استدعت نيابة جنوب القاهرة المحامي المصري أحمد حلمي للتحقيق معه، بعدما أعرب في واحدة من مرافعاته القانونية عن وجود "قصور تحقيقات نيابة أمن الدولة" في جلسة تجديد حبس أحد المتهمين، وهو ما اعتبره القاضي "إهانة لنيابة أمن الدولة".
وخلال جلسة التحقيق مع المحامي، اليوم الأربعاء، حضر معه كل من عضو مجلس نقابة المحامين المصريين لجنوب القاهرة عمرو الخشاب، وعدد من ممثلي مجلس نقابة المحامين المصريين، بوجود مدير نيابة جنوب القاهرة والمحامي العام لنيابات جنوب القاهرة.
الواقعة تعدّ سابقة لكونها تطوّرت لاستدعاء المحامي والتحقيق معه رسمياً، إذ إنّ مثل تلك المناوشات بين المحامين وقضاة النيابات كانت تنتهي غالباً بحلول ودية وتدخل أطراف عليا من الطرفين. لكن هذه المرة يبدو أنه كان هناك إصرار على إحالة محام للتحقيق بسبب تأديته عمله، في تناقض واضح وصريح لمبدأ حقوق المرافعة والمهنة، ويبدو أنها سابقة لن تكون الأخيرة، وإنذار شديد اللهجة لباقي المحامين الحقوقيين.
المحامي المحال للتحقيق أشار بدوره لقصور نقابة المحامين عن الدفاع عن أعضائها، موجهاً رسالة ساخرة لنقيب المحامين المصريين، رجائي عطية، عبر حسابه الخاص على فيسبوك، قال فيها: "السيد الأستاذ نقيب المحامين رجائي عطية، السادة المحترمين أعضاء مجلس النقابة العامة ونقابة جنوب القاهرة عمرو الخشاب، رمضان عيد كشك، تحية تقدير وبعد: بمناسبة احتفالكم الموقر بعيد المحاماة، وبعيداً عن الشعارات التي تحملها لافتاتكم والتي لا يتحقق منها أي شيء على أرض الواقع، وتوصيات مؤتمراتكم التي لا تعدو أن تكون مجرد حبر على ورق. تلقيت اليوم استدعاءً من نيابة جنوب القاهرة بطلب حضوري لجلسة تحقيق في المذكرة المقدمة من نيابة أمن الدولة العليا والسيد المستشار محمد كمال رئيس محكمة الجنايات وقاضي تجديد الحبس بغرفة المشورة بمعهد أمناء الشرطة، لاتهامي بإهانة هيئة قضائية وهي نيابة أمن الدولة، على سند من القول إنني أثناء المرافعة أمام المحكمة بجلسة تجديد الحبس تحدثت عن دفع قانوني يسمى القصور في التحقيقات".
وتابع: "قلت إن تحقيقات النيابة شابها القصور لأنها لم تلم في أسئلة التحقيق بعناصر الركن المادي للجريمة، وإن أسئلة النيابة في التحقيق خرجت كليا عن موضوع الدعوى ولم تواجه المتهمة بالأفعال المنسوبة إليها، وإنما اقتصرت على بيان حالتها الاجتماعية وملبسها وظروفه دون أن يكون بالتحقيقات ثمة سؤال عن الأفعال المنسوبة لها ومواجهتها بتفاصيل وقوع تلك الأفعال، فاعتبر السيد المستشار ذلك الدفع إهانة للنيابة وطلب من ممثل النيابة تحرير مذكرة بذلك".
وأضاف المحامي: "فإذا كان الدفاع القانوني على هذا الحال يعتبر سبباً لحبس محامٍ أثناء وبسبب تأدية عمله، وإذا كانت مرافعة المحامي أمام المحكمة ستنتهي بحبسه، فكل عام وحضراتكم بخير بمناسبة عيد المحاماة، وشكر الله سعيكم. بالنسبة لي أنا سأحضر التحقيق واتحبس عادي جداً، لكن بالنسبة لحضراتكم يا ترى إيه موقفكم من حبس المحامي أثناء وبسبب تأدية عمله، مش بس كده ده في وسط المرافعة كمان".
واختتم منشوره بـ"بالنسبة لي هفضل أقول نيابة أمن الدولة تخالف القانون بشكل واضح وصارخ دون أي حساب، واتحبس اتحبس مش حدوتة يعني".
في السياق ذاته، أعلن عدد من المحامين المصريين تضامنهم مع زميلهم، في استدعاء النيابة له.
ومن بين المحامين الذين أعلنوا تضامنهم مع حلمي، المحامي الحقوقي خالد المصري، الذي أعلن التقدم بشهادته يوم الجلسة كونه كان حاضراً فيها وشاهداً على ما حدث فيها.
كذلك أعلن المحامي الحقوقي والنقابي السابق منتصر الزيات تضامنه مع زميله، وكتب "أحمد حلمي عندما يكتب ليس طلباً للتضامن؛ إنما وصفاً لواقع مرير كالعلقم وصلنا إليه في الاعتداء على قيمة المحاماة الرفيعة أثناء وبسبب ممارستها لواجبها".
وكذلك أعلن المحامي المصري فاروق عبد الباري، تضامنه مع زميله فيما يتعرض له بسبب أدائه رسالة الدفاع، أثناء مرافعته وإبداء دفاعه عملاً بنص المواد 47 ،48، 49 ،50، 50 مكرر من قانون المحاماة.
ويتواصل استهداف المحامين في مصر منذ سنوات، حيث رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الانتهاكات الجسيمة التي يتعرّض لها المحامون الحقوقيون في مصر، من سجن وملاحقات أمنية ومنع من السفر ومصادرة للأموال والممتلكات، على الرغم من أنّ الأصل والفرض القانوني يوجب على النيابة العامة النظر في التهم أو الشكاوى الموجّهة ضد المحامين بصفتهم المهنية على وجه السرعة وبصورة منصفة ووفقاً ﻹجراءات مناسبة بعد سماع أقوالهم بطريقة عادلة.
وفي تقرير لها في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، أكّدت الشبكة أنّ الممارسة العملية بحق المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان أسفرت عن القبض على العديد منهم وتعرّض الكثيرين منهم إلى انتهاكات جسيمة، في مسلك منافٍ لالتزامات الدولة التي يجب أن تفي بها كحقوق أساسية للمحامين.
واعتبرت الشبكة أنّ جميع المسؤولين بالدولة، وعلى رأسهم النائب العام، مدعوون فوراً إلى البدء في الوفاء بالتزاماتهم القانونية واتخاذ إجراءات عاجلة وعمل حقيقي نزيه وجاد لضمان حقوق المحامين دون انتقاص، على اعتبار أنه لن يكون هناك نظام قانوني كامل دون أن يكون هناك محامون مستقلون قادرون على الاضطلاع بأعمالهم بحرية ودون خوف من أن يُنتقم منهم.
كل هذه الانتهاكات المتكرّرة، قوبلت بمواقف قلّت حدتها كثيراً بتقدم السنوات وبتطور علاقة نقباء المحامين مع النظام المصري، وهي الظاهرة التي رصدتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في تقرير آخر بعنوان "نقابة المحامين.. فاعلية ماضية وحاضر مطيع ومستقبل غائب"، رصدت فيه تاريخ نقابة المحامين الذي يعكس تماماً تطوّر حالة الحقوق والحريات العامة وتراجعها، وكجزء فاعل في تركيبة مؤسسات المجتمع المدني المصري.