في الآونة الأخيرة، سُجّلت زيادة في عدد الشجارات العائلية والعشائرية في الأردن. لا تكاد تمرّ أيام حتى يسمع مواطنون عن شجار أدى في الغالب إلى وقوع إصابات وأحياناً قتلى. مؤخراً، سُجّل شجار في محافظة المفرق شمال شرقي البلاد، أدى إلى ثلاث إصابات بين رجال الأمن.
سبق أن تعرض رجل للطعن في منطقة أم أذينة (تقع في منطقة زهران الواقعة جنوب غربي العاصمة عمّان) من قبل ثلاثة أشخاص. أما في منطقة الوحدات (جنوب شرقي العاصمة) فتوفي شخص نتيجة شجار جماعي استخدمت فيه الأسلحة النارية، ما أدى إلى وقوع 6 إصابات. وفي بلدة الفحيص (محافظة البلقاء)، وقع شجار جماعي نتجت عنه إصابتان من جراء طعنات في مختلف أنحاء الجسم. وخلال شهر رمضان، توفي شخصان في شجار جماعي في لواء القويسمة بعمّان، في حين قُتل آخران نتيجة شجار عنيف في منطقة الجويدة في عمّان، كما طُعن شخص وبُترت أصابع يد آخر خلال مشاجرة أخرى جنوب عمان.
وبحسب التقرير الجنائي الصادر عن مديرية الأمن العام لعام 2019، فإنّ أبرز دوافع ارتكاب جرائم القتل العمد في الأردن كانت الخلافات الشخصية بنسبة 48 في المائة، تلتها جرائم الخلافات العائلية بنسبة 31 في المائة، ثمّ الثأر والدفاع عن النفس.
في هذا السياق، تقول أستاذة علم الجريمة، خولة الحسن، لـ"العربي الجديد": "لا يكاد يمرّ يوم إلا ونسمع فيه عن جريمة قتل بشعة أو إيذاء بسبب خلافات شخصية أو عائلية نتيجة مشاحنات وعدم توافق بين أفراد العائلة الواحدة، أو شجار بين عشيرتين، أو بين الأصدقاء أو زملاء العمل أو الجيران، وقد تؤدي إلى خسائر في الأرواح وإصابات ودمار في الممتلكات الخاصة والعامة، وبالتالي زيادة الجهود الأمنية واللجوء إلى المحاكم واكتظاظ السجون". تضيف: "الضغوط الحياتية الكبيرة في المجتمع الأردني أدت إلى زيادة نسبة الجرائم نتيجة الشجارات العائلية لأتفه الأسباب". وتتحدث عن انعدام أسلوب الحوار حتى بين أفراد العائلة الواحدة، إذ أصبح العنف بكلّ أشكاله أسلوباً لحل المشاكل وطريقة للتعبير عن السخط وعدم الرضا في ظلّ العديد من العوامل التي تساهم في زيادة معدلات الجريمة عموماً كانتشار الأسلحة، وتعاطي المخدرات، والانخراط مع رفاق السوء، والتفكك الأسري، وتفشي البطالة، وتواضع برامج الإصلاح والتأهيل والرعاية اللاحقة، بالإضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي وانعدام الدور الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني في التخفيف من حدّة العنف المتفشي في المجتمع من خلال تقديم خدمات الإرشاد النفسي والمساعدة القانونية وحلّ النزاعات بالطرق السلمية.
وتقول الحسن: "يبدو جلياً أنّ الضغوط قد ولّدت الكثير من المشاعر السلبية لدى الأفراد في المجتمع الأردني، والتي تتجلى في ارتكاب الجرائم على نحو متزايد. فنرى أباً وقد تجرّد عن مشاعر الأبوة وأطلق النار على ابنه وأرداه قتيلاً، وأمّاً خنقت ابنتها، وزوجاً اعتدى على زوجته وشوّه وجهها". تضيف: "اللافت هو تكرار وقوع عدد من جرائم القتل والشجارات العائلية خلال شهر رمضان، والذي يفترض أن يكون شهراً للعبادة والرحمة والتراحم والتسامح". تتابع: "يتميز المجتمع الأردني بكونه عشائرياً، فالعشيرة بمثابة أداة للضبط الاجتماعي، وعامل مهم في ترسيخ القيم المجتمعية لتماسك وحدة المجتمع والتكافل الاجتماعي الذي يرعى المصالح الوطنية ويحقق أمن وأمان الفرد ويصون عرضه، وبالتالي يتحقق السلم المجتمعي". لكن، على الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه العشيرة في المجتمع، فقد ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أيضاً في خلق نوع من عدم الانصياع لدى بعض أفرادها ودفعهم للتمرد على القانون وإثارة الفوضى، إذ يعتبرها البعض بديلاً عن القانون الجنائي، فيعمدون إلى الثأر والانتقام بدلاً من تطبيق سيادة القانون والحقوق.
ومن الملاحظ، بحسب الحسن، ارتفاع عند وقوع شجارات بين العشائر، إذ إنّ الجريمة الواحدة قد تؤدي إلى جرائم أكثر قد تستمر سنوات وتخلف ضحايا أبرياء وحرق الممتلكات والتخريب المتعمد والإيذاء في حال عدم الاتفاق وإبرام صكوك الصلح العشائري. وتسأل: "هل أصبح العرف العشائري يعلو فوق القانون؟ وهل أصبحت النزعة العشائرية بصورتها السلبية ثقافة مجتمعية تمثل الضمير الجمعي الذي يوافق على الأعراف والقيم والمعتقدات التي يلتف المجتمع حولها حسب دوركايم (فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي)؟". تطرح هذين السؤالين ربطاً بالشجار الجماعي بين عشيرتين في محافظة المفرق نتيجة خلافات سابقة، وعند إلقاء القبض على المتشاجرين من قبل رجال الأمن، عمد ذووهم إلى افتعال الشغب، ما أدى إلى إصابة عدد من رجال الأمن العام خلال مداهمتهم مطلوبين تحصنوا في أحد المنازل.
إلى ذلك، أظهر التقرير الإحصائي الجنائي لعام 2020، الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية، وقوع 90 جريمة قتل عمد، و9 جرائم ضرب أدت إلى الموت، فيما بلغ عدد الجناة في جرائم القتل العمد 201، من بينهم 7 نساء، شكلن ما نسبته 3.5 في المائة من مجموع الجناة، فيما بلغ عدد المجني عليهم في هذه الجرائم 99 شخصاً من بينهم 22 امرأة. وأظهر التقرير أنّ أكثر الأدوات استخداماً في تنفيذ جرائم القتل كانت الأسلحة النارية بنسبة 36.9 في المائة (34 جريمة)، والأدوات الحادة بنسبة 28.3 في المائة (26 جريمة)، والخنق من دون أدوات 7.6 في المائة (7 جرائم)، وضرب باليدين بنسبة 3.3 في المائة (3 جرائم)، والمواد السامة والحرق والسقوط والغرق بنسبة 2.1 في المائة (جريمتان لكلّ منها)، والإجهاض والتدافع والأدوية بنسبة 1.09 في المائة (جريمة واحدة لكلّ منها).