إقامة البؤر الاستيطانية تضاعف معاناة أهالي الخليل

31 أكتوبر 2024
يتمسك أهالي الخليل بأراضيهم رغم اعتداءات المستوطنين (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ أكتوبر 2023، شهدت الخليل تصاعدًا في العدوان الاستيطاني مع إقامة 15 بؤرة جديدة، تهدف لربط المستوطنات وتشكيل خط استيطاني متصل، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين ويهدد بتهجيرهم.
- يسعى الاحتلال للسيطرة على قمم الجبال لأهداف أمنية، متبعًا سياسة التدرج في السيطرة، مما يعرض العائلات الفلسطينية لمخاطر التهجير ويجبرهم على الصمود رغم قلة الخيارات.
- تواجه الجهود القانونية تحديات كبيرة، حيث لم تستجب السلطات الإسرائيلية للاعتراضات، مما يعكس الدعم الرسمي للاستيطان ويزيد من شعور السكان باليأس.

لا تكتفي الجماعات الاستيطانية بتنفيذ خطط توسعة مستوطنات الخليل، بل تركّز نشاطها المدعوم رسمياً على إقامة بؤر استيطانية تُشرعن لاحقاً

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يصعد المستوطنون عدوانهم على مدينة الخليل، وأقاموا 15 بؤرة استيطانية جديدة في مناطق جنوب وشرق المحافظة منذ ذلك التاريخ، مع سلسلة من الاعتداءات التي تكبد الفلسطينيين مزيداً من المعاناة.
كانت أحدث البؤر الاستيطانية، اثنتين أقيمتا خلال الأسبوع الماضي، الأولى في منطقة "خربة الحلاوة" في مسافر يطا، والتي بدأت عبر الاستيطان الرعوي، ثمّ إقامة خيام للمستوطنين، وصولاً إلى نصب كرفانات واستيطان دائم. والبؤرة الثانية أقيمت على أراضي منطقة خلة الفرن التابعة لقرية بيرين شرق الخليل، من قبل مستوطنين قادمين من مستوطنات سوسيا، وبني حيفر، وكريات أربع. 
يقول رئيس مجلس قروي بيرين، فريد برقان، لـ"العربي الجديد"، إن "جماعات المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال، نصبوا على أراضي البلدة في التاسع عشر من أكتوبر، خيمة على مساحة 400 متر، وكرفاناً كبيراً، ومدينة ملاهٍ كاملة، وتجمع فيها خلال ساعات نحو 200 مستوطن. أقيمت البؤرة على مساحة تقدّر بـ 700 دونم على قمّة جبل يسعى الاحتلال للسيطرة الكاملة عليه، وأحضر المستوطنون أغنامهم، وبدأوا يتعاملون كأن المكان ملكهم، وذلك بهدف خلق حالة من ربط المستوطنات ببعضها، من مستوطنة حاجاي جنوب الخليل، وصولاً إلى مستوطنة سوسيا في يطا، ثمّ إلى كريات أربع شرقاً، اتصالاً بالبؤرة الاستيطانية الجديدة على أراضي بيرين، والتي ستصل جغرافياً مع مستوطنة بني حيفر قرب بلدة بني نعيم، ما يعني تشكيل خطٍ استيطاني متصل من الجنوب إلى الشرق إلى الشمال، وكلّها مستوطنات على رؤوس الجبال". 
يسعى الاحتلال عبر الاستيطان على قمم الجبال إلى تحقيق أهداف عديدة، أبرزها أمنية بهدف كشف كل المناطق المحيطة في البؤرة الاستيطانية؛ وبالتالي محاصرة الفلسطينيين ضمن تكتلات وبؤرٍ استيطانية بعد أن أصبحت أماكن وجودهم تحت المراقبة، كونهم يقطنون في مناطق منخفضة مقارنة بالمستوطنات، إضافة لوجود اعتبارات أهمها خيرات الجبال مثل الينابيع المائية. 

