استمع إلى الملخص
- نادين فتالة وياسمين شاركتا تجاربهما حول التصعيد ضد الطلاب المؤيدين لفلسطين، بما في ذلك استدعاء الشرطة واعتقال الطلاب، مما أثر على معنوياتهم ودفعهم للتساؤل عن جدوى المشاركة في الحفلات الرسمية.
- الاحتفالات البديلة تعبر عن الدعم لفلسطين وتكرم الطلاب الملتزمين بمحاربة الظلم، مع نية جعل هذه الاحتفالات مناسبة سنوية تركز على قضايا مهمة أخرى، مما يعكس رغبة في تقدير المبادرات الطلابية لدعم القضايا المهمشة.
"تخرج الشعب" هي التسمية التي أطلقها طلاب في جامعتي نيويورك وكولومبيا على حفلات التخرج البديلة التي يقيمونها للاحتفال بالطلاب الذين تخرجوا هذا العام، والذين كانوا ضمن الحراك الداعم لفلسطين، المطالب بإنهاء الحرب على غزة، ما جعل جامعاتهم تمنعهم من رفع الشعارات أو العلم الفلسطيني أو الكوفية في احتفالات التخرج، أو تمنعهم من الاشتراك في الحفل، أو تلغي الاحتفال، كما فعلت جامعة كولومبيا.
وشملت الاحتفالات البديلة كلمات من طلاب وأساتذة وضيوف، مع حضور الأهالي، وتوزيع الشهادات، وارتداء عباءة التخرج وغيرها من المظاهر. لكنها اختلفت عن تلك الرسمية بتمحورها حول فلسطين، والاحتفاء بالطلاب الذين عاقبتهم إدارات الجامعات، أو منعتهم من دخول الحرم، أو طلبت الشرطة لاعتقال المعتصمين منهم الذين أقاموا مخيمات للتعبير عن مناهضتهم الحرب، ومطالبة جامعاتهم بسحب استثماراتها من شركات الأسلحة، أو الشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي.
تروي نادين فتالة، وهي طالبة دكتوراه في قسم الإعلام والاتصالات بجامعة نيويورك، وواحدة من نشطاء الحراك في الجامعة والعضوة بـ"ائتلاف التضامن الفلسطيني"، تفاصيل بداية التصعيد ضد الطلاب، والأجواء داخل الحرم الجامعي خلال الأسابيع التي سبقت التخرج، قائلة لـ"العربي الجديد": "استدعت إدارة جامعة نيويورك الشرطة إلى الحرم الجامعي لمواجهة الطلاب بعد 18 ساعة فقط من إقامة أول مخيم احتجاجي سلمي ضد استثمارات الجامعة في إسرائيل، ودعمها الحرب على غزة، وكان ذلك في 22 إبريل/نيسان. اعتدت الشرطة على الطلاب، وعلى الأساتذة الذين شكّلوا حلقة لحماية طلابهم، واعتقلت العشرات منهم".
تتابع: "في اليوم التالي لاعتقال الطلاب والأساتذة، أمرت إدارة الجامعة ببناء سور خشبي حول الساحة التي اعتصم فيها الطلاب أمام كلية الأعمال، ما ذكر كثيرين بجدار الفصل العنصري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن الطلاب تمكنوا من السيطرة على مساحة أخرى أمام مبنى آخر تابع للجامعة، وأقاموا مخيماً ثانياً استمر قرابة أسبوع، قبل أن تقوم الشرطة باقتحامه واعتقالهم مجدداً. لم تتمكن الجامعة من إخماد شعلة الاحتجاج، إذ قام الطلاب بعدها بأيام باحتلال مبنى مكتبة الجامعة الرئيسي، (مكتبة بوبست) لبضعة ساعات، وتسميته مكتبة ديانا تماري صباغ، على اسم المكتبة التي دمرها الاحتلال في غزة، والتي كانت جزءاً من مركز رشاد الشوا الثقافي".
تضيف فتالة: "كل هذا التضييق الذي يحدث ضد الخطاب المناصر للشعب الفلسطيني، وإدخال الشرطة إلى الحرم الجامعي للقبض على الطلاب، والملاحقات ومحاولات التشهير وغيرها، كان لها آثار على معنويات الطلاب. كثير من الطلاب النشطاء تساءلوا عن جدوى المشاركة في حفلات التخرج الرسمية التي تقيمها الجامعة، واعتبروا أنها لم تعد تمثلهم، بل تحرمهم حتى من حقهم في التعبير، وتمثل أصحاب رؤوس الأموال الذين يريدون فرض أجنداتهم على الطلاب. لقد أنتجت هذه المرحلة النوعية من الحراك الطلابي شغفاً جديداً لدى كثيرين، وأردنا أن تكون هناك فعاليات رمزية تحتفل بهؤلاء الطلاب، وتجمع كل من يؤمنون بالقضية الفلسطينية، فقررنا تنظيم حفل تخرج بديل، ليكون بمثابة مساحة خاصة بلا تضييق، فكان حفل تخرج يمثلنا".
