إنجاب التوائم... رغبات جامحة للأزواج في الصين

02 مارس 2023
يختصر الإنجاب المتعدد الوقت والجهد (إيف دين/ Getty)
+ الخط -

يعتبر إنجاب التوائم في الصين حدثاً مبهجاً، وغالباً ما تتصدر حالات حمل المشاهير بالتوائم عناوين الصحف ووسائل الإعلام. وما يثير هذه الدهشة القيود الصارمة التي فرضت من أجل تنظيم النسل في البلاد، على مدار العقود الماضية، والتي جعلت كل أسرة تكتفي بإنجاب طفل واحد. ورغم ارتفاع معدلات العقم في البلاد تجاوز متوسط معدلات الحمل المتعدد 40 في المائة في عام 2020، مقارنة بالأعوام العشرة الماضية، ما يعكس رغبة جامحة لدى النساء في إنجاب توائم. وعزا خبراء ذلك إلى ارتفاع نسبة الهرمونات في حالات الحمل المتأخر، وتعاطي عقاقير الخصوبة بشكل مفرط، واللجوء إلى تقنيات التخصيب الاصطناعي. لكنهم حذروا من المخاطر الصحية، مثل ارتفاع معدل الإصابة بسكري الحمل، وضغط الدم، والإجهاض المبكر، وقالوا إنه "يتعين بذل مزيد من الجهود الحكومية والتوعية المجتمعية لثني النساء عن محاولة إنجاب توائم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

الحمل في الأربعين
تقول شين شين السيدة في عقدها الرابع التي فضلت عدم كشف اسمها الحقيقي، وكانت قد نجحت في إنجاب توأم بعد خوض تجربة مريرة مع التلقيح الاصطناعي، لـ"العربي الجديد": "تزوجت في سن متأخرة بسبب انشغالي بالعمل، وحين قررت الإنجاب كنت قد بلغت 33 من العمر، وحاولت مع زوجي الإنجاب بشكل طبيعي لكننا فشلنا. وبعد خمس سنوات من المحاولات فقدنا الأمل فقررنا اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي، وعلمت أنه يمكن أن أنجب توأماً بهذه الطريقة، فرحبت بالفكرة لأنها تختصر عليّ الوقت والجهد لإنجاب طفل ثانٍ أو ثالث، وقبل أن أجري العملية حذرني الأطباء من المخاطر الصحية، نظراً لتقدمي في السن، لكنني أخذت على عاتقي تحمل المسؤولية، وأجريت عملية تخصيب أولى فشلت، ثم عملية ثانية، ونجحت في الحمل بتوأم، غير أنني بدأت أعاني في الشهر الثالث من الحمل من اضطرابات صحية أدت إلى الإجهاض". تتابع: لم أفقد الأمل، وأجريت عملية ثالثة بعد عام حين كنت على مشارف الأربعين، فثبت الحمل هذه المرة، ونجحت في إنجاب توأم ذكور، والطفلان في صحة جيدة الآن".
من جهتها، تقول لو تشان (36 عاماً) التي لم تنجب بسبب الظروف الاقتصادية لـ"العربي الجديد": "تبدو فكرة إنجاب توأم مغرية وجميلة، فمن جهة يمكن أن تقلص مدة الرعاية مقارنة بالجهد المبذول للاهتمام بطفلين متفاوتين في العمر، وكذلك التكلفة الاقتصادية لشراء ملابس واحتياجات أساسية، لأنها تقسم في النهاية على اثنين، ومن جهة أخرى، تخلق الفكرة شعوراً جميلاً لدى المرأة بأنها أم لتوأم في مجتمع لم يعتد هذه الظاهرة من قبل، أما ما يمنع ذلك فهو التكلفة العالية لعملية التخصيب الاصطناعي والمخاطر الصحية، كما أن العديد من العائلات لا تملك الرغبة والقدرة على إنجاب طفل واحد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

الإنجاب المتعدد وسيلة مواجهة الصين ارتفاع معدلات الشيخوخة (جايد غاو/ فرانس برس)
الإنجاب المتعدد وسيلة مواجهة الصين ارتفاع معدلات الشيخوخة (جايد غاو/ فرانس برس)

وجاهة اجتماعية
يعلّق الباحث في مركز لويانغ للدراسات الاجتماعية جياو ون على ظاهرة الإنجاب المتعدد بالقول لـ"العربي الجديد": "قد يكون لتشجيع الحكومة والسماح باستخدام أدوية الخصوبة لتحقيق ولادات متعددة دور كبير في زيادة إقبال النساء على إنجاب التوائم، علماً أن هذه الأدوية كانت محظورة في السابق، حين كانت سياسة الطفل الواحدة سارية المفعول". 
ويوضح أن "سبب حث الحكومة على الإنجاب المتعدد يعود إلى تراجع نسبة المواليد الجدد إلى معدلات غير مسبوقة، وكذلك إلى عزوف أزواج شباب عن الإنجاب، ما بات يؤرقها". ويلفت إلى أنه "في السنوات السابقة كانت المرأة التي تحبل بتوأم تذهب إلى هونغ كونغ لتلقي الرعاية اللازمة، ما جعل فرص إنجاب توائم في البر الرئيسي الصيني متدنية، في ظل عدم تجهيز البنية التحتية الصحية أيضاً للتعامل مع هذه الحالات التي تشهد عادة اضطرابات صحية تستدعي مراقبة دقيقة. أما اليوم فأصبح لدى الصين العديد من العيادات والمراكز المتخصصة لتأهيل ومتابعة هذه الحالات". 
ويضيف: "رغم الاهتمام المتزايد في هذا المجال، تستطيع قلة من النساء خوض تجربة الإخصاب الاصطناعي والحمل بتوأم بسبب التكاليف الباهظة، لذا يكاد الأمر يقتصر على الطبقات الثرية في المجتمع، والتي تملك أيضاً القدرة على السفر إلى الخارج لإجراء هذا النوع من العمليات مع توفير مستوى رعاية أكثر كفاءة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشدد جياو في الوقت ذاته على أن "نسب إقبال المتزوجين على الإنجاب المتعدد لا يمكن أن يستهان بها، باعتبار أن طبقة الأثرياء تمثل نسبة عالية من المجتمع الصيني. وهذا التوجه يعكس رغبة جامحة لدى الأجيال الجديدة في التحرر من التقاليد القديمة، والانفتاح أكثر على الثقافات الغربية، علماً أن هذا الأمر لم يعد يقتصر فقط على فكرة الإنجاب المتعدد، إذ تراود أفكار غريبة الشباب، مثل تغيير الجينات، من خلال إجراء عمليات التخصيب بلا زواج باستخدام حيوانات منوية تعود إلى ذكور من أجناس أخرى، وذلك لغرض الوجاهة الاجتماعية".
وكانت السلطات الصينية قد سمحت قبل نحو عامين بإنجاب طفل ثالث، في إطار إجراءات طارئة اتخذتها لمواجهة تداعيات سياسة الطفل الواحد التي استمرت لعقود. وتواجه الصين حالة طوارئ ديموغرافية، في ظل ارتفاع معدلات الشيخوخة، وتراجع عدد المواليد الجدد الذي شهد انخفاضاً حاداً خلال العامين الماضيين بنسبة 15 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة. ويقل هذا العدد بكثير عن 14 مليوناً، مقارنة بالمتوسط السنوي البالغ 16 مليوناً.

المساهمون