- السكان المحليون يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية، حيث يفكر البعض في بيع منازلهم الساحلية المهددة، لكن قلة المشترين المهتمين تجعل البيع صعبًا.
- تعمل الوكالات التونسية مع شركاء دوليين على برامج لحماية السواحل، تشمل قياس المد والجزر وحماية الشواطئ، مع دعم ألماني لحماية شواطئ جزيرة قرقنة.
يظل السكن في منزل مطل على البحر حلم جميع التونسيين، على الرغم من تحذيرات خبراء البيئة منذ سنوات، من ارتفاع منسوب مياه البحر، وتهديده للجزر وسكان المناطق الساحلية، في حين أكدت تقارير دولية ومحلية التأثير الكبير للتغيرات المناخية على منسوب البحر الذي بات يرتفع عاماً بعد عام.
والجزر التونسية من بين أكثر المناطق عرضة لمخاطر التغير المناخي، فارتفاع مستوى سطح البحر بات يقلص مساحتها، ويغطي سنوياً أمتاراً من اليابسة، حتى إنّ بعض المنازل التي كانت تبعد نحو كيلومتر عن البحر، بات لا يفصلها عنه سوى أمتار قليلة.
ويؤكد خبراء المناخ والبيئة أنّ ارتفاع منسوب مياه البحر يعود في الأساس إلى تراكم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما سبّب ارتفاع درجات حرارة المحيطات، وذوبان المزيد من الجليد، خصوصاً في القطبين الشمالي والجنوبي، ويسلط خبراء المناخ الضوء على مشكلة الاحتباس الحراري، وارتفاع منسوب مياه البحر الذي بات يهدد العديد من الشواطئ والجزر، كما يهدد باختفاء طرقات ومنازل ومنشآت مشيدة على الشواطئ.
ولم تصمد العديد من الحواجز البحرية التي شيدت على طول كيلومترات على الشواطئ لحماية الطرقات والمنشآت، وقد انهار بعضها خلال عواصف سابقة، ما جعل كثيرين يفكرون جدياً في التخلي عن منازلهم القريبة من الشواطئ، وأصبح بعض مالكي المنازل التي شيدت على السواحل يفكرون في بيعها قبل حصول الكارثة.
تبلغ قيمة منزل التونسي عبد الرحمان، الذي لا يبعد عن البحر سوى 100 متر، ما يعادل 500 ألف دولار أميركي، وهو يقول إنّ منزله لم يكن بذلك القرب من البحر حين شيده قبل أربعين عاماً. لكن تآكل الشاطئ جعل مياه البحر تقترب كثيراً، ولم يخفه أو يقلقه ذلك كثيراً، إذ كدّس بعض الأحجار الكبيرة كي تكون حاجزاً يحمي بيته من مياه البحر.
الجزر التونسية من بين أكثر المناطق عرضة لمخاطر الغرق
لا يعيش عبد الرحمان في هذا المنزل، لكنه يقضي فيه عطلته الصيفية السنوية رفقة العائلة والأقارب، وفترات قصيرة أخرى خلال بقية السنة، كونه يملك منزلاً آخر في وسط المدينة أقرب إلى مكان عمله. ويوضح: "بعد سماع تحذيرات خبراء المناخ والبيئة، واطلاعي على بعض التقارير الإعلامية حول ارتفاع منسوب مياه البحر خلال السنوات القادمة، بدأت التفكير في بيع المنزل، فمقابله المالي الحالي أفضل من أن يخسره أبنائي من بعدي، على الرغم من صعوبة البيع".
يضيف: "قليلون هم من يقدمون على بيع منازلهم التي تم تشييدها على مقربة من الشواطئ، أو المطلة على البحر، كما أنّ شراء منزل مطل على البحر مكلف مقارنة بغيره من العقارات".
ويفكر آخرون في بيع منازلهم، ولا سيما من بات بيته لا يفصله عن البحر سوى بضعة أمتار، خصوصاً أنهم لا يمكنهم بناء سور أو جدار لحماية المنزل من دون الحصول على تراخيص من البلدية.
ورث سيف الدين عن والده منزلاً في جزيرة قرقنة التابعة لمحافظة صفاقس قبل عشرين عاماً، وهو يعيش فيه مع عائلته، خصوصاً أنّه يعمل صياداً. لكن بعد أن باتت الجزيرة من بين المناطق المهددة باختفاء جزء كبير منها نتيجة ارتفاع منسوب البحر، بات يفكر في عرض بيته للبيع، لكنه لم يتمكن على مدار ثلاث سنوات من بيعه، فأغلب سكان المنطقة يفضلون الابتعاد عن البحر، ولا سيما أنّ المياه غطت جزءاً كبيراً من الشاطئ على مدار السنين.
وكشفت وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي في دراسة لها، أنّ مياه البحر قد تغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات الشاطئية، وأنّ نحو 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية والطرقات القريبة من السواحل مهدّدة بالانهيار نتيجة ارتفاع مياه البحر خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أنّه من المتوقع أن يبلغ ارتفاع مستوى البحر 30 سنتمتراً في عام 2030، و50 سنتمتراً في عام 2050. وأن أكثر المناطق المهددة هي خليج تونس، وخليج الحمامات، وجزيرة جربة، كما ستفقد العديد من الجزر التونسية أجزاء من مساحتها.
وأفادت الوكالة الوطنية لحماية المحيط بأنّ التغير المناخي أدّى إلى ارتفاع مياه البحر، وأنها تعمل على متابعة المعطيات المتعلقة بارتفاع مستوى البحر، وأطلقت برنامجاً لحماية الشريط الساحلي في مناطق عدة، مع إنشاء مختبرات عائمة ثابتة وأخرى متنقلة لقياس المد والجزر.
وبدأت الوكالة تنفيذ برنامج بالتعاون مع ألمانيا، بكلفة تقدّر بنحو ثلاثين مليون دولار (تمويل مشترك بنسبة 75% من ألمانيا و25% من ميزانية الدولة التونسية) لحماية شواطئ عدة في جزيرة قرقنة وشواطئ في بنزرت وصفاقس وسوسة، وحماية الكثبان الرملية، والعمل على وقف التجريف.