احتلال معبر رفح... جرحى ومرضى مهددون بفقدان الحياة

08 مايو 2024
ينتظر آلاف من جرحى ومرضي غزة السفر للعلاج (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اقتحام الجيش الإسرائيلي لمعبر رفح أدى إلى تعطيل خطط السفر للعلاج لآلاف السكان في غزة، بما في ذلك 140 مريضًا ومصابًا، مما شكل ضربة قاسية للمرضى الذين كانوا ينتظرون الموافقة للسفر.
- محمد عبدو ووالدته، اللذان كانا يأملان في السفر للعلاج بعد حصولهما على الموافقة، وجدا نفسيهما مجبرين على البقاء في غزة تحت ظروف صعبة بعد الاقتحام، مما يعكس معاناة العديد من الأسر.
- تدهور الوضع الصحي في غزة بشكل كبير بعد إغلاق معبر رفح وتوقف العمل في مستشفى أبو يوسف النجار، مما أجبر المرضى والجرحى على البقاء داخل القطاع تحت ظروف صحية متدهورة، مع فقدان أدنى مقومات العلاج.

فقد آلاف من سكان قطاع غزة فرص النجاة بعد اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني، خصوصاً أن بعضهم طال انتظارهم لإعلان تضمين أسمائهم في كشوفات المسافرين التي كان يتم نشرها مساء كل ليلة.
وتضمن الكشف الأخير 140 مريضاً ومصاباً بعد أن تحسنت سياسة الموافقة على خروج المرضى من الطرف المصري خلال الشهر الأخير نتيجة مطالبة وزارة الصحة في غزة بذلك، كما زاد دخول شاحنات المساعدات الإنسانية التي أصبحت تتجاوز 200 شاحنة بعد أن كانت قبل أكثر من شهرين لا تصل إلى 100 شاحنة يومية متضمنة الأدوية والمستلزمات الطبية والطعام والمياه والخيام.
كان المصاب الفلسطيني محمد عبدو (29 سنة) واحداً ممن ينتظرون السفر للعلاج قبل اقتحام معبر رفح، على أن ترافقه والدته (58 سنة) بعد أن حصلت هي الأخرى على موافقة، وهو مصاب بحروق متعددة، وعاجز عن الحركة منذ إصابته في 14 مارس/آذار الماضي، ويحتاج إلى عملية عاجلة في العمود الفقري.
انتظر عبدو لأكثر من شهر ونصف الشهر حتى حصل على تأكيد من الطواقم الطبية في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، ومن جهات التنسيق بأن دوره اقترب، وأبلغ يوم الجمعة الماضي أن سفره تقرر خلال أيام، وبالفعل بدأ يجهز نفسه في حين كان النازحون يقومون بإخلاء المناطق الشرقية من مدينة رفح
صباح الثلاثاء، صدم عبدو بعدم استطاعته السفر مثل كثيرين كانوا ينتظرون أمام بوابة المستشفى بسبب اجتياح الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح. استقبلت والدته زهوة عبدو الخبر بالبكاء، فهو ابنها الوحيد المتبقي معها في قطاع غزة، واثنتان من بناتها تعيشان في بلجيكا منذ سنوات، وابنها الأكبر طبيب يعمل في أحد مستشفيات مدينة برمنغهام البريطانية، وجميعهم كانوا يرغبون في زيارته شقيقهم عند نقله للعلاج في مستشفى مصري، والاطمئنان على والدتهم التي أصيبت بكسر في يدها اليمنى.
تقول الوالدة لـ"العربي الجديد": "ابني يحمل شهادة في الهندسة، وهو الوحيد من أبنائي المتمسك بالبقاء في قطاع غزة، ويرفض أن يتركني للعمل في الخارج بعد أن شعر بحسرتي على غربة أشقائه. محمد بحاجة لعملية عاجلة في العمود الفقري، وكان ينتظر مستعيناً بالمسكنات لأن مناطق عدة في جسمه تعرضت لحروق، والانتظار يعني مزيدا من الآلام، وربما الشلل حال طول التأخير. الاحتلال أغلق المعبر، ولا أعرف ماذا أفعل. أنا أم عجزت عن فعل أي شيء، وأمشي بين ممرات المستشفى أتحدث مع نفسي".

توقف العمل في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح بعد الاقتحام الإسرائيلي

وزادت الصعوبات على المرضى المتواجدين داخل مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، فبدلاً من نقلهم إلى المعبر للسفر، تم نقل بعضهم إلى المستشفى الكويتي في المنطقة الغربية من المدينة، والتي أصبحت تكتظ بأعداد كبيرة من المرضى والمصابين.
يقول عبد الستار منصور (50 سنة) والد الجريح إبراهيم منصور (25 سنة) من داخل المستشفى الكويتي إن نجله كان من المفترض أن يسافر في نفس يوم اقتحام المعبر للعلاج، إذ يعاني من إصابة خطيرة في الرأس وإصابات في الرقبة ومنطقة الكتفين، ويعيش بدعامات للرأس، ويتعاطى المسكنات على مدار الساعة، وقد نجا من قصف إسرائيلي في فبراير/شباط الماضي على وسط قطاع غزة.
ويشير منصور إلى أن نجله خضع لعدد من العمليات داخل المستشفيات الميدانية، وقام بها أطباء من دول خليجية زاروا قطاع غزة، كما خضع لعملية جراحية على يد طبيب أردني، لكنه بحاجة إلى عملية أخرى صعبة، ولا يمكن إجراؤها في غزة في ظل الإمكانيات المحدودة، مؤكداً أن الأطباء يكررون أن بقاءه على قيد الحياة حتى الآن "معجزة" لأنه يملك إرادة الحياة.

