اجتياح رفح... تهجير جديد يدفع الفلسطينيين إلى المجهول

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
06 مايو 2024
إسرائيل بدأت بإخلاء رفح.. هل انطلقت عملية اجتياحها؟
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، تلقى سكان المناطق الشرقية من مدينة رفح اتصالات من جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذرهم من عمليات عسكرية واسعة وتطلب منهم إخلاء منازلهم، مع توجيههم للانتقال إلى منطقة المواصي في خانيونس.
- الإعلان عن الإخلاء أدى إلى حالة من الذعر بين السكان، مما دفع الآلاف للنزوح غربًا بحثًا عن مأوى في ظل ندرة وسائل النقل والوقود، واضطرارهم لإعادة نصب خيامهم في مناطق لا توفر أي مأوى.
- تزايد تحليق طائرات الاستطلاع وإلقاء مناشير تحذيرية يطلب من السكان إخلاء المناطق المحددة، مما يضطر النازحين للبحث عن الأمان مرة أخرى في ظل تجاهل المجتمع الدولي والدول العربية لمعاناتهم، مما يضعهم أمام مستقبل غامض وصعب.

مع حلول الساعات الأولى من صباح اليوم الاثنين، بدأ سكان المناطق الشرقية من مدينة رفح يتلقون اتصالات على هواتفهم المحمولة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تضم رسائل صوتية مسجلة يطلب فيها منهم إخلاء كافة المناطق التي يتواجدون فيها، ومن بينها عدد من البلدات وصولاً إلى حدود وسط المدينة، قبل البدء في عمليات عسكرية واسعة بتلك المنطقة.
شملت التحذيرات الطلب من الأهالي عدم التوجه إلى مناطق البلد والسلطان والحي السعودي، والتي كان الاحتلال يدعي سابقاً أنها آمنة، ويطلب منهم التوجه إلى منطقة المواصي في مدينة خانيونس، محذراً من التوجه إلى مدينة غزة أو المنطقة الشمالية التي لا تزال محاصرة، ويعتبرها جيش الاحتلال منطقة قتال، كما هو حال المنطقة الشرقية في رفح في الوقت الحالي.
وتوجه الآلاف من المناطق الشرقية في رفح إلى غربي ووسط المدينة، وإلى غربي مدينة خانيونس (جنوب) وشمالي مدينة دير البلح (وسط) على الرغم من ندرة وسائل المواصلات من جراء عدم توفر الوقود في القطاع، وهم ينوون إعادة نصب خيامهم في تلك المناطق في ظل عدم توفر أي مأوى فيها.
ويتواجد في رفح قرابة 1,5مليون نسمة، غالبيتهم نازحون من من مدينة غزة وشمالي القطاع خلال شهور العدوان الإسرائيلي الماضية، وقد انتشرت حالة من الذعر بين النازحين المتواجدين في شرقي رفح، وعلت أصوات بكاء الأطفال والنساء في مشهد الإخلاء، إذ حمل كثيرون أمتعتهم متوجهين إلى مناطق وسط مدينة رفح، أملاً في الحصول على وسيلة نقل توصلهم إلى المنطقة الغربية وشارع الرشيد الذي يؤدي إلى منطقة المواصي في خانيونس.
وزاد توتر العائلات بعد تزايد تحليق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في المنطقة، وقيامها بإلقاء مناشير تحذيرية تطلب إخلاء المناطق المميزة باللون الأحمر في خريطة الاحتلال التي جرى تعميمها، وبعضهم تلقوا تهديدات عبر الهواتف قبل إلقاء المناشير التحذيرية من أجل الإسراع بإخلاء المنطقة التي يتواجد النازحون فيها منذ نحو سبعة أشهر.

