرغم من أنّ العرف جرى ألا تُنفَّذ أحكام إعدام في خلال شهر رمضان، إذ هو من المناسبات الدينية المنصوص عليها في القانون.
بحسب قاعدة البيانات الخاصة بالإعدامات أو مؤشّر عقوبة الإعدام في مصر (Death Penalty Index) فإنّه منذ رمضان الموافق في عام 2011 وحتى رمضان الجاري 2021، أي على مدى 10 أعوام، نفّذت وزارة الداخلية المصرية حكم الإعدام في حق ثلاثة مواطنين فقط في رمضان الموافق في عام 2019 (المجموع 12 شخصاً في خلال الأعوام العشر)، إذ إنّ الصيام من الشعائر الدينية الأساسية نظراً إلى أهميته الروحية بالنسبة إلى الجميع وأيام الصيام لها قدسية خاصة لمختلف الطوائف. تجدر الإشارة إلى تصريح مدير مباحث السجون المصرية، اللواء محمد علي حسين، في خلال حديث لصحيفة "الأخبار" المصرية الحكومية نُشر في 20 يونيو/ حزيران 2017، قال فيه: "لا يتمّ تنفيذ أحكام الإعدام في رمضان أو بالأعياد الرسمية"، إلا أنّ أجهزة الأمن لم تعد تبالي بتطبيق القانون وتتعنّت حتى في تسليم جثامين الذين نُفّذت بهم أحكام الإعدام لذويهم، في ظلّ غياب تام لأيّ دور رقابي قد يحدّ من تغوّل الأمن على حقوق المسجونين وعائلاتهم. وفي مخالفة صريحة لقانون الإجراءات الجنائية، لم يُبلّغ أهالي أيّ من المنفَّذة في حقهم عقوبة الإعدام بموعد التنفيذ، فلم يحضر أقارب المحكوم عليهم لمقابلتهم قبل ذلك، وهو ما يخالف نص المادة رقم 472 من قانون الإجراءات الجنائية. كذلك لم يُؤذن لأيّ من محامي المحكوم عليهم بحضور تنفيذ الحكم، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليها المادة رقم 474 من القانون سالف الذكر.
ووثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) 75 حكم إعدام منفَّذاً في خلال السنوات الماضية، من دون إعلام ذوي المحكومين، وذلك بمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية، الذي ينص في المادة 475 منه على أنّه "لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام في أيام الأعياد الرسمية أو الأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه". كذلك وثّقت الشبكة تنفيذ أحكام إعدام بأكثر من 75 مواطناً مصرياً في خلال السنوات الماضية، من دون أن تقوم وزارة الداخلية المصرية ممثلة بمصلحة السجون بإبلاغ ذويهم بنيّتها تنفيذ الأحكام، وذلك بمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي ينص في المادة 472 منه على أنّ "لأقارب المحكوم عليه بالإعدام أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم، على أن يكون ذلك بعيداً عن محل التنفيذ".
تَوسُّع الحكومة المصرية في تطبيق عقوبة الإعدام في السنوات الماضية جعلها، بحسب منظمة العفو الدولية، الثالثة عالمياً لجهة تنفيذ الإعدام حول العالم. ووفق التقرير الأخير الصادر عن المنظمة في 21 إبريل/ نيسان الجاري، زادت مصر عدد عمليات الإعدام السنوية بنسبة ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى استئثارها مع إيران والعراق والسعودية بنسبة 88 في المائة من عمليات الإعدام المُعلَن تنفيذها عالمياً في عام 2020. فتقرير المنظمة نفسه كشف أنّ أربعاً من أصل الدول الخمس الأوائل المنفّذة لأحكام الإعدام في العالم هي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي التفاصيل، سجّلت إيران أكثر من 246 تنفيذاً لحكم إعدام، ومصر أكثر من 107، والعراق أكثر من 45، والسعودية 27. يُذكر أنّ الصين التي يُعتقد أنّها تعدم آلاف الأشخاص سنوياً هي الدولة الأكثر تنفيذاً للإعدام في العالم.
ويشرح التقرير نفسه أنّ الارتفاع الحاد في عدد أحكام الإعدام المنفّذة تخطّى ثلاثة أضعاف، إذ انتقل من 32 في عام 2019 إلى 107 في عام 2020، متجاوزاً بذلك المملكة العربية السعودية. فصارت مصر بالتالي الدولة الثالثة بين الدول الأكثر تنفيذاً لأحكام الإعدام في العام المنصرم، مع الارتفاع الحاد خصوصاً في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام المذكور، وقد أعدمت السلطات المصرية ما لا يقل عن 57 شخصاً فيهما، أي ضعفَي عدد الأشخاص الذين عُرف بأنّهم أُعدموا في مصر عام 2019 ككلّ.
وتواجه عقوبة الإعدام في مصر إشكاليات عدّة، منها تطبيقها على مجموعة واسعة من الجرائم وليست فقط الجرائم الخطيرة، كذلك فإنّ حق المتهمين يُنتهك في الغالب في ما يخص الحصول على محاكمة عادلة التي تُعدّ من بين الضمانات التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية، خصوصاً في القضايا التي تشمل جرائم يمكن الحكم فيها بالإعدام. وتشير البيانات الخاصة بعقوبة الإعدام في خلال عام 2020، وفقاً لرصد وتحليل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية)، إلى أنّ المحاكمة في القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام شهدت إخلالاً سافراً بضمانات المحاكمة العادلة وفقاً للمواثيق الدولية، وإخلالاً بحقوق المتهمين المكفولة في القانون والدستور المصريين. وانطبق ذلك على 126 شخصاً نُفّذت أحكام إعدام في حقهم في خلال العام المنصرم بأكمله. وهو الرقم الذي يبلغ ضعفَي العدد في خلال العامين السابقَين، وثلث عدد المنفذ فيهم أحكام إعدام منذ عام 2013، والذين يقتربون من 334 شخصاً.
وفي إطار الرصد الشهري الذي تعدّه الجبهة حول عقوبة الإعدام في مصر، سواء في القضايا السياسية أو الجنائية، استطاعت من خلال تتبّع الأخبار في وسائل الإعلام والتواصل المباشر مع بعض المحامين رصد تنفيذ عقوبة الإعدام في حق 37 شخصاً وتأييد أحكام الإعدام على أربعة أشخاص وتوقيع أحكام الإعدام على 92 شخصاً، اثنان منهم في قضية واحدة تضمّ وقائع عنف سياسي وهي قضية مقتل أمين شرطة في محافظة بني سويف، وذلك في الربع الأول من عام 2021. وفي التفاصيل، تفيد الجبهة بأنّ أحكام الإعدام التي نُفّذت في حق 37 شخصاً على أقلّ تقدير في أكثر من 19 قضية جنائية، أتت معظمها في مارس/ آذار الماضي. وقد نُفّذ الإعدام في حق 30 شخصاً متهمين في 14 قضية جنائية على أقلّ تقدير، فيما نُفّذ حكم في حق شخص واحد متهم في قضية جنائية في يناير/ كانون الثاني الماضي، وستّة أحكام في فبراير/ شباط الماضي في حق أشخاص متهمين في أربع قضايا جنائية. وفي ما يتعلق بالأحكام الصادرة، رصدت الجبهة إصدار أحكام بالإعدام في حق ما لا يقل عن 92 شخصاً في 55 قضية، منهم شخصان في قضية واحدة وهي قضية مقتل أمين شرطة في محافظة بني سويف، بالإضافة إلى 90 شخصاً صدرت في حقهم أحكام بالإعدام في 54 قضية جنائية.