توقف العمل بمستشفى أبو يوسف النجار (جهاد الشرافي/الأناضول)
توقف العمل بمستشفى أبو يوسف النجار (جهاد الشرافي/الأناضول)

يضيف لـ"العربي الجديد": "ابني بحاجة إلى عملية جراحية دقيقة لربط أوردة وشرايين كما أخبرني الأطباء، وهو شاب شجاع طوال حياته، فقد أصيب في عدوان عام 2014، وخرج حياً من تحت الأنقاض، وفي هذا العدوان عندما أصيب، قيل لي في البداية إنه استشهد، لكني وقفت على باب قسم الطوارئ رافضاً ذلك، وبالفعل عاش. الانتظار قد يقتل ابني الذي لم يستسلم للموت، ولديه طفلان يشتاقان لرؤية والدهما الشجاع من جديد، والآن أنتظر الفرج من الله وحده، فقد تعرضنا لخذلان كبير، ولم أتصور يوماً أن معبر رفح سيتم احتلاله بهذا الشكل".

تنتظر العديد من عائلات قطاع غزة موافقة السفر للنجاة من العدوان

وكانت العديد من الأسر الغزية  تنتظر السفر من أجل النجاة من العدوان بعد خسروا ممتلكاتهم في القصف، وباعوا ما تبقى لديهم بأسعار زهيدة من أجل توفير كلفة السفر الباهظة، ومحاولة تأمين حياة مؤقتة لأطفالهم. من هؤلاء عبد الوهاب سلامة (37 سنة)، والذي قام ببيع سيارته وبعض ممتلكاته من أجل السفر.
يقول سلامة لـ"العربي الجديد": "لست أهرب من غزة، لأنني مهما سافرت ستبقى غزة تعيش داخلي، لكني كنت ضعيفاً في الأيام الأخيرة، وأريد السفر للحفاظ على ما تبقى لدي، وخصوصاً أطفالي، فقد خسرت منزلي وعملي، وبعت ممتلكاتي لأنني اب يريد إنقاذ عائلته، لكن لاحقني الاحتلال، وأغلق معبر رفح".
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة، إنه تقرر إيقاف العمل في معبر رفح نتيجة سيطرة الاحتلال عليه، وبالتالي منع سفر الجرحى والمرضى ومرافقيهم لتلقي العلاج خارج غزة، رغم تضمن الكشف الأخير من المسافرين حالات مرضية عاجلة، من بينهم حالات بحاجة إلى تدخل عاجل قبل الاضطرار إلى بتر أعضاء، وآخرون بحاجة إلى عمليات جراحية تستلزم وجود معدات طبية يفتقدها القطاع.

ويشير مسؤول لجنة الطوارئ الصحية في جنوب القطاع، الطبيب مروان الهمص، إلى أن "وضع المرضى والجرحى في مستشفيات غزة صعب منذ بداية العدوان مع فقدان أدنى مقومات العلاج وتدمير الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية في انهيار تام للمنظومة الصحية، وقد زادت المعاناة مع خروج مستشفى أبو يوسف النجار من الخدمة".
وكان مستشفى أبو يوسف النجار المحطة الأخيرة لأعداد كبيرة من المرضى قبل الانتقال إلى معبر رفح البري قبل سيطرة الاحتلال على المعبر وتوقف العمل بالمستشفى الذي يتواجد في المنطقة الشرقية. يقول الهمص لـ"العربي الجديد": "لدينا قوائم سفر لآلاف الجرحى والمرضى، والآن تم منعهم من السفر، ويقدر العدد بأكثر من 10 آلاف جريح ممن يحتاجون إلى التدخل العاجل، وهناك ما لا يقل عن 30 ألف جريح آخر بحاجة إلى عمليات، لكن تم تصنيف أنه يمكنهم الانتظار لفترة تتراوح بين شهر إلى شهرين، ومن بينهم مرضى سرطان، وآخرون مصابون بالكبد الوبائي".
ويضيف: "زادت مؤخراً أعداد الموافقات من الطرف المصري على دخول المرضى، ورغم أننا بحاجة لموافقات أكثر، لكن اغلاق المعبر قد يؤدي إلى وفيات في الأيام القادمة، ما لم يحصل تدخل عاجل من المجمع الدولي، ولدينا كميات قليلة من الأدوية والمعدات الطبية والوقود التي لا تكفي سوى بضعة أيام، ونعيش كارثة أكبر لأن المنفذ الوحيد لدخول الأدوية والمستلزمات مغلق".

المساهمون