شعور مشابه عبّرت عنه الطالبة في جامعة كولومبيا، ياسمين، وهي من أصول فلسطينية، ونشطة في الحراك الطلابي، وهي من الذين شاركوا في التجهيز لاحتفالات التخرج البديلة، وقد فضلت استخدام اسمها الأول فقط خشية الملاحقة. تقول ياسمين لـ"العربي الجديد: "جرى استخدام عنف مفرط ضد الطلاب في جامعة كولومبيا مرتين، واستدعت رئيسة الجامعة، مينوش شفيق، الشرطة لتفكيك المخيمات والقبض على الطلاب، ما أدى إلى إشاعة الخوف بينهم. على الجامعة أن تخجل من أفعالها". وتضيف: "يسعى الطلاب لسنوات للحصول على شهادات التخرج، لكنهم بعد كل هذه السنوات لا يشعرون بالأمان في الجامعة، كما لم يشعروا بالأمان للاشتراك في حفل التخرج الرسمي. من المخزي أن يضطر الطلاب الفلسطينيون أو داعمو القضية الفلسطينية إلى خلق مساحة كي يشعروا بالأمان. عندما يتعلق الأمر بنا فلن يعقد الكونغرس جلسات استماع، أسوة بتلك التي عقدت للدفاع عن داعمي إسرائيل، حتى إن الجامعة لم تبادر بالحوار مع الطلاب، أو عقد جلسات استماع حول ضرورة حمايتنا".
وتشير ياسمين إلى المقال الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الذي كشفت فيه عن فضيحة مشاركة عدد من مليارديرات نيويورك في مجموعة على منصة "واتساب" لتبادل المعلومات حول العمل ضد حراك الطلاب، والضغط على عمدة المدينة ومجلس أمناء جامعة كولومبيا ورئيستها لطلب الشرطة لفض الاعتصام والقبض على الطلاب.
وتقول: "لقد استخدموا العنف ضدنا بشكل غير متناسب عبر استخدام وحدة مكافحة الإرهاب، واقترح بعضهم استئجار وحدة مراقبة تابعة لجهة خارجية. كل هذا ضد متظاهرين جامعيين سلميين يجلسون في مخيم لترديد شعارات وأناشيد مطالبة بسحب استثمارات الجامعة في إسرائيل. ليس من المستغرب أن تستخدم إدارة الجامعة، بدعم من هؤلاء الأغنياء، أعنف الوسائل الممكنة لمحاربتنا، لأن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بحماية مصالحهم المالية، تلك المصالح التي تدعم الحرب، والشركات الداعمة للاحتلال".
ورداً على سؤال حول سبب قرار جامعة كولومبيا إبقاء الشرطة داخل الحرم حتى التخرج، أي قرابة الأسبوعين، بعد فض مخيم الطلاب، والقبض على المعتصمين، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك بإلغاء حفل التخرج الرئيسي، ترجح ياسمين أن ذلك يعود إلى أسباب عدة، من بينها أن "حفل التخرج عبارة عن وسيلة يحتفل فيها الطلاب بأنفسهم، ويسردون إنجازاتهم. عندما يكون في الحفل طلاب يهتفون لفلسطين، ويرفعون لافتات معارضة لسياسات الجامعة، ويرفضون استثمارها في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، سيصبح نفاق الجامعة جلياً، وسيفكك ذلك الأسطورة التي خلقتها إدارة جامعة كولومبيا حول كونها مؤسسة تدعم حقوق الإنسان".
وتصف أستاذة الإعلام والاتصالات في جامعة نيويورك، باولا تشاكرافارتي، وهي واحدة من الأساتذة الداعمين للحراك الطلابي، احتفال التخرج البديل لطلاب جامعة نيويورك بأنه "مؤثر جداً"، وتلفت في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى أن "حفل التخرج البديل يمثل احتفالاً حقيقياً بطلاب ملتزمين، ليس فقط بالتفكير والتعلم، بل بمحاولة تطبيق مبادئ محاربة الظلم وانعدام المساواة، من خلال أفعالهم".
وتضيف: "عادة ما تكون حفلات التخرج الرسمية مليئة بالخطابات والشعارات، وفي المقابل، فإن المداخلات التي سمعناها في حفل التخرج البديل كانت مرتبطة بالواقع، وبالتطبيق، وبالعلاقة مع المحيط قولاً وفعلاً، وليس مجرد ترديد شعارات، كما شمل الحفل تقديراً من الأساتذة لهؤلاء الطلاب، فكثيرون منهم متفوقون أكاديمياً، وقد قدمنا لهم شهادات تقدير مع شهادات تخرج رمزية، لكنهم شعروا بأنها تمثلهم. أعتقد أن هذا مهم، وخاصة للطلاب الذين أعلنت الجامعة أنهم أشخاص غير مرغوب بهم في حرمها بسبب نشاطهم".
وحول ما إذا كانت هناك نية لجعل حفل التخرج البديل مناسبة سنوية تتكرر في الأعوام القادمة، وتركز على قضايا مهمة، إضافة إلى فلسطين، كأوضاع السود أو السكان الأصليين، والعدالة المناخية وغيرها. تقول نادين فتالة: "آمل أن يحدث ذلك، خاصة أن تخرجي سيكون بعد سنوات. هذا أمر يناقش الآن، وشخصياً آمل أن يتحول إلى تقليد سنوي نحتفي خلاله بالحراك الطلابي، وبالمبادرات التي لا تلقى تقديراً من الجامعة. كثيراً ما تقوم الجامعات بتكريم طلاب يدعمون نظرياً مبادرات اجتماعية وسياسية، لكن واقع الحال يظهر أن الكثير من الطلاب الذين يجري تكريمهم رسمياً ليسوا بالضرورة ممن يعملون على الأرض بشكل فعال لدعم القضايا، أو المجتمعات المهمشة في نيويورك وغيرها. احتفال التخرج البديل سيمنح هؤلاء الشباب دعماً معنوياً هم في أشد الحاجة إليه، خاصة أن الهجوم عليهم قد يؤثر سلباً في مستقبلهم المهني، إضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية، وأحياناً المالية".