يوضح برقان: "رغم أن المنطقة التي يفرض الاحتلال سيطرته عليها من ضمن المناطق التي تصل إليها خدمات الهيئات المحلية الفلسطينية في خلة الفرن، ووادي الأعور، وخلايل المغربي، إلا أنه يستمر في مخطط السيطرة متبعاً سياسة التدرج من خلال تسهيل وصول المستوطنين إلى هذه المناطق، وتنفيذهم اقتحامات يومية، تتبعها أعمال استيطان رعوي، ثم وضع منازل وكرفانات متنقلة، يلحقها عمليات تجريف لأراضي الفلسطينيين، وصولاً إلى السيطرة الكاملة، بحجّة أنها أراضي دولة". 
يتابع: "تعود الأراضي المستولى عليها لعائلات معروفة في القرية، مثل عائلتي الرجبي وناصر الدين، والذين يعملون على مسارٍ قانوني لوقف توسع البؤرة الاستيطانية، ثم إزالتها من خلال التواصل مع الارتباط المدني الفلسطيني، لكن ذلك لا يلغي المخاطر التي تهدف إلى تهجير السكّان. بينما لا خيار أمام سكّان المنطقة سوى الصمود، حتى لو اضطروا للعيش في المغارات، لكن استمرار السلوك الاستيطاني قد يدفعهم نحو هجرة الأرض".
قرية بيرين محاصرة من مختلف الجهات، فالشارع الالتفافي يحيطها من الشمال والغرب، والبؤرة الاستيطانية الجديدة من الشرق، ومستوطنة كريات أربع من الغرب، وبالتالي أصبحت مدخلاً رئيسياً للبؤرة الاستيطانية التي يسعى الاحتلال لتوسعتها حتى يسيطر على مساحة 7 آلاف دونم من أراضي بيرين وخلّة الفرن، خاصّة أنه يسيطر حالياً على نحو 4 آلاف دونم منها، تزامناً مع أدوات استيطانية أخرى ينفّذها الاحتلال عبر إخطار 33 منزلاً في البلدة التي يقطن فيها قرابة 400 فلسطيني باتوا كلّهم عرضة لمشروع التهجير، لا سيما بعد أن دفع الاحتلال 34 مواطناً إلى الهجرة بعد هدم منازلهم في أغسطس/آب الماضي.

اقتطع الجيش الإسرائيلي أراضي في الخليل بزعم التدريب (مناحم كهانا/فرانس برس)
اقتطع الجيش الإسرائيلي أراضي في الخليل بزعم التدريب (مناحم كهانا/فرانس برس)

