عرف الطفل الفلسطيني إلياس محمود كنعان (9 سنوات) الطريق الذي يرغب في أن يسلكها باكراً، حين اكتشف موهبته في الرسم. وكغيره من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يرغب في العودة إلى بلاده التي سمع عنها قصصاً لا أكثر، وقد اختار المقاومة من خلال الرسم.
بدأ إلياس الرسم حين كان في الرابعة من عمره. كان يرسم بالقلم، ولاحظت معلمته موهبته وهو في سن السادسة. يتحدر من بلدة صفورية (إحدى قرى قضاء الناصرة) في فلسطين، وولد في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان). يقول: "كنت أسكن في حي الطيري في المخيم الذي شهد اشتباكات سقط نتيجتها عدد من الجرحى والقتلى، بالإضافة إلى تدمير البيوت. شعرت وقتها بالخوف والألم من هذه الاشتباكات، واضطررنا لاحقاً إلى ترك المخيم والسكن مع جدتي في حي الزهور في منطقة صيدا".
يتابع: "أحب الرسم لأنني أستطيع التعبير عما يدور في داخلي. من خلال الريشة والقلم، أستطيع محاربة العدو الصهيوني الذي سلبنا أرضنا، وأحب أن أتمثل بالرسام الشهيد ناجي العلي الذي حارب العدو من خلال رسوماته".
في الوقت الحالي، يتعلم الرسم في مدرسة الإصلاح الثانية المختلطة الرسمية في مدينة صيدا. "حين كنت في الصف الأول أساسي، طلبت منا المعلمة رسم صورة وضعتها على اللوح في الصف. كانت رسمتي مختلفة، فلاحظت موهبتي وبدأت تعلمني تقنيات الرسم، وأخبرت أمي بالأمر وأخبرتها بضرورة أن أتدرب على الرسم. وبالفعل، يتحقق ذلك".
يتابع: "لوحتي الأولى كانت للشهيد أبو عمار. كنت أعيش في المخيم، وفي ذكرى استشهاده، كانت جدران المخيم مليئة بصوره. طُبِعت الصورة في ذهني، وعندما أتيت إلى البيت رسمت صورته. دُهش أهلي حين رأوها. ومنذ ذلك الوقت، يشجعونني على الرسم".
ويقول إلياس: "بدأت الرسم على أوراق عادية وبقلم الرصاص والألوان. ثم بدأت المعلمة تدريبي على أساسيات الرسم، كالتمييز بين الألوان الباردة والحارة. ثمّ بدأت الرسم على لوحات صغيرة. وبالفعل، نجحت في ذلك، وكنت سأشارك في معرض كان سيقام في بلدية صيدا. لكن خلال انتفاضة 17 تشرين (تشرين الأول/أكتوبر)، تم إلغاء المعرض. اليوم، أحلم بأن أشارك بمعرض للرسم في أية فرصة".
يشير إلى أن أمه تساعده في تأمين أدوات الرسم من لوحات وألوان. "وحتى أنها تراقب رسوماتي. وطلبت مني أن ألون رسوماتي بالبن. وبالفعل جربت الأمر". يتابع: "قدوتي هو الفنان ناجي العلي. أريد إيصال رسالتي لأطفال العالم كلهم حتى ينظروا إلى قضيتنا الفلسطينية، ويعرفوا مدى العذاب الذي يعيشه الأطفال الفلسطينيون سواء في الداخل أو في الشتات. يجب أن يعلم الجميع أننا أصحاب حق وقضية ويجب أن نعود إلى أرضنا، وأن نسترجعها من أيادي العدو، لأننا نريد أن نعيش بأمان في بلدنا كأي طفل يعيش في بلده في هذا العالم".
للبومة في رسومات إلياس أولوية. يقول: "أحب رسم البومة لأنني أشعر بأنها تشبهني. هي كائن أليف مسالم لا يؤذي أحدًا، ولا تخرج من بيتها في النهار. وأنا مثلها لا أحب الخروج من البيت. كذلك، أرسم الحيوانات والطبيعة والفنانين". يختار إلياس رسوماته من خلال الإنترنت. يصوّرها ويعمل على تقليدها. وفي معظم الأحيان، تكون الرسومات منطبعة في ذهنه فلا يحتاج إلى تصويرها.
يتمنّى إلياس التخصص في الهندسة المعمارية في المستقبل، ومتابعة مسيرته في الرسم، وأن يصير فنانًاً شهيراً يستطيع إيصال رسالته إلى العالم. يقول: "أتمنى أن أكون كناجي العلي الذي استشهد من أجل القضية الفلسطينية. سأفعل مثله لأنني لا أخاف العدو الصهيوني". يختم حديثه قائلاً: "أتمنّى العودة إلى فلسطين، وسأُحارب من أجل استرجاعها من خلال رسوماتي، وحتى بالمقاومة. وأنا كسائر الأطفال، يحق لي العيش في أرض وطني وأنال حقوقي كاملة، لأنّني صرت أخشى على مستقبلي في لبنان، وألا أجد عملاً بعدما أدرس وأتعب وأتخرّج".
ربما لا يعرف إلياس كثيراً عن ارتفاع نسب البطالة في لبنان، والواقع الصعب الذي يعيشه الشباب الفلسطينيون في المخيمات، وقلة الفرص المتاحة أمامهم في لبنان. لكن في الوقت نفسه، يسمع قصصاً كثيرة من هنا وهناك، ليكبر وهو يشعر بالخوف من المستقبل. في الوقت نفسه، سيتّكل على الرسم ليكون مساحته الخاصة للابتعاد عن الواقع.. والتغيير.