إيرانيون يحتفلون بعيد النوروز بتحفظ

25 مارس 2021
احتفل الإيرانيون على الرغم من الظروف الصعبة (أمين محمد جمالي/ Getty)
+ الخط -

ودّع الإيرانيون، السبت الماضي، عاماً آخر في تمام الساعة الواحدة وسبع دقائق و28 ثانية ظهراً، لحظة الانقلاب الربيعي وفق التقويم الشمسي، ليدخلوا عاماً جديداً وهم جالسون على سفرة "السينات السبع" (من التقاليد الحصرية لدى الإيرانيين لاستقبال الربيع). لكنّ العام الماضي لم يترك لهم ذكريات جميلة، في ظل أزمة اقتصادية خانقة واستمرار تفشي فيروس كورونا الجديد وفقدان كثير من الأحبة والأصدقاء.
واستقبل الشعب الإيراني عام 1400، وهو العام الأخير قبل انطلاق القرن الخامس عشر وفق التقويم الهجري الشمسي، وسط ظروف معيشية ونصحية صعبة، مع انعدام آفاق واضحة لنهاية الجائحة والأزمة الاقتصادية. وقبل أيام من حلول "النوروز"، كانت الحركة ضعيفة في الأسواق والشوارع، فالظروف الراهنة حالت دون أن يتمكن كثير من الإيرانيين من القيام بتحضيرات العيد كالسابق. ومنع الغلاء العديد من العائلات من تجديد أثاث البيت هذا العام، بحسب طقس "خانه تكاني" التقليدي، أي تنظيف البيت وتجديد الأثاث.  

وعلى الرغم من تراجع أعداد الزبائن، لم تفقد الأسواق حيويتها. ويقول علي أحمد زادة، الذي يبيع المكسرات في سوق طهران الكبير، لـ"العربي الجديد" إنّ "السوق كما تلاحظون مكتظ بالناس، لكنّ الشراء ليس كالأعوام الماضية. على سبيل المثال، كان الزبون يشتري نحو 4 كليوغرامات من المكسرات، إلا أنّه يكتفي اليوم بكيلوغرامين".  
كعادتها، استقبلت الشوارع الإيرانية النوروز بالزهور وعروض فنية قدمها "حاجي فيروز" (شخصية خيالية مرتبطة بعيد النوروز. ويطوف الحاج فيروز ــ بعدما يصبغ وجهه بلون أسود – في شوارع المدن في بداية عيد النوروز، منشداً قصائد شعبية). لكن هذا العام، لأول مرة، جالت دمى كبيرة مع "حاجي فيروز" في شوارع طهران، مثلت كلّ واحدة منها قومية إيرانية، من الكرد والترك والعرب والبلوش والتركمان، وهو ما لفت انتباه المارة.  
ومساء الأربعاء، 17 من مارس/ آذار الجاري، دشّن الإيرانيون احتفالات العام الجديد بإحياء طقس "الأربعاء الأحمر" من خلال إطلاق المفرقعات والألعاب النارية بكثافة، وإشعال النار في الساحات والحارات وعلى أسطح المنازل وأمامها، والقفز عليها. لكن أودت احتفالات "الأربعاء الأحمر" أو "جهارشنبه سوري" بالفارسية، بحياة 10 أشخاص وجرح أكثر من ألفين.  
ودخلت البلاد في عطلة رسمية هي خمسة أيام للدوائر والمؤسسات الرسمية، وأسبوعان للمدارس والجامعات والمعاهد. وعادة ما يستغل الإيرانيون أيام العطلة هذه للقيام برحلات داخلية وخارجية، وزيارات عائلية، لكنّ كثيرين منهم باتوا غير قادرين هذا العام على السفر. في هذا السياق، تقول كوثر فهيمي، القاطنة في مدينة بوكان في محافظة أذربيجان الغربية، لـ"العربي الجديد" إنّ أسرتها ستضطر إلى البقاء في المنزل خلال العطلة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للعائلة واضطرار زوجها إلى العمل في أيام العطلة من الصباح حتى المساء. تضيف: "في الغالب، سنزور بعض أقاربنا مساءً، بعد عودة زوجي من العمل، طبعاً إذا سمحت ظروفه الصحية، ولم يكن مرهقاً كثيراً". 

