ما شهدته محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، ليلة رأس السنة من تعرض العشرات من السياح العرب القادمين من مدن عراقية مختلفة إلى هجمات بالضرب والاعتداءات والتحرش بنساء ومضايقتهم في مناطق عدة، والتي أسفرت عن إصابات بينهم وخسائر مادية في ممتلكاتهم، لن يمرّ مرور الكرام.
وتكشف بعض التسريبات من التحقيقات التي تجريها السلطات الأمنية في أربيل، أن بعض المتورطين في الاعتداءات العنصرية ضد السياح العرب القادمين من بغداد ومدن أخرى خلال احتفالات رأس السنة، على علاقة بحزب العمال الكردستاني، وقد تفاعل معهم شبان مندفعون يخضعون بدورهم للتحقيق بتهمة تهديد السلم والأمن وإثارة العنصرية.
واعتذر محافظ أربيل، هيمن سيد قادر، عن الاعتداءات التي تعرض لها السياح العرب، مؤكداً أنها لا تمثل مواطني الإقليم ولا الشعب الكردي وتسيء لهم، كما أكد على اعتقال عدد من المتورطين فيها واستمرار البحث عن آخرين. وأصدر رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني، بياناً أعرب فيه عن أسفه بسبب الحادث، وتوعّد بـ "إنزال أشدّ العقوبات بحقّ المتورطين".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر من الحكومة المحلية في أربيل، أن "السلطات أمرت باستضافة بعض السياح الذين تمّ الاعتداء عليهم من أجل إرضائهم، وقد حصلوا على هدايا في وقت دفعت الحكومة تكاليف فترة تواجدهم في الإقليم لغرض السياحة. وأوصت بتأمين الأماكن التي يتواجد فيها السياح العراقيون العرب من خلال تكثيف تواجد عناصر الأمن في أطراف تلك المواقع، مبينة أن "حكومة إقليم كردستان أولت هذا الملف الكثير من الاهتمام، لأنها تعرف أن الحادثة لا تبدو عرضية أو اعتيادية، بل تأتي ضمن خطة لضرب مصالح الإقليم، وحاجة كردستان للسياح من أجل تجاوز أزمتها الاقتصادية، ناهيك عن إنهاك العلاقة بين أربيل وبغداد".
واستغلت أحزاب وفصائل مسلحة من بغداد هذه الحادثة، لتوجيه اللوم إلى الحكومة والمجتمع في إقليم كردستان، وروجت بعض المنصات التابعة للمليشيات الموالية لإيران إلى عدم السفر إلى إقليم كردستان. ومن بين الداعين إلى ذلك، عضو مجلس النواب العراقي المعروفة بقربها من إيران ومعارضتها لحكومة الإقليم، عالية نصيف. الأخيرة أصدرت بيانا قالت فيه إن "المواطنين الذين تعرّضوا لاعتداءات عنصرية في محافظة أربيل، عليهم الإسراع في تقديم شكاوى في محاكم بغداد ضدّ الجناة"، مشيرة إلى أن "فيديوهات الاعتداءات العنصرية التي قامت بها مجاميع كردية في أربيل ضدّ العراقيين العرب، كشفت عن مستوى الجهل والهمجية والإجرام والتعصّب. والشيء المستفز أكثر هو عدم وجود أشخاص يتدخّلون بدافع الشهامة والغيرة ليمنعوا المجرمين من الاعتداء على الناس، إضافة إلى اختفاء عناصر الأمن بشكل مثير للريبة".
من جهته، يؤكد المسؤول المحلي في مدينة أربيل محمد خليل، أن "ملف التحقيقات في أحداث الشغب التي رافقت احتفالات رأس السنة في إقليم كردستان لم يُغلق حتى الآن، وما زالت أجهزة الاستخبارات في الإقليم تحقق في ما إذا كان المتورطون من الشبان بأحداث العنف والاعتداء على السيّاح العرب، ينتمون إلى جماعات تخريبية أو عنصرية أو إرهابية، كون الأحداث التي حصلت في ليلة رأس السنة كانت ممنهجة، وحدثت في نفس التوقيت بأكثر من منطقة". ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "التحقيقات ونتائجها والإعلان عنها من صلاحية السلطات الأمنية في الإقليم. وحتى الآن، ما زال المشهد غير مكتمل ويحتاج إلى مزيد من الوقت لمعرفة كل تفاصيل الاعتداءات والتحرش".
