تشهد شوارع العاصمة بغداد ازدحاماً واختناقات مرورية يومية، خصوصاً عند التقاطعات المرورية، ونقاط التفتيش المنتشرة في معظم المناطق، ما يخلف ضغوطاً نفسية على المواطنين، فضلاً عن ضياع الوقت خلال الانتظار الطويل في طريق الوصول إلى أماكن عملهم، أو الدوائر الحكومية التي تقدم الخدمات المختلفة، وفي غالبية الأحيان يتحايلون على الوصول متأخرين باللجوء إلى بدائل مختلفة، لكنها تظل غير مجدية بما يكفي في مواجهة الأزمة.
تعمل هديل الراوي في مركز للتجميل في وسط منطقة الكرادة في بغداد، وهي تعاني يومياً من الزحام المروري أثناء العبور من جانب الكرخ إلى جانب الرصافة التي تضم منطقة الكرادة حيث مكان عملها، وتقول لـ"العربي الجديد" إنها تذهب إلى عملها في ساعات الصباح الأولى، وهي فترة ذروة الازدحام، وإن هذا يضطرها إلى السير لمسافة طويلة يومياً، ذهاباً وإياباً.
وتضيف الراوي أن "الحكومة تحدثت عدة مرات عن إنشاء مشروع (مترو بغداد)، لكنها بدلاً من ذلك أدخلت التوك توك والدراجات النارية، وها أنا في عام 2022، أذهب إلى مكان عملي سيراً على الأقدام، أو بواسطة التوك توك لأنه أسرع في الحركة من مكان لآخر بسبب الزحام، ولكثرة (القطوعات) المستمرة للطرق".
ويقول العراقي حارث الخفاجي في حديث مع "العربي الجديد" إنه يضيع يومياً ساعتين على الأقل للوصول إلى مقر عمله، رغم أنه لا يبعد أكثر من نصف ساعة بالسيارة عندما تكون حركة سير المركبات طبيعية، ويضيف أن "الاختناقات المرورية التي تشهدها بعض مناطق العاصمة بغداد، مثل المنصور، والجادرية، والكرادة، وزيونة، ومناطق أخرى قطعت أوصال المدينة، وعادة لا يمكن الانتقال من منطقة إلى أخرى من دون أن يهدر المواطن الكثير من الوقت في الانتظار بسبب الزحام، أو قطع هذه الطرق لأسباب مختلفة".
ويوضح الخفاجي: "أصبحت لا أفكر في الخروج من المنزل إلا لقضاء الأمور الضرورية، أو الحالات الطارئة، تحاشياً للانتظار لمدة ساعات طويلة تحت أشعة شمس الصيف الحارقة خلال هذا الزحام والاختناقات المرورية".
ويعزو المقدم في شرطة العاصمة العراقية حيدر اللامي أسباب الاختناقات المروية في بغداد إلى عدم قدرة الطرق الحيوية على استيعاب الكم الهائل من السيارات التي ترتادها على مدار الساعة، فضلاً عن إغلاق كثير من الطرق الرئيسية.
ويقول اللامي في حديث مع "العربي الجديد" إن "الاختناقات المرورية في بعض المناطق يصعب السيطرة عليها بسبب كثرة عدد السيارات الناتج عن فوضى فتح باب الاستيراد، ورجل المرور حالياً يقع على عاتقه الثقل الأكبر، وهو يحاول تنظيم السير قدر استطاعته، لكن عدد المركبات زاد بعد 2003 بنحو خمسة أضعاف عما كان عليه في السابق، وشوارع العاصمة لا تستوعب هذه الكثافة بسبب كثرة القطوعات، وعدم وجود جسور حيوية، فضلاً عن عدم احترام المواطنين للإشارات المرورية، وكل هذه الأمور تؤثر بشكل واضح على حركة السير".
ويشير الضابط العراقي إلى أن "شوارع العاصمة صممت لاستيعاب عدد لا يتجاوز 500 ألف مركبة، حسب الخرائط المصممة منذ ما قبل عام 2003، وهذه الخرائط ما زالت على حالها، ولم يتم استحداث شوارع أو جسور جديدة تساهم بفك أزمة الاختناقات المرورية التي عطلت حياة الناس، وعلى الحكومة الإسراع في إيجاد حلول ناجعة لإنهاء المشكلة المرورية".
وكشفت وزارة التخطيط العراقية في تقريرها الأخير الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2021 عن وصول عدد المركبات التي تسير في شوارع العاصمة بغداد إلى أكثر من 7 ملايين مركبة، مرجحة أن العدد قد يصل إلى 15 مليون مركبة بحلول عام 2035، وذلك بسبب ارتفاع معدل النمو السكاني، والذي يصل إلى 2 في المائة سنوياً.
وفي ذات السياق، قال خبير الطرق والجسور العراقي، المهندس عبد الله الأوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "حالة الوضع المروري في العاصمة بغداد مزرية، ولا تليق بعاصمة كبيرة وعريقة، ومعاناة المواطنين تتفاقم يوماً بعد آخر لأسباب متباينة، من بينها تردي البنية التحتية، وكثرة المطبات الاصطناعية والحفريات في الشوارع، فضلاً عن انتشار نقاط التفتيش في شوارع المدن".
وأضاف الأوسي أن "الحكومة العراقية عليها النظر في وضع خطة جدية لحل الأزمة المرورية، واستحداث طرق وجسور جديدة، وصيانة الشوارع المتضررة، وخصوصاً (سريع القناة)، وشارع محمد القاسم، و(سريع الدورة)، وغيرها، والتعاقد مع شركات عالمية لإنجاز تلك المشروعات الحيوية".
وتعجز الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 عن وضع خطة ناجحة لتخفيف الزحام المروري القائم في أنحاء البلاد، والذي يتفاقم في وسط العاصمة بغداد، وخصوصاً في جانبي الكرخ والرصافة، كما أنها لا تضع قيوداً للسيطرة على زيادة استيراد للمركبات، إذ لا يخلو بيت عراقي تقريباً من مركبة أو مركبتين، مما يحتم وضع خطط حديثة للتعامل مع المشكلة، والعمل على توسعة البنية التحتية للطرق بما يتناسب مع الزيادة السكانية في البلاد.