في ذات اليوم الذي أقيمت فيه بؤر استيطانية على أراضي بيرين، عمد المستوطنون إلى إقامة بؤرة أخرى في مسافر يطا، على أراضي المواطن إسماعيل محمد أبو عرام، بعد أن سيطروا بحماية جيش الاحتلال على بئر مياه داخل الأرض. ويقول الناشط ضد الجدار والاستيطان، أسامة مخامرة، لـ"العربي الجديد": "حضر المستوطنون ومعهم 150 رأساً من الأغنام والمواشي، وبدأوا بممارسة الاستيطان الرعوي على مساحة خمسة دونمات من أراضي المواطنين، ثم أقاموا الخيام والحظائر، وهكذا تبدأ أساليب السيطرة الكاملة على الخربة، لا سيما وأن المستوطنين يحملون السلاح طوال فترة وجودهم، وبذلك يفرضون أمراً واقعاً، ويحولون دون مواجهتهم شعبياً، خاصّة أن بعض المواطنين حاولوا الوصول إلى أراضيهم وتعرضوا للضرب والتنكيل من قبل قوات الاحتلال، وبات يتم منع الوصول إلى أكثر من مائة دونم تحيط بالبؤرة بعد أن وضعوا يدهم عليها". 
اللافت في هذه البؤرة أنها لا تهدف كالعادة إلى ربط المستوطنات أو البؤر الاستيطانية ببعضها، إذ تحيط بها الخرب والتجمعات البدوية من كل الاتجاهات، وجدار الفصل العنصري يحاصرها من الجنوب، وهي بؤرة صغيرة تبلغ مساحة السكن فيها 12 دونماً ويقطنها نحو 10 عائلات، لكن الهدف هو التنغيص على سكّان الخربة ودفعهم نحو الهجرة، وإفراغها من أهلها تمهيداً إلى توسيعها لاحقاً، والسيطرة على المنطقة المحاذية للجدار.
يوضح مخامرة أن "المنطقة التي أقيمت فيها البؤرة من ضمن المناطق المدرجة إسرائيلياً بأنها منطقة تدريب لأغراض عسكرية، وهي من المناطق التي يحاول الاحتلال السيطرة عليها وتهجير سكّانها في مسافر يطا، بعد أن قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2022، بالسماح للجيش بترحيل الأهالي وإجراء التدريبات في المكان، كما أعطى القرار للجيش الإسرائيلي حق إجراء تدريبات بالذخيرة الحيّة بالقرب من المنازل، وكلّ ذلك يطبق بوتيرة متسارعة. ما يزيد المخاوف من هذه البؤرة هو احتمال زيادة الاعتداءات على أهالي الخرب، خاصّة أنها أقيمت على الطريق الواصل بين خرب جنبا، والحلاوة، والمركز، وهي تجمعات بدوية صغيرة يعيش سكّانها في الخيام أو الكهوف، أو بيوت مسقوفة بصفائح (الزينكو)، وباتت هذه البؤرة تعرقل الحركة بينها".
وعن الجهود القانونية حيال مواجهة البؤرة، يؤكد مخامرة أن "أصحاب الأراضي قدموا شكوى لدى شرطة الاحتلال عبر مؤسسات حقوقية، لكن لم تستجب شرطة الاحتلال إلى اعتراض أصحاب الأراضي، ولم تحضر حتى إلى موقع البؤرة، ما يوحي بأن الجهود القانونية قد لا تثمر في هذه الحالات التي تتلقى دعماً رسمياً".

يقول أحد سكّان خربة الحلاوة، حارث أبو عرام، والذي يبعد منزله عن جدار الفصل العنصري نحو 200 متر، لـ"العربي الجديد": "البؤرة تحول دون وصولي إلى أراضي عائلتي التي سيطر الاحتلال على 60 دونماً منها في الآونة الأخيرة، ومنعنا من رعي الأغنام فيها أو قطف أشجار الزيتون المثمرة، مصدر رزقنا. وفي المقابل سمح للمستوطنين بإطلاق أغنامهم بهدف تخريب المحاصيل، وحاصر عشرات المستوطنين المسلحين الأراضي ومنعوا أصحابها من الدخول إليها". 
وتحرم البؤرة أطفال سكّان المنطقة من الوصول إلى مدارسهم في القرى المجاورة، إذ باتت تقطع الطريق بين خربة الحلاوة ومنطقة الفخيت التي توجد بها مدارس المسافر، علاوة على تنفيذ المستوطنين هجمات لقطع الطريق على المواطنين لتقييد الحركة، ومنعهم من الخروج إلى مناطق أبعد من الخربة، ما يعني فتح الباب للمستوطنين بالدخول والسيطرة على ما تبقى من الخربة.
ويقول أبو عرام: "وثقنا اعتداءات المستوطنين، وتوجهنا لمركز الشرطة الإسرائيلية في مستوطنة كريات أربع، لكنهم رفضوا استقبال الشكوى بحجّة الأعياد اليهودية. يتعمد المستوطنون إطلاق القنابل الضوئية فوق المنازل، ويهاجمون البيوت والكهوف، ويسرقون مقتنيات الناس وممتلكاتهم، ويطلقون الرصاص في محيط المنازل بهدف دفعهم للمغادرة بعد أن قطعوا مصدر رزقهم. خيارنا هو الصمود في الأرض، لكن للأسف هناك الكثير من الناس الذين يشعرون باليأس إثر انعدام عوامل الصمود".