وتواصلت "العربي الجديد" مع ضابط من شرطة أربيل، قال إن "القوات الأمنية اعتقلت حتى الآن 16 شخصاً من الذين اعتدوا على السياح القادمين من بغداد، وباشرت الأجهزة الأمنية من اللحظة الأولى بالتحقيق معهم، وتبيَّن أن بعضهم على علاقة بمسلحي حزب العمال الكردستاني، وآخرين لديهم سوابق بإثارة المشاكل في مدينة أربيل". ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "بعض أهالي مدينة أربيل ومن قوات الشرطة تقدموا بشكاوى ضد المحتجزين، وتبيَّن أن غالبيتهم من مثيري الشغب وبعضهم متهم في وقت سابق بملفات تحرش وتجاوزات بحق نساء عربيات في ميادين عامة". يضيف: "نعمل حالياً على ترضية المتضررين من أعمال العنف ومنع أي تجاوزات قد تحدث في المستقبل".
إلى ذلك، أشار عضو الحزب العمال الكردستاني الحاكم في أربيل عماد باجلان، إلى أن "المشاجرة التي وقعت بين مجموعة من الشبّان وهم في حالة ثمالة، هي حالة طبيعية تحدث في كل الاحتفالات وفي كل دول العالم، وقد وقعت مثل هذه الحالة، وأساس ما حصل في أربيل هو بسبب الألعاب النارية التي أضرت بعدد من سيارات العرب والكرد، ما أدى إلى شجار". وعن سبب تدخل الحكومة في الإقليم، يوضح لـ "العربي الجديد" أن "البيان الحكومي جاء من أجل قطع الطريق أمام من يحاول أن يستغل الأزمة للقول إنها عنصرية أو إرهابية، والحادثة ليست انتقامية أو إجرامية بل حالة شجار عادية، ولكنها أخذت حيزاً كبيراً في الإعلام".
والأربعاء الماضي، أعلنت مجموعة من المحامين الأكراد تطوعها للدفاع عن السياح العرب الذين تم الاعتداء عليهم ليلة رأس السنة. ويقول المحامي بشدار حسن، خلال مؤتمر صحافي في أربيل، إن "مثل هذه السلوكيات تعد شخصية لا تعبر عن سياسة حكومة الإقليم ولا عن تقاليد شعب كردستان". وتطوع محامون، وعددهم خمسة، وهم من أهالي محافظة أربيل، بالتكفل بمتابعة الدعاوى الخاصة بكافة المتضررين والشركات السياحية التي تعرضت للاعتداء وأخذ حقوقهم أمام القضاء.
ويؤكد حسن أن هذه المبادرة جاءت من مبدأ استنكار مثل هذه السلوكيات المرفوضة من قبل الشعب والحكومة في الإقليم.
وتواصلت "العربي الجديد" مع عائلة كانت ضحية هذه الاعتداءات، وتتألف من رجل وزوجته وأولاده الثلاثة وشقيقه وأسرته الذين قدموا من بغداد. وتم التعرض لأفراد العائلتين بعد مهاجمة سيارة "ميني باص" يستقلونها تحمل لوحة بغداد.
ويقول الرجل الذي رفض الكشف عن اسمه إنه وعائلته تلقوا الضربات من عدد من الأشخاص الذين أحاطوا بالسيارة، مرددين عبارات عنصرية ضد العرب. كما كانوا يرمون الحجارة على السيارة بهدف تحطيم زجاجها، وقد أصابت عدداً من أفراد العائلتين، لافتاً إلى أنهم بدوا أفضل من غيرهم من العائلات التي تعرضت النساء فيها للتحرش بشكل لا يمكن للرجل الدفاع عن أسرته وحده مع هذا العدد الكبير من المهاجمين. ويأسف لأن الشرطة كانت غائبة، قائلاً إنه لولا تدخل مواطنين أكراد كبار في السن أبعدوا المهاجمين عنهم لكان الحال أكثر سوءاً. ويقول إنه لا يرغب بالعودة إلى أربيل وتقديم شكوى، بل نسيان تلك الليلة السيئة. كما أن مسألة القبض عليهم ومحاسبتهم تبدو إعلامية وسيكتفي بعدم الذهاب إلى هناك مرة أخرى.