انتشرت حالة من الذعر بين جميع المتواجدين في مدينة رفح

تضم مناطق الإخلاء المناطق الشرقية من بلدة الشوكة، وحي السلام، وحي الجنينة، ومنطقة تبة زارع، ومنطقة البيّوك، كما تشمل مناطق أخرى منها مربعات سكنية غرب حي السلام، ومناطق مدارس النازحين، ومربع مسجد عابد الرحمن بمنطقة الفالوجا، والخطير في الأمر أن الخريطة شملت أيضاً المنطقة التي تضم مستشفى أبو يوسف النجار، وهي المستشفى الوحيد في مدينة رفح.
غادر عدد من النازحين مدرسة حيّ السلام في شرق مدينة رفح، وهي تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتضم ما لا يقل عن 12 ألف نازح من مختلف مناطق قطاع غزة، وخرج هؤلاء رغم أمطار الصباح باتجاه الغرب وصولاً إلى منطقة المواصي، والعديد منهم بلغ عدد مرات نزوحهم ثماني مرات. 
من بين هؤلاء عائلة كريم أبو سخيلة، والذي وصل إلى منطقة البلد في رفح، وكان ينتظر دوره بين آلاف المتواجدين في ساعات الظهر حتى تنقله إحدى العربات التي يجرها حمار. يقول إنه يعيش حالة من الضغط النفسي الحاد، إذ كان في الأيام الماضية يترقب مع كثيرين في المدرسة التي نزحوا إليها، أخبار المفاوضات الجارية في العاصمة المصرية القاهرة، على أمل أن يتوقف العدوان الإسرائيلي، ويعودوا إلى منازلهم التي لا يعلمون عنها شيئاً في شمالي قطاع غزة، والتي غادروها قبل ستة أشهر.

حملوا ما يملكونه من متاع خلال رحلة التهجير (دعاء الباز/الأناضول)
حملوا ما يملكونه من متاع خلال رحلة التهجير (دعاء الباز/الأناضول)

مع حلول ساعات الصباح الأولى، شعر أبو سخيلة بالخذلان بعد أن بدأت اتصالات جيش الاحتلال بهواتف الكثير من النازحين، وسرعان ما نزلت المناشير بالقرب من المدرسة التي تضم أعداداً كبيرة من كبار السن والأطفال الذين لا يعرفون إلى أين يتوجهون. يقول لـ"العربي الجديد": "أتواجد في قلب مدينة رفح، وأحمل في جيبي 20 شيكلاً (5.30 دولارات) حتى أعطيها لصاحب العربة كي يوصلني إلى منطقة المواصي. في المرات الأولى كنت أنزح مجبراً، والآن أسير بينما لا أبالي بشيء، وما يحزنني أن لدي أربعة أطفال، أصغرهم سارة التي ولدت في وسط القطاع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي".
يضيف: "عشت ذلاً كبيراً خلال فترات الجري وراء المساعدات لإطعام أطفالي، ومحاولة تأمين الحفاضات لابنتي سارة التي لم يبلغ بعدُ عمرها ستة أشهر، ولا تعرف شيئاً في الدنيا، وأريد أن أحميهم من الموت، لكن يجب علينا دفع ثمن التخاذل الكبير، فقد علقنا آمالنا على الدول العربية والمجتمع الدولي لفترات طويلة، لكننا كالعادة، وبعد سبعة شهور، لم نرَ سوى الخذلان".
وتعتبر المناطق الشرقية لمدينة رفح في غالبيتها مناطق زراعية، وبعضها مناطق تجارية قريبة من السلك الفاصل مع مناطق غلاف غزة، وتعيش فيها عائلات من أصول بدوية منذ عشرات السنين، وكانت ضمن المناطق التي تشهد القصف في كل عدوان إسرائيلي، وقد تعرضت للتهديد في بداية العدوان الحالي.
إلى جوار أبو سخيلة وزوجته، تنتظر الغزية مروى عبد المعطي (36 سنة) مع اثنين من أطفالها، وقد استشهد زوجها وابنها الثالث في مدينة خانيونس، بينما المتبقون من عائلتها لم يغادروا المنطقة الشمالية المحاصرة، وهي لا تستطيع الوصول إلى تلك المنطقة بسبب منع الاحتلال لذلك، لكنها تحاول البقاء على تواصل معهم بشكلٍ يومي.

غالبية العائلات المهجرة ليس لديها مأوى (دعاء الباز/الأناضول)
غالبية العائلات المهجرة ليس لديها مأوى (دعاء الباز/الأناضول)