تحضير عيد النوروز وسط كورونا في إيران 5 (عطا كناري/ فرانس برس)
حاجي فيروز (عطا كناري/ فرانس برس)

تضيف كوثر أن أسرتها مكونة من ثلاثة أشخاص (الزوج والزوجة وابنهما). يعمل زوجها في محل لبيع إطارات السيارات ويتقاضى شهرياً مليوناً و500 ألف تومان (نحو 60 دولاراً). وتقول: "لا نستطيع أن نسافر لأنّ الغلاء يحاصرنا وتكاليف السفر مرتفعة. كذلك فإنّ تفشي كورونا زاد الوضع سوءاً". في الوقت نفسه، لا تريد كوثر وأسرتها تفويت فرصة "سيزده بدر"، آخر أيام العطلة، للتسلية خارج البيت. وتقول: "ننوي أن نخرج إلى متنزه قريب من المدينة لقضاء هذا اليوم بعيداً عن مشاكل الحياة اليومية".  
وفي يوم "سيزده بدر" الذي يأتي هذا العام يوم الجمعة الموافق 2 إبريل/ نيسان المقبل، يخرج ملايين الإيرانيين منذ الصباح الباكر في ما يشبه تظاهرة شعبية فولكلورية، متجهين إلى الصحراء والأودية والحدائق العامة، ويمارسون عادات وطقوساً تاريخية. كذلك، يصرّ البعض على قضاء العطل خارج مدنهم والقيام برحلات داخلية نحو محافظات أخرى، وبالذات الشمالية على ساحل بحر قزوين، خصوصاً أنّهم خلال "النوروز" الماضي التزموا البيوت في بداية تفشي كورونا. لكن مع مرور الوقت، بات الأمر عادياً، ولم يعد في إمكانهم البقاء في سجن فرضه الفيروس.  
قاسم ساماني، أحد هؤلاء، وقد قصد محافظة مازندران على بحر قزوين برفقة أسرته وأشقائه وشقيقاته. يقول لـ"العربي الجديد": "مرّت أسرتي بظروف نفسية ومعيشية صعبة خلال العام الماضي بالنظر إلى تفشي الجائحة والوضع المعيشي الصعب. لذلك، وجدت أنّ من الضروري تغيير الأجواء والذهاب معهم إلى رحلة داخلية لتسليتهم، على الرغم من وضعي الاقتصادي المتردي". يضيف ساماني الذي يسكن في جنوب العاصمة طهران أنّ دخله الشهري نحو 3 ملايين تومان (120 دولاراً) و"لا يكفي لتغطية تكاليف حياة أسرتي"، موضحاً أنّ "كورونا والمشاكل الاقتصادية سرقا البهجة منا ولم نعد نحتفل بالأعياد كما في السابق، لكنّنا في الوقت نفسه نريد أن نعيش مهما كانت الظروف، فالحياة صعود وهبوط، المهم ألّا نفقد أملنا". 

بدورها، دعت وزارة الصحة، الإيرانيين خلال الشهر الأخير إلى تجنب الرحلات الداخلية، وسط مخاوف من موجة كورونا الرابعة، وارتفاع طفيف في إصابات كورونا ووفياته، مع إعلان مهلة ثلاثة أيام للمسافرين للعودة من المدن التي تشهد تصاعد كورونا وتحول الإنذار فيها من "الأبيض" و"الأصفر" إلى "الأحمر" و"البرتقالي"، بحسب مستوى تفشي الفيروس، وإلّا فستفرض غرامات على السيارات المتنقلة.

المساهمون