يرجح متخصصون في الأردن أن يؤدي انتهاء العمل بأمر الدفاع عن سجن المدينين إلى انعكاسات سلبية على الأمن الاجتماعي، لأن "قانون التنفيذ" الذي جرى تعديله أخيراً سيُلاحق كل من تجاوز دينه 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار)، مع احتمال سجنه إذا أمر القضاء بتنفيذ القانون في حقه.
وكشف وزير العدل أحمد الزيادات خلال اجتماع عُقد في مجلس النواب الأردني أخيراً، أن عدد أصحاب الديون في جميع دوائر التنفيذ يبلغ 158 ألفاً، موضحاً أن نسبة 68 في المائة منهم يقل دينهم عن 7 آلاف دولار، و32 في المائة منهم تتجاوز قروضهم هذا المبلغ، ما يعني أن أكثر من 50 ألف مواطن مهددون بالسجن، في وقت تصل نسبة الاكتظاظ في السجون إلى 163 في المائة، ما ينذر بمواجهة المطلوبين أوضاعاً صعبة.
وتتحدث مديرة مركز وعي لحقوق الإنسان المحامية تغريد الدغمي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "القرار سيلحق ضرراً بالدائنين وأصحاب الديون معاً"، معتبرة أن "الحكومة والسلطة التشريعية لم تضعا ضمانات حقيقية تسمح للدائنين بتحصيل حقوقهم المالية، كما لن يستطيع المدينون الذين فشلوا في تسديد مستحقاتهم في ظل سريان أمر الدفاع خلال السنوات الثلاث السابقة، ترتيب أمورهم إذا سجنوا".
وترى تغريد أن "أرقام المتضررين من إلغاء سجن المدينين ستتضاعف، علماً أن وزير العدل استند إلى عدد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم فقط، في حين سيُحرك الكثير من المواطنين قضايا جديدة بعد رفع أمر الدفاع".
تضيف: "لم يرفع الدائنون شكاوى على المدينين خلال السنوات الثلاث الماضية، لأنهم اعتبروا أن هذا الأمر غير مفيد في ظل عدم إمكان حبس المدينين ما يفرض دفعهم رسوم محاكم بلا فائدة. وفعلياً كان ينتظر كثير من الدائنين وقف العمل بأمر الدفاع، وهو ما ستؤكده الأيام المقبلة برفع مزيد من الدعاوى أمام المحاكم مع انتهاء العمل بوقف سجن المدينين" .
وترى أن "الحكومة والسلطة التشريعية لم تظهرا أي بعد نظر في شأن ضمانات تحقيق العدالة مع الحفاظ على الأمن المجتمعي، وهما تركتا بالتالي أمر تحصيل الحقوق للناس بين بعضهم البعض".
وتدعو إلى "إعادة النظر في بدائل وتوفير ضمانات للدائنين، على غرار الإعدام المدني المطبق في دول عدة، والذي يمنع المدينين من إكمال معاملاتهم إلا بعد تسوية ديونهم في المحاكم، ولا يسمح بتجديد رخص ممارستهم المهن والقيادة والبطاقات الشخصية أو جواز السفر أو فتح حسابات مصرفية وغيرها".
وتوضح أن "العقوبات المجتمعية البديلة التي طبقها الأردن خلال السنوات الأخيرة لم تشمل عقوبات السجن في القضايا المالية، بل فقط قضايا جزائية وفق قانون العقوبات .
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"العربي الجديد": "سيزيد قرار قانون التنفيذ الخلافات بين المواطنين ليس على مستوى القضايا والمحاكم فقط، إذ لا يستبعد ان تتحوّل هذه الخلافات إلى عنف مجتمعي، مثل عراك وشجار وانتشار لثقافة أخذ الحق باليد، وارتكاب جرائم اقتصادية مثل السرقة والاحتيال التي تمثل حالياً حوالي 66 في المائة من إجمالي الجرائم في الأردن".
وحول الانعكاسات السلبية لقرار قانون التنفيذ، يشير الخزاعي إلى أن "أشخاصاً سافروا إلى خارج البلاد بسبب أوضاعهم الاقتصادية وكونهم من المدينين، ومع سريان قانون سجن المدينين، لن يعود هؤلاء إلى البلاد خوفاً من اعتقالهم وايداعهم السجون، كما سيلزم كثير من المدينين بيوتهم خوفاً من أن تقبض أجهزة التفتيش الأمنية عليهم تنفيذاً لأوامر القضاء، ما سيعطل قدراتهم ونشاطاتهم الاقتصادية".
ويرى أن "القبض على المدينين سيُكبد الحكومة ملايين من الدنانير سنوياً، إذ ستتوجه أسر السجناء إلى صندوق المعونة الوطنية للحصول على مساعدات، علماً أن إحصاءات تشير إلى أن أسر 15 في المائة من نزلاء السجون تتلقى مساعدات مالية من هذا الصندوق، وهو عبء إضافي على الحكومة. وتتحدث إحصاءات حكومية أيضاً عن إن السجين الواحد يكلف الدولة شهرياً أكثر من 700 دينار (1000 دولار)"، محذراً من مزيد من الاكتظاظ في السجون.
وبحسب الخزاعي "سيجلب سجن المدينين حرماناً كبيراً، فسجن المربي (الوالد أو الأم) سيجعل الأبناء من دون حماية واهتمام، ما يفتح الباب أمام احتمال انحرافهم وتسرّبهم من المدارس، وأيضاً أمام زيادة عمالة الأطفال في الأردن في شكل كبير، فالمسؤولية سيحملها الأبناء والأطفال، علماً أن 18 في بالمائة من المدينين من النساء، ما يعني تشتت أواصر كثير من الأسر".