تتمسك عبد المعطي بالبقاء قريبة من زوجة أبو سخيلة كونها لا تعرف أحداً في جنوب غزة، وقد كلفتها رحلة النزوح استشهاد زوجها صالح عبد المعطي (40 سنة) وابنها عز الدين (10 سنوات)، وكانت تبكي تحت الأمطار التي تعيق التنقل، وملابسها وكذلك ملابس طفليها ملطخة بالأوحال التي تغطي الشوارع.
تقول عبد المعطي لـ"العربي الجديد": "لا أملك ملابس أخرى، ولا أعرف إلى أين نذهب. تحملت الفقد والتشرد، وعائلتي وكذلك عائلة والدتي فيهما شهداء كثيرين. أشعر كأنني أحلم، وأريد الاستيقاظ على حياتي السابقة. إنهم يريدون قتلنا وقتل أطفالنا، لذا أريد النزوح حتى لا أفقد المزيد من أطفالي".
وزاد قلق الغزيين في مدينة رفح في ظل كون السيناريو نفسه اتبع سابقاً من الاحتلال في المحافظات والمناطق التي استهدفها في السابق، إذ كان يقوم بتهديد السكان ويطالبهم بالإخلاء، وحين يتوجهون إلى المناطق التي جرى تحديدها، يقوم بمباغتتهم بالقصف، ويقوم بعمليات عسكرية في كل المناطق. لكن الواقع أكثر صعوبة في مدينة رفح، حيث لا يمكن للغزيين الإخلاء.
يحضّر عبد الله شمالي نفسه للنزوح بعد أن تجهز عائلته جميع أغراضها الشخصية، وهو واحد ممن فقدوا أعداداً من أفراد عائلتهم في حي الشجاعية بمدينة غزة، كما لا يزال عدد آخر من بين المفقودين. يقول شمالي لـ"العربي الجديد": "الجميع في المنطقة الشرقية من رفح، سواء السكان أو النازحون، باتوا مهددين بالقتل، والاحتلال يطلب منهم الذهاب إلى مناطق مدمرة أساساً، ولا يوجد فيها أي مقومات حياة، لكني مضطر للنزوح مع عائلتي المكونة من ثمانية أفراد. دمر الاحتلال البنية التحتية في شرقي رفح خلال الأشهر الماضية عبر القصف المتواصل، وكان هدفه قتل النازحين ببطء، كما أنه دمر المنطقة التي يطالبنا بالذهاب إليها. إنهم يطلبون منا الذهاب إلى المجهول".

وتشير تقديرات وكالة "أونروا" إلى أن اجتياح رفح المكتظة بقرابة مليون ونصف المليون فلسطيني سيشكل "مجزرة تاريخية"، وأكدت الوكالة أنها ستحافظ على وجودها في رفح لأطول فترة ممكنة، وستواصل تقديم المساعدات المنقذة للحياة.
وقد جاءت تهديدات الإخلاء بعد قصف متواصل استهدف فيه جيش الاحتلال 11 منزلاً في المناطق الشرقية، ما أوقع 22 شهيداً بحسب الأرقام التي وثقتها مستشفى أبو يوسف النجار في حي الجنينة بالمنطقة الشرقية.
ويذكر أن منطقة المواصي التي يطلب الاحتلال من النازحين التوجه إليها كانت تخضع للاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابه في عام 2005 من مستوطنات قطاع غزة، وكانت تستحوذ على اهتمام كبير من الاحتلال من ناحية استراتيجية، كونها كانت تضم منشآت للمستوطنين، وأراضي زراعية، فضلاً عن مساعي السيطرة على مياه القطاع الجوفية، وقبل الانسحاب الإسرائيلي من المواصي دمر الاحتلال كل شيء فيها.

ذات صلة

الصورة
شعار منصة نتفليكس (رافائيل هنريكي/Getty)

منوعات

انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم #BoycottNetflix تدعو إلى مقاطعة "نتفليكس". وتأتي الحملة بعد حذف 19 فيلماً عن فلسطين.
الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
بعض مما خلفه الاحتلال في مستشفى كمال عدوان، 28 أكتوبر (خليل رمزي الكحلوت/ الأناضول)

مجتمع

أعلنت وزارة الصحة في غزة، الاثنين، أن مستشفى كمال عدوان شمال القطاع بات يعمل بطبيب واحد فقط، تخصص أطفال، بعد اعتقال جيش الاحتلال وترحيله كل الكادر الطبي.
الصورة
لحظة تفجير الصحافي الإسرائيلي لمبنى جنوب لبنان (إكس)

منوعات

ساعد صحافي إسرائيلي تلفزيوني جنود الاحتلال في تفجير مبنى في جنوب لبنان، مما جرّ عليه انتقادات لاذعة، حتى بين زملائه الإسرائيليين.